نشرت جريدة الأهرام أن إسرائيل أنتجت فيلما وثائقيا عن حرب أكتوبر1973 يحاول الادعاء بأنها كانت حربا بالترتيب المسبق بين اسرائيل ومصر برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية بعنوان ( من الذى قتل أبانا؟)، والمقصود التقليل من قيمة الانتصار المصرى!!. والغريب أن جميع شهادات القادة العسكريين الإسرائيليين وقادة الموساد والمخابرات العسكرية وحتى موشى ديان وزير الدفاع وجولدا مائير رئيسة الوزراء آنذاك كانت فى لجنة التحقيق الحكومية المسماه اجرانات ؛ وكان الهدف من تحقيقاتها التحقيق فى التقصير فى الحرب؛ فهل لو كانت إسرائيل منتصرة أو متواطئة تقيم لجنة تحقيق لقادتها وحكومتها؟!! هذا اعتراف ضمنى بالهزيمة؛ وتُعاقب رئيس مخابرتها العسكرية وتُلقى بوزير دفاعها الذى كان أسطورة الشعب الإسرائيلى خارج التاريخ وخرجت 2700 سيدة فقدن أزواجهن وأبناءهن فى الحرب يطالبن بمحاكمته ، حتى أن المجندين الإسرائيليين اكتشفوا أن ما تتحدث عنه إسرائيل من نصر ليس أكثر من دعاية تجميلية لصورة غير حقيقية . فتذكر جريدة هآرتس الإسرائيلية أنه بعد حرب 1973 م أو عيد الغفران كما يسمونها وقف موشى ديان فى اجتماع موسع للجنود والقادة وقدم عرضا سياسيا وعسكريا للأحداث وبالغ فيما قام به الجيش الإسرائيلى، فقام جندى يجلس فى طرف القاعة قائلا: لقد حيرتمونا دعنا نستمع منك لإجابة واضحة؛ من الذى انتصر فى هذه الحرب ؟!!. ويضيف الكاتب: أن القاعة انفجرت فى ضحك مرتفع؛ ولم يرد ديان. هذا دليل على أن الجند لم يصدقوا قصة الانتصار الإسرائيلى ، ولقد اعترف موشى ديان فى لجنة اجرانات وفقا لأقوال ايلى زعيرا رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية أنه أخطأ هو والمخابرات العسكرية ؛ وهو ما أكدته ابنته ياعيل ديان فى اعتراف ابيها ؛ فذكر ديان: لقد ارتكبت أنا ورئيسة الحكومة والحكومة كلها وهيئة الأركان ورئيس الأركان والمخابرات العسكرية جملة أخطاء ، وفى عام 1976م اعترف لصحفى إسرائيلى نشر فى صفحتين: «بُلغت بالمادة التى كانت لدى المخابرات العسكرية وقرأتها ووافقت على تقديرهم ، ورغم أنهم هم المسئولون عن الخطأ فإننى كنت أتفق معهم فى الرأى لذلك يمكن أن تصفنى بالغبى «والمقصود اتفاقهم على أن مصر لن تحارب، وحَمل رئيس المخابرات العسكرية ديان وجولدا المسئولية وقال: أنهما من كان يجب أن يعزلا ويحاكما؛ فقد أخبرهما عن الهجوم المصرى عن طريق مصدره أشرف مروان؛ لكنهما لم يعطيا لهذا أهمية، وكان السبب الرئيسى فى نظرهما؛ وكما قال رئيس الموساد ( تسفى زاميرا) إن مصر صدرت لهم قصة خديعة صدقوها، ونفس الأمر ذكره موردخاى جازيت مدير مكتب جولدا: «أن النظرية التى عمل عليها الإسرائيليون لم تكن نظريتنا نحن إنما كانت نظرية مصرية أو لنقل نظرية تضليلية «فالسادات وضع شروطا للحرب: أولها : وجود صواريخ أرض جو لاستخدامها فى الدفاع الفعال ضد القوات الجوية الإسرائيلية؛ ثانيا : وجود جسور تسمح بنقل القوات الموجودة الى الضفة الشرقية للقناة خلال الوقت الذى يحددونه، وأن شرط السادات وجنرالاته لبدء الحرب وجود وسيلة للدفاع ضد الطيران عند شاطئ القناه، وأنه إن لم يتحقق هذا فلن تحارب مصر؛ ويقول العقيد الإسرائيلى حنان شاى : إنه حتى الرئيس السادات لو قال بنفسه لجولدا مائير قبل 1973 إنه سوف يحارب لرفضت المخابرات الإسرائيلية كلامه تماما. ويسألونه عفوا هل لديك طائرات طويلة المدى؟! لا إذن وهذا كلام فارغ . بل كان لهم تحليل خاطئ آخر لشخصية السادات ؛ وهو ما يؤكده العميد احتياط أرييه شاليف مساعد رئيس شعبة الأبحاث بالاستخبارات الإسرائيلية العسكرية (آمان) إن وحدة البحث آمان التقطت فى 4 أكتوبر 1973 م معلومات ذات أهمية من الدرجة الأولى حول إعداد الرئيس المصرى أنور السادات لغرفة الحرب إلا إنه تم تجاهل هذه المعلومة ؛ ولم تصل الى القيادة إلا فى يناير 1974 م بعد الحرب وتم إجراء تحقيق معهم. ويقول شمعون شامير: إنهم حللوا شخصية السادات على أنه شخص ضعيف ورمادى وغير قادر علىالحفاظ على حكمه ولن يشن حربا ؛ وأن آمان أخطأت فى فهم أمرين مهمين؛ وهما أولاً: ما قام به السادات تجاه خصومه فى عام 1971 وإبعاد السوفييت فى يوليو 1973 وهذا ما يثبت أن شخصية السادات عكس توقعاتهم ويعود ليقول: إنه ربما حدثت خديعة وإن المخابرات المصرية دست لنا هذه المعلومات. الجميع حّمل ديان جزءاً كبيراً من مسئولية الفشل وخاصة الموساد الذى حاول التنصل من الاتهامات بقول رئيسه: تزايد نفوذ الجيش ومكانته بصفة عامة ونفوذ ومكانة وزير الدفاع بصفة خاصة بين الجمهور، وداخل الحكومة بعد حرب 1967، وأن شوكة ديان سواء فى نظر الجماهير أو الحكومة قد تأكدت» ممكن أن نقول بكل تأكيد إننى لم أعرف أى قرار فى المجال العسكرى أو السياسى لم يصدر إلا إذا وافق ديان عليه «وأنه رفض أى قرارات استخباراتية إلا التى يبلغها هو الى الحكومة؛ وأنه رفض اشراك الموساد ؛ وإن جولدا قالت له بالنص: إسمع يا تسفيكا: أنا لا أعرف عن أى شئ يتحدثون، وما يحدث أن موشى يتصل بى تليفونيا ويقول جولدا أريد الحضور للحديث معكى، فماذا تريدنى أن أقول له». أما رئيس المخابرات العسكرية فيلخص الموقف:«إننا لم نكن نعرف أننا لا نعرف، وإن أسوء الأشياء التى يمكن أن تواجه رئيس المخابرات العسكرية أن يكون لا يعرف؛ ويظن أنه يعرف؛ ولا يعرف الى أى حد ليس لديه معلومات وبسبب المصدر الذى كنا نعتقد جولدا وديان ورئيس الأركان أننا سو ف نعرف لو غير السادات رأيه للحرب أما عن المفاجأة فتقرير لجنة اجرانات أن أرييه شاليف رئيس وحدة البحوث فى المخابرات العسكرية قبل الحرب بثلاثة أيام أى فى 3 أكتوبر تحدث أمام مجموعة من الوزراء الذين كانوا يبلغون بالمعلومات عن ثلاثة أسباب هى: أن الجيشين المصرى والسورى أصبحا مستعدين للهجوم والدفاع، الشئ الثانى أنه يعتقد أن مصر تقوم بمناورة والشئ الثالث أنه يعتقد أن احتمالات الحرب قليلة، أما اللواءين اسحاق حوفى وإفراهام برن اللذان اشتركا فى الحرب فلديهما ذكريات مؤلمة عن الضربات القاسية والمخاوف فى أيام المعارك ، وأن القتال على الجبهة الجنوبية مصر كان مليئا بالأخطار وعدم الفهم ، ويضرب مثالاً على ذلك أنه فى السابع من أكتوبر أصدر رئيس هيئة الأركان دافيد آليعازر تعليمات بعدم الوصول الى خط القناه بعدما وضع المصريون على ضفتها دبابات ومدفعية ، وأنه ليس هناك اتجاه لمواجهة سلاح مشاه لديه بطارية مدفعية. ويعلق الصحفى دانى روبتشتاين فى جريدة هآرتس الإسرائيلية: «أمام الذكرى المصرية للنجاح يبرز من ذلك الحين وحتى اليوم شعور بالهزيمة فى إسرائيل ؛ مقارنة بأحداث حرب الاستقلال (حرب 1948م، وحرب الأيام السته 1967 م)اللتين حظيتا باحتفالات ضخمة؛ نجد أنه لا يوجد تقريبا أى ذكر لحرب 1973 م باستثناء احتفالات تأبين فى المقابر العسكرية؛ وحتى حرب 1956م حظيت بالذكرى فى شوارع إسرائيل؛ أما حرب عيد الغفران فلم تصدر بمناسباتها ألبومات أو تقام احتفالات ولا نصب تذكارية ولا أسماء ميادين، فلا تحمل الذكرى الاسرائيلية إلا صرخات اليأس من مواقع القناه من المحاصرين وتسجيلات الأسرى التى تبثها إذاعة القاهرة، والمشاجرات التى لا تنقطع بين الجنرالات ورجال السياسة الذين كانوا يتبادلون الاتهامات، ولم يسبق أن عرفت إسرائيل مثل هذه التعبيرات عن الفشل؛ فقد تم عزل رئيس الأركان وشكلت لجنة تحقيق رسمية وسقطت الحكومة، وازدهرت حركات الاحتجاج فى الشوارع حيث طالبوا بإبعاد جيل كامل من الزعماء، وكلمة تقصير هى الكلمة البارزة جداً فى إسرائيل والتى ارتبطت باسم حرب أكتوب». هذا رأى صحفى ويعلق أيضا اسحاق جلنود خبير علوم سياسية فى الجامعة العبرية: «أن سقوط حكومة جولدا مائير كانت نهاية لهيمنة حزب العمل ووضح ذلك فى انتخابات 1977م؛ ونظر لها الجمهور الإسرائيلى على أنها حرب سيئة دفعت لتحولات جذرية فى السياسة الإسرائيلية؛ وعّمقت عملية تداعى الأحزاب التقليدية؛ وزاد من الرغبة فى البحث عن حلول سياسية عن طريق القانون واعتبروها آخر الحروب الكبيرة لإسرائيل. فشهد شاهد من أهلها» فلا تعليق، تحية للجيش المصرى.