كان الكاتب الكبير الأستاذ «مصطفي أمين» أول صحفي يهاجم الحزب الوطني الديمقراطي الذي أنشأه السادات - رحمه الله - لم يعبأ مصطفي أمين أو يهتم بغضب الحاكم ولا بمن هم حول الحاكم من الطبالين والزمارين وكدابي الزفة. وعندما قرر السادات إنشاء الأحزاب، أسند إلي «ممدوح سالم» رياسة حزب مصر، وكان أيضاً رئيساً للوزراء، وفي عهده تمت أنظف انتخابات نيابية في تاريخ مصر الحديث، بعد انتخابات سنة 1924 والتي سقط فيها رئيس الوزراء «يحيي إبراهيم باشا»!! ولم يكن السادات راضياً عن أداء حزب مصر - حزب الأغلبية، وقرر أن ينشئ ويؤسس حزباً جديداً برئاسته هو «الحزب الوطني الديمقراطي». وفي لمح البصر وسرعة البرق ذهب كل أعضاء حزب مصر الذي يرأسه «ممدوح سالم» إلي «الحزب الوطني الديمقراطي» الذي يرأسه السادات!! لم يبق في حزب مصر إلا بضعة أعضاء كان من بينهم «ممدوح سالم» نفسه، الذي بادر بإرسال مذكرة إلي السادات عن حزب مصر يسأل فيها: الحزب يحل أو يبقي مع تأكيد ولائه للرئيس!! وحسب شهادة الأستاذ الكبير «موسي صبري» أن السادات لم يكن ينوي حل حزب مصر وكان يفضل استمراره لكي يأخذ دور المعارضة في ظل النظام. لم تكن قد مضت أيام قليلة علي تأليف حزب السادات حتي فوجئ الناس في مصر كلها بقنبلة صحفية أطلقها الأستاذ «مصطفي أمين» علي شكل مقال نشره في صحيفة الأخبار التي كان يرأس تحريرها الأستاذ «موسي صبري»، وكتب يقول: كنت أتمني لو أن أعضاء مجلس الشعب لم يهرولوا إلي الانضمام إلي حزب الرئيس السادات الجديد، كنت أتمني لو أنهم انتظروا حتي أعلن السادات برنامج الحزب وبحثوه ودرسوه ثم اقتنعوا به، وبعد ذلك قرروا الانضمام، كنت أتمني لو أنهم انتظروا حتي يتألف الحزب فعلا!! كنت أتمني لو أن أعضاء مجلس الشعب ذهبوا أولاً إلي دوائرهم الانتخابية وتحدثوا إلي الناخبين الذين انتخبوهم، عن رغبتهم في تغيير لونهم الحزبي الذي حملوه في المعركة الانتخابية، وبعد أن يحصلوا علي تأييد ناخبيهم يعلنون انضمامهم إلي الحزب الجديد. وكانت التقاليد البرلمانية الحقيقية تقضي بأنه إذا استقال نائب من الحزب الذي انتخب علي أساسه فلابد أن يستقيل من مجلس الشعب ويتقدم من جديد إلي دائرته الانتخابية في انتخابات فرعية، فإما أن تنتخبه الدائرة فيبقي عضواً في المجلس أو تخذله الدائرة وتنتخب النائب الذي تريده. ومضي «مصطفي أمين» يقول في مقاله الناري: وعذر هؤلاء النواب الذين هرولوا أنهم لم ينتخبوا علي مبادئ حزب معين بل انتخبوا بصفتهم الشخصية، وبعضهم غير رداءه بعد أن نال حزب مصر الأغلبية، فأصبح حكومياً بعد أن انتخب معارضاً أو أصبح موالياً بعد أن نال من الأصوات باعتباره مستقلاً!! ونحن نخطو خطواتنا الأولي في طريق الديمقراطية يجب أن نحاول أن نضع تقاليد جديدة ويحسن عندما نعدل الدستور أن ننص فيه علي أن النائب الذي يترك حزباً يجب أن يستقيل ويتقدم إلي انتخابات فرعية جديدة. عندما أعلن الرئيس السادات أنه سيؤلف حزباً، فزع بعض الناس وتصوروا أن رياسة رئيس الجمهورية للحزب الوطني الديمقراطي سوف تجعل الحزب ذاتاً مصونة لا تمس، فلا يُنتقد ولا يهاجم ولا يعارض وكان من رأيي أن هذه المخاوف لا أساس لها وأن الشعب المصري ليس شعباً جباناً كما يتوهم هؤلاء الخائفون، وأنه مادمنا قد حطمنا السلاسل والأغلال التي تقيد هذا الشعب، فإنه قادر أن يبدي رأيه بغير خوف ولا تردد، وأننا دائماً سنجد الرجال الشجعان الذين يقولون رأيهم بغير أن ترتجف الكلمات في شفاههم. كانت السطور السابقة أهم ما في مقال «مصطفي أمين» الذي أغضب السادات ووضعه في حرج شديد مع نواب الحزب الجدد الذين هرولوا إليه من حزب مصر، وربما لم يعرف «مصطفي أمين» وقتها ما جري في اجتماع الجمعية التأسيسية للحزب الوطني عندما وقف الدكتور «علي عيسي» أستاذ أمراض القلب وعضو اللجنة وهاجم نواب حزب مصر الذين هرعوا للانضمام للحزب الجديد دون أن يدرسوا مبادئه، وغضب النواب وهاجموا الدكتور «علي عيسي»، كما هاجموا مصطفي أمين بعد ذلك. وبعيداً عن تفاصيل كثيرة تافهة أو ذات مغزي، ويرحل السادات في أكتوبر 1981، ويتولي مبارك حكم مصر ويظل طوال ثلاثين سنة رئيساً للحزب الوطني الديمقراطي!! وما أكثر الأقلام الصادقة والأمينة والمحترمة التي طالبت الرئيس السابق بأن يتخلي عن رئاسة الحزب الوطني حتي يعرف حجمه الحقيقي في الشارع المصري!! ولم يخطر ببال مصري واحد - ولا في الأحلام - أن يحدث ما حدث بقيادة شعب أراد الحياة والكرامة فاستجاب له القدر.