أود أن أعترف، للمرة الثانية، أننى من أشد أنصار نظرية المؤامرة.. وأننى من عشاق كتاب “أحجار على رقعة الشطرنج” لكاتبه وليام جاى كار، والذى أضعه تحت مخدتى قبل أن أنام، والذى يفسر، بالوقائع والحقائق، كل ما يحدث فى منطقتنا والعالم كله بنظرية واحدة لا ثانى لها، وهى نظرية المؤامرة..!! فأذا كنا جميعاً نؤمن إيماناً عميقاً بالتحول العظيم الذى أحدثته ثورة 25 يناير بمساندة قوية من قواتنا المسلحة فى ملحمة قلما تتكرر فى التاريخ.. إلا أننا نؤمن أيضاً وبنفس القدر أن هناك من ركب موجة الثورة، واستغل أهدافها النبيلة العظيمة فى تحقيق أهداف حقيرة لهدم الأسس التى يقوم عليها بنيان هذا الوطن.. وإغراق مصر فى حالة من الفوضى لا تخدم إلا أعداء الوطن، وبالتحديد إسرائيل.. لقد انتقدت بعنف، فى مقال سابق، راكبى موجة الثورة، والمندسين أصحاب الأجندات الأجنبية، والذين يريدون تشويه وجه الثورة الجميل والابتعاد بها عن أهدافها النبيلة، وتساءلت عن أى مكسب تحققه الثورة والثوار من إعلان العصيان المدنى، أو تعطيل مرفق حيوى عالمى كقناة السويس، أو إغلاق مجمع التحرير.. أو تعطيل مترو الأنفاق.. وهأنذا أتساءل، وبنفس القدر، عن أى مصلحة تحققها الثورة أو يجنيها الثوار من التحريض ضد قواتنا المسلحة الباسلة، والدعوة لمهاجمة وحداتها، واستفزاز قادتها بين الحين والآخر، مرة بالتهديد بقتلهم، نعم التهديد صراحة بقتلهم واحداً واحداً، أو إهانتهم فى الفضائيات والصحف وعلى صفحات الإنترنت..!! ودعونا نتساءل بوضوح، فى وقفة صريحة مع النفس، مَن صاحب المصلحة فى كل ما يحدث من مهاترات واستفزازات هدفها الأوحد هو الوقيعة بين الجيش والشعب، وتحويل مصر إلى يمن جديد أو سوريا أو ليبيا.. حيث يقوم الجيش هناك بقتل العشرات من أبناء الوطن مع طلعة كل شمس بدم بارد مما يزيد الاحتقان احتقاناً، ويؤجج مشاعر المواطنين ويفقدهم الثقة فى قواتهم المسلحة.. إن ما يحدث الآن من محاولات تهييج وإثارة وتحريض للشعب ضد قواته المسلحة ليس له إلا معنى واحداً هو التآمر على أمن وأمان هذا الوطن.. ولا أذيع سراً إن قلت إن «موقعة العباسية» كانت نقطة فاصلة فى فرز أبناء الثورة النبيلة الحقيقيين وكشف المندسين أصحاب الأجندات الذين لا يريدون خيراً لهذا الوطن. فقد قرر المخططون للفوضى وضرب الأسس التى تقوم عليها الدولة، أن تكون ساعة الصفر هى ذلك اليوم الثالث والعشرين من يوليو، يوم الموقعة، لمواجهة القوات المسلحة واستفزازها بعد أن التزمت منذ قيام الثورة بأعلى درجات ضبط النفس والاحترافية والصدق فى عدم خيانة العهد والقسم بحماية أمن هذا الوطن، فلم تطلق رصاصة واحدة فى اتجاه أبناء هذا الوطن.. وهو أمر يجب أن نحيى عليه قواتنا المسلحة وقادتها العظام، لا أن نهينهم ونبحث عن كيفية الصدام معهم فى مرحلة حرجة من تاريخنا الوطنى داخلياً، وخارجياً، وفى ظل الاستفزازات الإسرائيلية على حدودنا الشرقية.. إننى على يقين من أن هناك مؤامرة تشترك فيها أياد خارجية وداخلية لهز الأمن والاستقرار فى هذا البلد.. وقد وقعت تحت يدى، بالمصادفة البحتة، «كراسة» لإحدى منظمات المجتمع المدنى التى تتلقى أموالاً أجنبية ملوثة تتحدث عن كيفية التدريب على إسقاط أسس الدولة سلمياً.. والكراسة تتحدث صراحة، بدون أى لبس، عن استراتيجيات وتكتيكات للمقاومة، التى يسمونها سلمية، لهدم «أعمدة الدعم»، كما يسمونها، وهى التى تشكل أعمدة نظام الدولة والتى تنهار بانهيارها وهى الشرطة والجيش، ثم الموظفون الحكوميون، والعمال والشباب ومجتمع الأعمال، ومؤسسات المجتمع المدنى.. والمؤسسة الدينية. وما نفهمه مما يحدث أن بعض الجهات التى تتلقى تمويلاً مشبوهاً قررت الصدام مع الجيش فى محاولة لهدم أهم «أعمدة الدعم» فى الدولة حسب تعبيرهم.. و«الكراسة» بها العديد من النصائح لإحداث أكبر قدر من الفوضى والتخريب «سلمياً».. لا أدرى كيف..؟! إننى أتمنى من الثوار النبلاء أن يحموا ثورتهم وثورة الشعب المصرى كله من الدخلاء والعملاء الذين يركبون الموجة لأهداف خسيسة، ولا يريدون لهذا الوطن إلا الخراب والدمار والغرق فى الفوضى.. مطلوب تصحيح المسار.. وبدء عملية فرز لما هو فى صالح الوطن، وما هو ضد مصالحه العليا، وأعتقد أن أى استفزاز لقواتنا المسلحة هو ضد المصالح العليا، وضد الأمن القومى المصرى، لأنه لا يصب إلا فى خانة مصلحة أعداء الوطن وفى مقدمتهم إسرائيل. كما أتمنى أن يعيد الثوار النبلاء بل والشعب كله قراءة البيان رقم 74 للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعمق والذى جاء جامعاً مانعاً، فهو فى الوقت الذى أكد فيه على حق كل مواطن فى التظاهر السلمى وجه تحذيراً شديد اللهجة، بكلمات لا تقبل اللبس، من أن أى تجاوز ضد وحدات القوات المسلحة أو معسكراتها أو المنشآت الحيوية هو تهديد للأمن القومى ولمصالح الشعب المصرى العظيم، وسيتم التعامل معه بمنتهى الشدة والحزم ومحاسبة مرتكبيه.. كما جاء البيان ليحذر من جديد من العناصر الهدامة فى الداخل والخارج، والتى تريد إجهاض الثورة وتستهدف الأمن القومى.. إن ما حاولوا القيام به فى «تسعة تسعة» أى التاسع من سبتمبر هو امتداد طبيعى لما حاولوا القيام به فى موقعة العباسية يوم 23 يوليو.. فالهدف هو استفزاز القوات المسلحة وإلهاؤها بشئون الداخل عن مهمتها المقدسة فى تأمين حدودنا وتراب أراضينا.. أتمنى أن يقف الثوار وقفة مع النفس يرصدون فيها ما تحقق من إنجازات وسلبيات، وكيف يمكن تصحيح مسار الثورة التى يريد البعض أن يأخذها بعيداً عن أهدافها النبيلة.. لقد سألت مجموعة من الشباب الثوار فى ندوة عقدتها بمكتبى بمناسبة مرور 100 يوم على الثورة المباركة عن رصدهم لسلبيات وإيجابيات ما تحقق فى الأيام المائة.. فأكدوا جميعاً أن أخطر سلبية هى أنهم يخشون على الثورة من بعض أبنائها الذين يعتقدون أنهم يحتكرون الحقيقة وحدهم.. فإذا كانت مقولة إمامنا الشافعى الخالدة هى «أن رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».. فإن بعض الثوار يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن رأيهم صواب لا يحتمل أى خطأ، ورأى غيرهم خطأ لا يحتمل أى صواب..!! وهذا أخطر ما يواجه مصر فى هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا.