فى التمهيد لاختراق العقل العربى وتهيئته لاستقبال الموجة الثالثة من الديمقراطية الموجهة للمنطقة العربية فى إطار المشروع العولمى أو النظام العالمى الجديد.. كان لابد من البحث عن تعبير لغوى يبدو علميا ولطيفا فى ذات الوقت ليجمّل وجه المهمة القبيحة، هذا المصطلح الذى تم تمريره لبعض النخبة والمثقفين والإعلام والإعلاميين هو «تغيير المفاهيم» . وشاع المصطلح فى السنوات الأخيرة وتم إطلاق عدد من المشروعات الإعلامية والثقافية تحمله عنوانا، من هذه المشروعات على سبيل المثال تمويل دار نشر شهيرة لنشر وترجمة وتأليف عدد من الكتب لتغيير المفاهيم الثقافية والدينية والسياسية للعرب والمصريين، ولم تكتف هذه الدار بالقيام بدور المقاول الرئيسى ولكنها راحت تبحث عن مقاولين من الباطن ينفذون جانبا من المهمة، نفس دار النشر هذه قامت – فيما بعد - بمد جذورها إلى قطر وساهمت فى إصدار جريدة يومية يشارك فى تمويلها عدد من العرب والأجانب من المؤمنين والراعين لفكر «النيوليبرالية» ثم ساهمت فى إصدار جريدة أخرى وشاركت فى إطلاق قناة فضائية فى عمليات اختلط فيها البيزنس بالمصالح السياسية والتغيير الاجتماعى وتداخلت الحدود وضاعت الهويات كما هو مطلوب فى عالم جديد لا أحد يعرف على وجه التحديد من يقوده إلا واجهة أمريكية مستعارة اسمها:«المحافظون الجدد». (1) فى حلقة سابقة من هذه السلسلة، كشفنا عن اللقاء الذى تم فى إحدى قاعات الجامعة الأمريكية فى القاهرة بتاريخ 12 يناير 2009 وحضره «جيمس ك.جلسمان وجاريد كوهين» وهما من فريق مخططى السياسة الخارجية الأمريكية الذى يسيطر عليه فكر المحافظين الجدد، وفى هذا اللقاء نفسه كشف جلسمان عن تشكيل تحالف مدعوم من وزارة الخارجية الأمريكية يضم 10 شركاء فى قطاع الإعلام البديل والمواقع الاجتماعية التى تعمل فى مجال: «تغيير المفاهيم» فى المنطقة العربية وعلى رأسها شركات: «جوجل وAT&T و(MTV) وفيسبوك وهاوكاست» وغيرها للانضمام كرعاة لتحالف حركات الشباب (AYM) للتغيير الاجتماعى، هذا اللقاء الذى خص فيه «جلسمان» أعضاء 6 إبريل الشبان بالذكر منوها بأن بعض قادتها مدعوون لحضور القمة الافتتاحية لهذا التحالف التى انعقدت فيما بعد فى الفترة من 3 إلى 5 ديسمبر من نفس العام (2009). وحسبما جاء فى مقالة منشورة على موقع «أمريكيون يحبون إسرائيل بلا مقابل» تحمل عنوان: «Egypt Avirtuol smoking Gun» وتحكى تفاصيل هذا اللقاء فقد سأل أحد الشباب المصريين «جلسمان» بإلحاح: ألن يعود إطلاق مثل تلك المبادرات (تحالف حركات الشباب) بالضرر عليكم وعلى حلفائنا (شركات الاتصالات والإعلام البديل العشر التى تدعم المبادرة) فأجابه جلسمان:«ما نفعله يضعنا أحيانا فى خلاف مع بعض الحكومات لكن اسمح أن أقول لك إن هناك فرقا على مستوى العمل بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية العامة التى نعمل من خلالها، فنحن ننخرط ونتواصل مع المجتمعات على مستوى الدبلوماسية العامة وبالتأكيد فإن كثيرا من الحكومات لن تكون سعيدة بما نفعله». هذه الازدواجية فى السياسة الأمريكية تخدم من خلالها مصالحها، وهذا ما يجب أن يفهمه من يريد أن يفهم أو يفسر المواقف الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط ودعم أمريكا السابق لحكامها الديكتاتوريين هؤلاء الذين استحلبتهم مثل الأبقار حتى جفت ضروعهم فسعت للإطاحة بهم لتستبدلهم بمن يساعدها فى استكمال تنفيذ مخططها فى المنطقة. (2) على مستوى الدبلوماسية الرسمية، كانت أمريكا تدعى أنها تتواصل استراتيجيا مع الحكومة المصرية وتقدم لها الدعم الذى قررته منذ توقيعها لمعاهدة السلام مع إسرائيل وفى نفس الوقت تدعم من خلال الدبلوماسية العامة المعارضة المصرية ونشطاء التغيير والمجتمع المدنى الذى ينفذ برامج تتصادم فى أغلبها مع القيم الاجتماعية الإسلامية والعربية والمصرية لصالح قيم «النيوليبرالية» التى يطٌلق عليها من باب التجميل القيم الإنسانية لا لشيء إلا أن الغرب هو الذى قرر أن تكون هذه القيم إنسانية عامة. ومرة أخرى نكرر السؤال، لماذا تلجأ أمريكا لهذه الازدواجية التى تستخدم فيها الدبلوماسية الرسمية للتعامل مع أنظمة مثل نظام مبارك وتلجأ فى نفس الوقت للدبلوماسية القادمة لتنفيذ مخططها؟ ونستعير الإجابة هذه المرة من «مارتن كريمر» الباحث السابق فى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذى يقول: «اعتمدت واشنطن فى وقت سابق على حكومات إسلامية لتعزيز مصالحها لدى شعوب تلك الحكومات، لكن بعد تفجيرات 9/11/2001 أصبح من الواضح أن هذه الحكومات إما أنها ليست مستعدة لذلك وإما أنها غير قادرة على فعل ذلك» انتهى. والذى حدث على أرض الواقع أن الذين يديرون مخطط العولمة من المحافظين الجدد، واستغلالا للغضب الأمريكى بعد تفجيرات 11- 9 والنجاحات التى حققوها من خلال الثورات الملونة فى أوروبا الشرقية التى غيروا أنظمتها بأنظمة عميلة دخلت حظيرة الأمركة والعولمة، وتسارع وتيرة الصراع ضد إيران والصين، كل هذا أغراهم باستعجال تنفيذ مخطط «دمرقطة» العرب من خلال دفع شعوب المنطقة للثورة لإسقاط الأنظمة التى تعطل عمل مخططهم بسبب ديكتاتوريتها أو ممانعتها وتصعيد أنظمة تسبح معهم ضد قيم ومعتقدات الشعوب العربية، بعبارة أخرى تساعد أكثر وتكون أكثر قبولا فى تغيير مفاهيم وشعوب المنطقة. (3) وعلى مستوى الإعلام وقبل انتشار وسائل الإعلام البديل وتوظيفها فى الحشد والتحريض والإثارة بدأت الدبلوماسية الأمريكية العامة حملتها لتغيير مفاهيم العرب والمصريين من خلال وسائل الإعلام الكلاسيكية مثل إصدار مجلة «هاي» باللغة العربية تلك المجلة التى لم تلق قبولا لدى الشباب العربى وتوقفت بعد فشل ذريع، تلاها إطلاق محطة «راديو سوا» الذى بدأ بث برامجه على موجة «إف إم» فى 23 مارس 2002 كبديل عن إذاعة صوت أمريكا، وانطلق يدغدغ مشاعر الشباب العربى من خلال بث الأغانى الشبابية والبرامج الخفيفة والأخبار التى استبدل فيها (على سبيل المثال) تسمية «جيش الدفاع الإسرائيلى» ب «جيش الكيان الصهيونى» هذا الوصف الذى يستخدمه العرب الغيورون على قوميتهم والرافضون لممارسات هذا الجيش فى الأراضى المحتلة، وتبع راديو سوا إنشاء فضائية «الحرة» لنفس الأسباب السابقة. (4) بقى أن نعرف أن الذى أسس وأطلق «راديو سوا» و»قناة الحرة» أمريكى يدعى «نورمان جى باتيز Normn J Pattiz « وهو عضو بارز فى مجلس الأمناء الوطنى لمنتدى السياسة الإسرائيلية هذا المنتدى الذى يضم فى مجلسه الاستشارى عسكريين واستخباراتيين بارزين فى إسرائيل، وهو أيضا عضو ضمن أمناء مجلس إذاعة المحافظين (BBG) الذى يرأسه «جيمس ك.جلسمان» الذى جاء مصر ليحرض الشباب وينسق معهم للثورة وهو نفسه زميل مقيم فى معهد «أمريكان إنتربرايز» طاحونة الدعاية التى أنتجت الحرب الأمريكية على الإرهاب كما يصفه المقال المنشور على موقع «أمريكيون يحبون إسرائيل بلا مقابل». ملحوظة أخيرة: قناة الحرة وراديو سوا وغيرهما ممنوعتان من البث داخل الولاياتالمتحدة طبقا لقانون أمريكى صادر عام 1948م يسمى قانون «سميث مونديت» يمنع بث وسائل دعاية الدبلوماسية العامة داخل أمريكا.