فى مصر مثل يقول:(أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب) والمثل ينطبق على قطر وقناتها الجزيرة، قطر تحاول أن تلعب دوراً رئيسياً فى المنطقة، وترى أنها من الممكن أن تنافس مصر على زعامة العالم العربى، وإحدى وسائلها قناة الجزيرة، وسنجد ازدواجية واضحة فى السياسة القطرية تنعكس على قناتها، فالقناة التى بدأ بثها فى 1 نوفمبر عام 1996 بعد سنة من الانقلاب الذى قام به الشيخ حمد آل ثان على والده وتولى حكم البلاد، وتم إنشاء القناة بمبادرة من الأمير ووزير خارجيته الشيخ حمد بن جاسم آل ثان، وحولت لها الإمارة 137مليون دولار مع مساهمات من رجال أعمال قطريين، ووفرت لها إعلاميين من ذوى الخبرة مقابل أجور غير معتادة. ولقد انضم إليهم 25 كانوا يعملون فى الإذاعة البريطانية، وقدمت نوعاً وأسلوباً جديداً فى الإعلام، وكانت لها برامج حوارية تقوم على نقد أوضاع العالم العربى ما عدا ما يحدث فى قطر، وناقشت قضايا حساسة كالحريات والديمقراطية والقضية الفلسطينية والصراع العربى الإسرائيلى بعض البرامج اعتمدت على استفزاز المتحدثين وفى برنامج الاتجاه المعاكس حلقة بعنوان:(هل ينبغى أن يسمحوا لرعاياهم بتنفيذ أعمال الجهاد ضد إسرائيل والولايات المتحدة) وتم الهجوم من المتحدثين على اتفاقية السلام ومصر، ومدحوا قاتل السادات، هذا الحماس يقابله أن الجزيرة فتحت الباب أمام استضافة مسئولين إسرائيليين بينهم أعضاء فى الكنيست والحكومة الإسرائيلية، وأشارت أحد الصحف الإسرائيلية الشهيرة منذ فترة لنهاية الخلاف بين إسرائيل وقناة الجزيرة، وبدأ موسم تفاهم، ولقد شكت متحدثة رسمية سورية المذيع الذى يدير الحوار منذ عام عند مناقشة قضية تخص سوريا وإسرائيل أن القناة أتاحت للمتحدث الإسرائيلى أن يعرض وجهة نظره بحرية فى حين لم تتح لها فرصة الرد ولم تدعها تستكمل الحديث، وكذلك القصة الشهيرة عن البرنامج الذى سجل لعميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار وطلبت إسرائيل عدم إعادة إذاعته واستجابت القناة، ومن المؤكد أن القناه لعبت دوراً مهماً فى تغطية الثورات العربية، ولكن السؤال لماذا خصصت لمصر قناة خاصة مع أن الأحداث فى ليبيا واليمن وسوريا مشتعلة وهى أولى بهذا؟! وبعض برامج القناه تتخذ جنباً تحريضياً وليس ثورياً، والقناة لا تبعد كثيراً عن موقع القاعدة الأمريكية فى الدوحة، هذه الازدواجية نجدها فى السياسة القطرية، وهذا ليس كلامى إنما هو مضمون كتاب أصدره سامى ريفيل أول ممثل للمصالح الإسرائيلية فى قطر بعنوان:(إسرائيل على جهة الخليج العربى) وهو مخصص كله تقريباً لقطر، فيقول إن إنشاء قناه الجزيرة بعد بضعة شهور فقط من افتتاح مكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية، وأن كلاً من الحدثين كان بمثابة حجر أساس للطريق الاستثنائى الذى تسعى قطر للسير فيه، وأن وزير الخارجية القطرى الشيخ حمد بن جاسم سئل ذات مرة عن كيفية نجاح بلاده رغم صغرها فى أداء دور مهم على الساحة الدولية فضرب مثالاً بإسرائيل وأجاب بلا تردد: انظروا إلى إسرائيل فتعداد سكانها بضعة ملايين فقط، ولكنها تنجح فى إصابة العالم بالصداع، ويرى الكاتب أن هذه الإشارة أعطت تعبيراً عن الاحباط الذى تستشعره قطر بسبب صراعات القوى وعلى تخوفها فى مواجهة دول عربية مركزية على خلفية مسعى قطر لدفع علاقتها مع إسرائيل وتقرير التعاون الإقليمى، ويؤكد أن الذين عملوا على بلورة العلاقات بين إسرائيل وقطر شخصيات رئيسية فى قصر الأمير ووزارة الخارجية القطرية وكبرى الشركات القطرية، ويصف العلاقات مع إسرائيل والتى تمسكت بها قطر رغم الضغوط الهائلة التى تعرضت لها على مر السنين نموذجاً بارزاً لتلك القرارات الجريئة، ويشير إلى ان العلاقات بدأت بمشكلة اتفاق إسرائيل مع قطر على تصدير الغاز القطرى إلى إسرائيل، وهذا يعود بنا لبداية العلاقة بقطر لعام 1991 بعد مؤتمر مدريد فى أكتوبر، ودخول وفود إسرائيلية فى مؤتمرات عقدتها دول عربية، وأنهم التقوا القطريين فى إحداها وان الحوار بدأ بين قطر وإسرائيل، واحتل موضوع الغاز أهمية خاصة وجرت محادثات بين وزير الخارجية القطرى مع نظيره الإسرائيلى شيمون بيريز ووزير الطاقة والبيئة التحتية الإسرائيلى موشيه ساحال، وجرت بعدها سلسلة تالية من اللقاءات بخصوص الغاز فى منطقة رأس لافى، وذكر أن المشروع أصبح رأس جسر لدفع العلاقات بين قطر وإسرائيل وحافزا لتعميق التعاون فى مجالات حيوية وضرورية، وكانت نقطة التحول المهمة فى رأيه فى صيف عام 1995 بعد الانقلاب الذى قاده ولى العهد القطرى الشيخ حمد بن خليفه بعزل والده، وأنه بعد تغير الحكم شهدت العلاقات بين قطر وإسرائيل زخماً جديداً وعاد مشروع الغاز الطبيعى إلى مركز الاهتمام، وفى لقاء لحاكم قطر على MBC الفضائية بعد توليه السلطة بثلاثة شهور، وقال فيه إن هناك خطة لمشروع غاز بين قطر وإسرائيل والأردن وهذه الخطة تحقق تقدماً، وفى نفس المقابلة عبر عن أمله فى إنهاء الحظر الاقتصادى العربى المفروض على إسرائيل. وفى نفس الوقت كانت قطر من منطلق إثبات المكانة أرادت استضافة القمة الاقتصادية التالية لعام 1996، وأن المستشار المفوض لوزير خارجية قطر جلس على مائدة مع عدد من المسئولين الإسرائيلين بينهم نائب المدير العام للشئون الاقتصادية بوزارة الخارجية الإسرائيلية عويد عيران وتحدث القطرى بحماس عن الأهمية الكبرى التى توليها بلاده لاستضافة القمة، وذكر أنه يؤكد على إقامة علاقات مع إسرائيل، ويدعم التعاون فى الشرق الأوسط، وهذا المستشار القطرى وضع اسمه فى منتدى دافوس الاقتصادى من قادة المستقبل، ويذكر أن الهدف جعل قطر الصغيرة تضع موطئ قدم لمكانة جديدة، وأن حرص قطر على العلاقات الإسرائيلية ينبعث من اهتمامها بعلاقتها بأمريكا التى سعت لتوطيدها، وأن السياسة القطرية تواجه ازدواجية متمثلة فى علاقتها بالعرب وعلاقتها بأمريكا وإسرائيل، وأن أمر الغاز واستضافة القمة جعلها تتواجه مع مصر، وأن التوتر قد بلغ مداه حين سمعت مصر أن قطر تخطط لنقل الغاز الطبيعى لإسرائيل عن طريق مينائى العقبة الأردنى وإيلات الإسرائيلى، وليس عبر ناقلات تمر من قناة السويس كى لا تحصل مصر على مقابل، إضافة إلى الصعوبات التى تضعها قطر أمام استخراج التأشيرات للمصريين، وأن عمرو موسى الذى كان وزير الخارجية المصرية آنذاك أعلن فى قمة عمان تحفظه على الدول العربية التى تهرول لإبرام صفقات اقتصادية مع إسرائيل قبل ضمان حقوق الفلسطينيين، واكتمال انسحاب إسرائيل من الأراضى السورية واللبنانية، وأن الجميع أدرك انه يقصد قطر، وأن قطر أصرت أن تكون على قدم المساواة مع مصر، وحين أصرت مصر على استضافة القمة الاقتصادية عام 1996 وتدخلت أمريكا وجعلت مصر تستضيف القمة 96 وتستضيفها قطر عام 97. أما بالنسبة لصفقة الغاز فإن المفاجأة أن إسرائيل هى التى قامت بإلغاء الصفقة ورفضتها، وكان بنيامين نتنياهو قد تولى الحكم، ومع ذلك استمرت العلاقات فلقد شعر رجال أعمال قطريون بحرية أكبر من قبل المسئولين الحكوميين بشأن إقامة العلاقات مع شركات إسرائيلية، وكان مجال اهتمامهم منصبا على مجال الكمبيوتر والاتصالات وتحلية المياه وفى الخدمات الطبية، وأنه تم تسويق التكنولوجيا لشركات الاتصال فى قطر، ولكن تلقت قطر والعلاقات ضربة بقيام إسرائيل بإلغاء مشروع الغاز الطبيعى وإلغاء مذكرة التفاهم 1996 الخاص بشراء الغاز، وفى فبراير 1997 تم الإعلان رسمياً أن إسرائيل قررت بشكل نهائى إلغاء نيتها لشراء الغاز من قطر، وأعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها قررت أنه من الأفضل شراء الغاز الطبيعى من مصادر أخرى، وأن عملية البحث الإسرائيلية عن موردين قادت إسرائيل إلى شراء الغاز الطبيعى من مصر، وبعد مفاوضات مع المصريين استمرت سنوات قام وزير البيئة التحتية بنيامين بن اليعازر ووزير البترول المصرى سامح فهمى بالتوقيع فى يونيو على اتفاق يستمر 15 عاماً لاستيراد 1.7 مليار متر مكعب من الغاز كل عام من مصر، وأعرب عدد من المسئولين القطريين بأن المحادثات التى أجرتها إسرائيل مع قطر كانت تستهدف فقط الضغط على مصر لدفع مفاوضات بناء أنبوب الغاز بين البلدين، وأن القرار اتخذه شارون واعتبرها الكاتب فرصة ضاعت نظراً لموقف مصر من صفقة الغاز الإسرائيلى، وإن كانت قطر قد فتحت مكتب لتمثيل المصالح الإسرائيلية بالإضافة لاستضافة قمة اقتصادية 97 كانت نجمتها إسرائيل، ووفقاً لأقوال الإسرائيليين الذين أفاضوا فى وصف الحميمية مما يدعونا لعرض التفاصيل.. وللحديث بقية.