كشفنا فى الخواطر الماضية أن الرئيس أنور السادات استكمل تأسيس الحزب الوطنى فى سبتمبر 1978 بعد حل حزب مصر الذى رأسه ممدوح سالم رئيس وزراء مصر.. وكان أول وآخر رئيس له.. وقلنا إن أعضاء مجلس الشعب هرولوا للانضمام إلى حزب الرئيس دون أن يقرأوا برنامج الحزب أو حتى يعرفوا مبادئه! وكان فكرى مكرم عبيد صديق السادات- منذ الطفولة- أول أمين عام للحزب الوطنى وتقدم بوثائق الحزب إلى لجنة الأحزاب فى 27 سبتمبر 1978. وكانت اللجنة التأسيسية للحزب الوطنى البالغ عددهم 140 عضوا تضم جميع ألوان الطيف السياسى والاجتماعى والإعلامى والاقتصادى.. وأذكر منهم على سبيل المثال حامد دنيا مدير تحرير مجلة أكتوبر والزميل حاتم نصر فريد المحرر العلمى للمجلة- رحمهما الله- اللذين رشحهما الأستاذ الكبير أنيس منصور رئيس تحرير أكتوبر فى ذلك الوقت للرئيس السادات، بالإضافة إلى د. صبحى عبد الحكيم عميد آداب القاهرة الذى أصبح بعد ذلك أول رئيس لمجلس الشورى بعد تأسيسه فى عام 1980، وصفوت الشريف وكيل هيئة الاستعلامات فى ذلك الوقت، ثم أصبح وزيرا للإعلام ثم أمينا للحزب الوطنى ثم رئيسا لمجلس الشورى فى 24 يونيو 2004.. والمتهم حاليا فى تدبير موقعة الجمل وقتل الشهداء بميدان التحرير، وغيرهم من المؤسسين. *** وفى نفس الوقت كان الرئيس السادات يدفع بتأسيس حزب العمل الاشتراكى برئاسة إبراهيم شكرى وكان عضوا فى حزب مصر قبل حله.. وله تاريخ طويل ومشرف فى الجهاد ضد الاستعمار الإنجليزى والملك والتصدى لفساد الأحزاب قبل الثورة، وعضوا بارزا فى حزب (مصر الفتاة) وممثل فى مجلس النواب عام 1950.. وتم سجنه بسبب العيب فى الذات الملكية لمدة 6 أشهر! وقد تقلد إبراهيم شكرى بعد ثورة 23 يوليو 1952 عدة مناصب وزارية وسياسية حتى تأسيس حزب العمل فى بداية ديسمبر 1978. وقام السادات بتذليل كل العقبات والإجراءات لقيام هذا الحزب المعارض تحت قبة البرلمان.. ووقع السادات على وثيقة تأسيسه بنفسه لتشجيع أعضاء مجلس الشعب للانضمام للحزب لاستيفاء شرط توافر 20 عضوا من أعضاء مجلس الشعب عند تكوين أى حزب سياسى جديد. وأذكر أن المواطنين وأعضاء مجلس الشعب بدأوا الانضمام لحزب العمل منهم عديل السادات محمود أبو وافية مؤسس حزب مصر قبل حله، ود. محمد حلمى مراد الذى كان عضوا فى حزب الوفد من قبل، وأيضا شيخ البرلمانيين (عمنا) سيد جلال الابن البار لدائرة باب الشعرية الذى كان مثالا شريفا للنائب العصامى الشهم الذى قدم كل حياته وأمواله لأبناء دائرته البسطاء.. وبنى لهم دورا إضافيا فى مدرسة خليل أغا الثانوية التى تعلمت فيها فى المرحلة الثانوية، وغيرهم من زملاء المهنة.. ومنهم أول دفعتنا عاصم القرش رئيس تحرير (الأهرام ويكلى) والإعلاميان محمد نجيب حمودة ومدحت الصيرفى. كما بنى عم سيد مستشفى للناس الغلابة مازالت تحمل اسمه حتى الآن.. وكان- رحمه الله- معارضا شجاعا.. وقد شاهدت له العديد من المواقف التى يتصدى فيها للظلم والفساد. كما انضم للحزب الجديد المهندس محمد حسن درة الخبير الإسكانى الكبير الذى أصبح نائبا لرئيس الحزب بعد ذلك، ومحب ستينو وزير الإسكان الأسبق وغيرهما. وفى 11 ديسمبر 1978 وافقت لجنة الأحزاب على تأسيس حزب العمل الاشتراكى ليكون حزبا معارضا بعد أن استوفى كل شروط وإجراءات التأسيس طبقا للقانون واللوائح. *** وأذكر أن مجلس الشعب فى ذلك الوقت (أكتوبر 1978) ومع نهاية الدورة البرلمانية كان فوق صفيح ساخن وفيه صدام دائم بين جهابذة المعارضة الحقيقيين (د.محمود القاضى وممتاز نصار وعلوى حافظ وصلاح أبو إسماعيل وعادل عيد ومصطفى كامل مراد والشيخ عاشور وغيرهم كثر) وبين حزب الأغلبية حول القضايا المصرية المصيرية، ولكن المهندس سيد مرعى كان بفضل حنكته السياسية والبرلمانية حكما محايدا بين المعارضة والأغلبية وكان النواب يدركون ذلك تماما ويقدرونه. وقد عبرت المعارضة والأغلبية عن حبها الصادق ومودتها لرئيس المجلس- فى جلسة لا أنساها- عندما فوجئنا مع اقتراب نهاية جلسات الدورة البرلمانية وبالتحديد فى 10 أكتوبر 1978 أن الأعضاء بجميع اتجاهاتهم قد علموا أن الرئيس السادات قد قرر عدم استمرار سيد مرعى رئيسا للمجلس فوقفوا جميعا ليصفقوا تصفيقا حادا ومتواصلا تحية له.. وطالبوه بعدم التخلى عن رئاسة المجلس.. وتبارى أعضاء المعارضة والأغلبية فى الحديث عن تمسكهم به وضرورة ترشيح نفسه فى الدورة القادمة. *** وكانت لحظات مؤثرة لنا جميعا أعضاء ومحررين وموظفين وعمالا عندما تلعثم سيد مرعى وهو يقدم كل الشكر للأعضاء لهذه المشاعر الحارة والصادقة تجاهه، وقال لهم بكل انفعال مؤثر إنه يشعر بكل المودة نحو كل فرد منهم منذ أن تولى هذا الكرسى وطلب من الجميع العودة لجدول الأعمال لأن ما أثير يعتبر خارج اللائحة وطالبهم بضرورة تعميق الديمقراطية وأن تكون الممارسة بأسلوب سليم. وفى الدورة البرلمانية الجديدة التى عقدت فى 4 نوفمبر 1978 تم انتخاب د. صوفى أبو طالب رئيسا للمجلس خلفا للمهندس سيد مرعى الذى عين رئيسا للهيئة الاستشارية لرئيس الجمهورية حتى وفاته رحمه الله. *** لكن لماذا حل الرئيس السادات هذا المجلس فى أبريل 1979 ولم يستكمل مدته التشريعية؟. وماذا حدث فى انتخابات 1979؟ هذا ما سوف نتعرض له فى الخواطر القادمة إن شاء الله.