تعرضننا فى الخواطر السابقة لبداية تجربتنا الحزبية فى عام 1976 بعد إلغاء النظام الشمولى الممثل فى الاتحاد الاشتراكى.. وشهدت الساحة السياسية وجود ثلاثة أحزاب بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات وهى أحزاب: مصر العربى، والأحرار، والتجمع.. وبدأت هذه الأحزاب تمارس دورها تحت قبة مجلس الشعب. وكان حزب مصر العربى هو حزب الأغلبية برئاسة ممدوح سالم، وأصبح مصطفى كامل مراد رئيسا لحزب الأحرار الاشتراكيين وزعيما للمعارضة تحت القبة ويليها حزب التجمع برئاسة خالد محيى الدين.. ودخلت مصر مرحلة سياسية جديدة مع التعددية بعد غياب الأحزاب عن الساحة لمدة 23 سنة التى تم حلها بعد قيام ثورة 23 يوليو بعام واحد.. بعد أن فشلت فى تطهير نفسها.. وأذكر أن المعارضة بدأت تمارس دورها فى محاسبة الحكومة و الوزراء تحت القبة بكل قوة وشراسة فى بعض الأحيان. وكان رئيس المجلس فى ذلك الوقت البرلمانى القدير المهندس سيد مرعى الذى لعب دورا مهما فى هذه المرحلة من حياتنا الحزبية والبرلمانية بالتنسيق بين الأحزاب الممثلة فى مجلس الشعب. واستطاع مرعى بفضل حنكته السياسية وخبرته البرلمانية الكبيرة أن يكون حكما محايدا بين الأغلبية والمعارضة تحت القبة. وكما قال لى المهندس سيد مرعى فى أحد أحاديثه التى نشرتها على صفحات أكتوبر فى سبتمبر 1979: إن جانبا من المعارضة لم يكن راضيا عن إدارته للجلسات ككل.. وكذلك كان الأمر فى حزب مصر.. الذى كان يمثل الأغلبية.. فبعض أعضائه لم يكن يرضيهم سير الجلسات.. وأنه قد واجه الرضا وعدم الرضا من الطرفين.. وهذا يدل على أن إدارة الجلسات كانت تتم بشكل سليم.. وأنه لم يتوقف طويلا أمام التجاوزات التى حدثت من المعارضة فى ذلك الوقت، لأنه كان ينظر إلى هذه التجاوزات على أنها فى الفترة الانتقالية التى ستؤدى حتما ومع الوقت إلى نوع من الاستقرار.. رحمه الله.. *** وأذكر أنه فى نهاية عام 1977 بدأ حزب الوفد يعيد ترتيب أوراقه مرة أخرى للانضام للأحزاب الثلاثة.. وبدأ فؤاد سراج الدين سكرتير حزب الوفد القديم قبل الثورة الدعوة لتأسيس حزب الوفد الجديد والنزول إلى الساحة السياسية والالتحام بالجماهير ليستمد منها شرعتيه استعدادا لعودة الحزب. وبدأ فى عقد المؤتمرات الشعبية والسياسية لشرح مبادئ حزب الوفد الجديد.. وبدأ عدد كبير من المواطنين من الوفديين القدامى تسجيل عضويتهم للحزب فى الشهر العقارى.. كما وقع 23 عضوا بمجلس الشعب على طلب الإخطار بتأسيس حزب الوفد الجديد إلى مكتب أمين اللجنة المركزية فى 5 يناير 1978.. لاستيفاء شرط توافر 20 عضوا من أعضاء مجلس الشعب كما نص قانون الأحزاب فى ذلك الوقت. ومن أبرز هؤلاء الأعضاء: أحمد يونس رئيس الاتحاد التعاونى الزراعى ود.محمد حلمى مراد وزير التربية والتعليم الأسبق الذى قدم استقالته للرئيس جمال عبدالناصر وعبدالفتاح حسن وزير الشئون الاجتماعية فى حكومة الوفد قبل الثورة وعلوى حافظ وأحمد ناصر المحامى والشيخ صلاح أبوإسماعيل ورزق البلشى. وانضم إلى المؤسسين د. وحيد رأفت وعبدالعزيز الشوربجى المحامى وصلاح الشاهد كبير الأمناء بالقصر الجمهورى ود.محمد أنيس أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة.. وبلغ عدد المؤسسين 224 مؤسسا وكانت المفاجأة أن تعلن لجنة الأحزاب موافقتها على تأسيس حزب الوفد الجديد فى 4 فبراير 1978. ولا أدرى هل كان ذلك مصادفة أو كان مقصودا أن تتم الموافقة من لجنة الأحزاب على قيام حزب الوفد الجديد فى «4 فبراير» لأن هذا اليوم كان يوما مشهودا فى تاريخ مصر والوفد قبل ثورة 23 يوليو 1952 عندما حاصرت دبابات الإنجليز ومصفحاتها قصر عابدين لإجبار الملك فاروق ملك مصر على عودة حكومة الوفد برئاسة مصطفى النحاس إلى الحكم فى 4 فبراير 1942. *** وهكذا عاد حزب الوفد الجديد إلى نشاطه السياسى والبرلمانى تحت القبة واختار د.حلمى مراد رئيسا للهيئة البرلمانية لحزب الوفد وعبد الفتاح حسن نائبا لرئيس الحزب الذى رأسه بالطبع فؤاد سراج الدين.. أو فؤاد باشا كما كان يطلق قبل الثورة. ومن الغريب والعجيب أن حزب الوفد الجديد لم يستمر على الساحة السياسية سوى بضعة أشهر قليلة.. فقد أصدر رئيسه فؤاد سراج الدين فى 22 يونيو 1978 بيانا أعلن فيه حل الحزب احتجاجا على بعض القرارات والقوانين التى تحد من الحريات السياسية للأحزاب.. وأن الجمعية العمومية للحزب وافقت على هذا الحل وتجديد الثقة فى رئيس الحزب وقياداته. *** ويبدو أنه بعد هذه الأحداث التى شهدتها الساحة السياسية بعودة حزب الوفد الجديد تم تجميد نشاطه والانسحاب من الساحة.. قرر السادات أن يتولى بنفسه رئاسة حزب مصر.. ولكن بعد أن يختار له اسما جديدا هو «الحزب الوطنى الديمقراطى» امتدادا للحزب الوطنى القديم الذى أسسه مصطفى كامل. ورحب المكتب السياسى لحزب مصر برئاسة ممدوح سالم بالإعلان عن هذا الحزب الجديد برئاسة القائد أنور السادات- على حد تعبيره- ونزوله إلى قيادة العمل السياسى، وأبدى أعضاء حزب مصر رغبتهم الجماعية فى الانضمام الجماعى تحت زعامته.. وجاءت حركة انضمام أعضاء الحزب تعبيرا بالمواقف الشخصية وبالرأى الحر عن هذه الرغبة كما قال رئيس الحزب سابقا ممدوح سالم الذى تقدم باستقالته من رئاسة الحزب إلى اللجنة التأسيسية، ولكنهم لم يقبلوا الاستقالة وتمت إعادة تشكيل السكرتارية للحزب ورأسها عبدالعظيم أبو العطا (وزير الرى الأسبق) وعيسى شاهين وسعد الدين الشريف وجمال ربيع وعبد الحكيم الجندى وأعلنوا تمسكهم ببقاء الحزب ورفعوا الأمر للقضاء، وهكذا تم حل حزب مصر الذى رأسه ممدوح سالم وكان رئيس وزراء مصر فكان أول وآخر رئيس لحزب مصر، وذلك من أجل عيون الحزب الوطنى. وبدأ السادات الدعوة لتأسيس الحزب الوطنى وعقد الاجتماعات مع اللجنة المؤقتة للحزب.. و«هرول» أعضاء مجلس الشعب للانضمام إلى حزب الرئيس حتى قبل أن يتعرفوا على برنامج الحزب وأهدافه- على حد تعبير أستاذنا الكبير مصطفى أمين- الذى شكا الأعضاء من سخريته لهم.. فقرر السادات وقفة عن الكتابة لمدة 40 يوما وهذه حكاية أخرى. *** وسنواصل فى الخواطر القادمة إن شاء الله استعراض خطوات إعلان الحزب الوطنى التى كنت شاهدا عليها من مكتب المحاماة الخاص بفكرى مكرم عبيد أول أمين عام للحزب بشارع قصر النيل.