أواصل الكتابة فى موضوع لا يسعدنى الخوض فيه.. لكن ما باليد حيلة كما يقولون، فالخطر اقترب منا بأكثر من اللازم ومع ذلك لا نراه.. أو نراه ولا نشعر به.. فى كل الأحوال أصابنا العمى!.. الموضوع هو أحداث ماسبيرو التى لا يزال البعض يتحدث عنها بمنطق أنها نتيجة طبيعية ومنطقية للفتنة الطائفية التى وصلت إلى درجة دخول الجيش مع الأقباط فى خصومة وعداء!.. أواصل الكتابة وقد ازددت يقيناً بأن ما حدث أمام مبنى ماسبيرو يوم الأحد الدامى كما يطلقون عليه.. ليس له علاقة بالفتنة الطائفية لا من قريب ولا من بعيد وإنما هى مؤامرة هدفها الحقيقى إسقاط مصر عن طريق إسقاط الجيش!.. بل إننى أمضى لما هو أبعد وأقول إنه ليس فى مصر فتنة طائفية.. لم تكن هناك فتنة.. لا أمس ولا اليوم.. وإنما هى محاولة مستمرة لصنع هذه الفتنة.. محاولة تديرها قوى خارجية ويساعدها من الداخل حمقى ومهاويس!.. وفى أيدينا أن نحكم على هذه المحاولة المستمرة بالفشل الدائم.. فقط لو أننا احتكمنا للعقل والمنطق.. فهل نفعل؟!.. اذا فعلنا واحتكمنا للعقل والمنطق فسوف نتأكد من أن أحداث ماسبيرو هى نفسها أكبر دليل على أن مصر لا تعرف الفتنة الطائفية!.. وليس فيما أقول مبالغة لأن تداعيات أحداث ماسبيرو كان من الممكن أن تحرق مصر كلها.. لكن مصر لم تحترق مع أن كل الظروف كان من الممكن أن تؤدى إلى ذلك!.. كان المشهد يبدو بالنسبة لكثيرين من الذين تابعوه على شاشات التليفزيون والفضائيات وكأنه ساحة حرب.. وكان الانطباع أن هناك صداماً بين الأقباط وبين الجيش المصرى.. وكانت القراءة الخاطئة للأحداث تحرض المسلمين على الخروج والتحرك لنصرة الجيش المصرى ضد الأقباط.. وكان ذلك كله يقود إلى الكارثة.. لكن ذلك لم يحدث.. لم يؤد التحريض ولم تؤد القراءة الخاطئة إلى مواجهات بين المسلمين والمسيحيين.. ولم تتسع دائرة الأحداث إلا فى مناطق محدودة ولفترات محدودة بفعل بعض الصبية.. لم تخرج الجماعات الإسلامية كما كان متوقعاً وتصطدم بالأقباط الغاضبين.. لم يشتبك مسلم مع مسيحى فى أى منطقة أخرى بسبب هذه الأحداث.. وإنما الذى حدث هو العكس.. فقد حاول الجميع إطفاء الحريق ومنع نشوب حرائق أخرى.. لماذا لم تتسع دائرة الأحداث والمواجهات؟ لماذا لم يشتبك المسلمون والمسيحيون؟.. لماذا لم تشتعل الحرائق؟.. لماذا نجت مصر؟!.. ببساطة لأن مصر لا تعرف الفتنة الطائفية!.. هذه هى النتيجة التى يقودنا إليها العقل والمنطق.. فلماذا لا نستمر فى الاحتكام للعقل والمنطق؟!.. *** كيف يمكن أن نتصور أن هناك خصومة وعداء بين الجيش والأقباط؟!.. الجنود الذين يلتحقون بالجيش.. سواء لتأدية الخدمة العسكرية أو عن طريق التطوع.. هم جنود مصريون مسلمون ومسيحيون.. الضباط أيضاً مصريون مسلمون ومسيحيون.. وأظننا نذكر أنه كان هناك قادة مسيحيون للجيش المصرى خلال حرب 1973 وقد حصلوا على أعلى الأوسمة والنياشين.. فى النهاية الجيش يضم مسلمين ومسيحيين.. فكيف يمكن أن نتصور أن الجيش يعادى الأقباط؟!.. ثم ما هى مصلحة الجيش ومصلحة المجلس الأعلى فى معاداة الأقباط والدخول معهم فى خصومة؟.. الجيش أو مجلسه الأعلى يسعى لاستقرار مصر ولا يريد أن يفتح على مصر وعلى نفسه أبواب التدخل الخارجى.. فلماذا يسعى إلى عداء الأقباط والدخول معهم فى خصومة؟!.. وبعد ذلك كله وربما قبله.. لماذا ننسى أو نتناسى موقف الجيش من حوادث الاعتداء على بعض الكنائس فى أعقاب قيام ثورة 25 يناير؟.. لماذا ننسى موقف الجيش من حادث كنيسة أطفيح التى قام ببنائها بالكامل على نفقته؟.. لماذا ننسى موقفه من حادث كنيسة امبابة وغيرها؟.. هل نصدق بعد ذلك أن الجيش يمكن أن يعادى الأقباط ويدخل فى خصومة معهم؟.. الاحتكام للعقل والحكمة يقودنا إلى استحالة ذلك.. ومن ثم فإن ما حدث يوم الأحد الدامى لم يكن إلا مؤامرة.. هكذا يقول العقل والمنطق!.. *** سبقت أحداث يوم الأحد الدامى محاولات للصدام مع الجيش.. بعض هذه المحاولات كان مفتعلا ومكشوفا بأكثر من اللازم.. حاول بعض المتظاهرين من الذين ينتمون لبعض القوى والتيارات السياسية الوصول إلى مبنى وزارة الدفاع بحجة أنهم يريدون توصيل رسائلهم ومطالبهم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة!.. أكثر من محاولة جرت لاقتحام مبنى وزارة الدفاع.. ثلاث محاولات على الأقل.. هل تدخل هذه المحاولات فى إطار التظاهر السلمى أم أنها خطة لجر الجيش للصدام مع الشعب..؟! المثير للدهشة أن كثيراً من المواقع التى يتعامل معها الشباب على شبكة الإنترنت كانت تتحدث عن صدام وشيك مع الجيش خلال احتفاله بذكرى انتصار أكتوبر العظيم.. وكان غريبا أن يتحقق ذلك خلال احتفالات مصر بانتصار أكتوبر العظيم!.. الغريب أن المشهد كله كان ينطق بالمؤامرة!.. بعض الصحف نشرت صورا لبعض المتظاهرين يحملون أسلحة.. مدافع رشاشة على وجه التحديد.. من أين جاءت ولماذا؟! شهود عيان تحدثوا عن إطلاق رصاص من مبانى مجاورة لمبنى ماسبيرو.. البعض رأى شخصا مدنيا يقود مدرعة عسكرية بعد إقصاء جنودها من داخلها.. البعض الآخر يتحدث عن أشخاص كانوا يطلقون النار من على بُعد.. من فوق كوبرى أكتوبر تحديداً.. ثم ما شهدناه من حرائق نشبت فى مدرعات الجيش المصرى.. كيف نشبت هذه الحرائق.. من أشعلها؟!.. لا أتحدث عن المتظاهرين الأقباط الغاضبين ولكننى أتحدث عن المحترفين المدربين على حرق مدرعة عسكرية (!!!).. فكيف لا تكون أحداث ماسبيرو مؤامرة؟.. كيف نصدق أنها فتنة طائفية؟!.. وهل من العقل والحِكمة أن نصدق ذلك؟!.. *** أكثر ما يثير الدهشة فى أحداث ماسبيرو هو موقف بعض أجهزة الإعلام منها.. الفضائيات على وجه التحديد التى حاولت فى البداية التشكيك فى بيانات الجيش عن وقوع قتلى ومصابين عسكريين.. نفس هذه الفضائيات اتهمت التليفزيون الرسمى بالتحريض ضد الأقباط.. ومن الغريب أنها اعتبرت التحريض خطة متفقاً عليها بين الجيش ووزير الإعلام!.. والأكثر غرابة أنها - الفضائيات التى اتهمت التليفزيون بالتحريض ضد الأقباط - راحت تحرض الأقباط والمسلمين على الجيش (!!!).. ونتابع البرامج الحوارية فى هذه الفضائيات فنجدها محاولات متكررة للتحريض على الجيش ومحاولة إثبات خطئه وخطيئته!.. كيف يبرر الجيش دهس المتظاهرين؟.. هل سيعتذر الجيش عن أخطائه؟.. لماذا كانت الضحايا من الأقباط؟.. كيف يحقق الجيش فى قضية هو طرف فيها؟.. وتساؤلات كثيرة من هذه النوعية المشبوهة التى ليس لها هدف إلا تحريض الشعب على الجيش!.. سمعت واحدا من مذيعى هذه الفضائيات يسأل أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن واقعة دهس المتظاهرين.. عضو المجلس الأعلى قال إن الدهس ليس من الطرق التى يلجأ إليها الجيش المصرى حتى فى تعامله مع الأعداء.. فكيف يلجأ لهذا الأسلوب مع المواطنين؟!.. ويحاول عضو المجلس توضيح الحقيقة فيقول إن الاحتمال الأكبر أن حادث دهس المتظاهرين كان رد فعل غير محسوب لجندى رأى زملاءه يُضربون ويقتلون فحاول الهرب بمدرعته.. فرد المذيع: وكيف سيعتذر الجيش عن وجود عناصر داخلية غير قادرة على التحكم فى انفعالاتها؟!.. ماذا تقول عن هذه الفضائيات وعن مذيعيها؟!.. *** منذ عدة سنوات تصدر بصفة منتظمة تقارير من جهات خارجية تتحدث عن اضطهاد المسيحيين فى مصر.. والذى يقرأ هذه التقارير يتصور أن كل مسلم فى مصر وكل مسيحى يمسك فى يده سكيناً يحاول به ذبح الآخر!.. المؤامرة بدأت منذ سنوات.. فلماذا لا نريد أن نصدق أنها مؤامرة؟!..