فى هذه الأيام.. وفى مثل هذا الوقت لا ينبغى أن نغلق أعيننا على مشاعر الانتقام من الماضي، فيمنعنا هذا عن أن نرى هذه الحفر والفخاخ المنصوبة لنا.. ولا يجب أن نركن إلى الأحاسيس ونرفض أن نتحدث إلى بعض بما يحجبه الجهل أو الخوف عن تصورات عقولنا .. اللحظة أخطر من أن تتفرق بنا السبل قبل أن نجتمع. والذى يمكن أن يجمعنا أن ندرك جيدا أن هناك خطرا كبيرا يحوطنا، على الأرض وفى البحار ومن السماء الدنيا، وهذا الخطر الأخير الذى يأتينا عبر الأثير ويُصَب فى أعيننا وآذاننا فيما اصطلح الناس على تسميته ب «الإعلام»، هو أكثر ما أخشاه على قومى لذلك لن أمل من التحذير منه ولن أتوقف عن فضح مخططاته وأهدافه الخبيثة. (1) الإنترنت» أكبر إمبراطورية إلكترونية حول العالم، وتشير المعلومات المتاحة إلى أن مستخدمى هذه الشبكة المعلوماتية وصلوا إلى ما يقرب من 800 مليون شخص فى أرجاء المعمورة وأن عدد مستخدمى صفحات التواصل الاجتماعى فى وطننا العربى اقترب من رقم 35مليونا، يستأثر «الفيس بوك» منهم بما يزيد على 32 مليون مستخدم، انضم نصفهم على الأقل ليصبحوا مواطنين «فيسبوكيين» بعد 25يناير الماضي، بينما تجاوز عدد مستخدمى موقع التواصل «تويتر» رقم المليون بمائة ألف مع أوائل شهر أبريل الماضي، وأنتج هؤلاء ما يقرب من 23 مليون «تويت» (جملة رأى أو مقالة من المستخدم على موقع «تويتر»). وخلال الأيام والأسابيع الأولى من ثورة 25يناير لفت نظرى وبشدة موقع شبكة إخبارية ليس لها هوية محددة ولا تعلن عن بيانات تدعو للثقة فيها، والذين تابعوها بعد قليل من الهدوء الثورى وصفوها بأنها تحريضية بشكل كبير، فهى شبكة تضعك فى مرمى الخطر الداهم وتدفعك لأن تكون فى وضع الاستعداد الدائم غير المبرر للعنف (الفعل أو المواجهة ورد الفعل). وعلى شاشة إحدى الفضائيات العربية خلال الأسابيع الأخيرة رأيت لأول مرة أحد مؤسسى هذه الشبكة، شاب يدور عمره حول الخامسة والعشرين، وفى مداخلته التى أدلى بها من القاهرة على خلفية نهر النيل الذى يجرى فى وداعته المعهودة منه منذ آلاف السنين فهمت من كلام هذا الشاب أن أهم مؤهلاته هى خبرته فى تقنيات الإنترنت، لا ثقافة ولا عمق سياسيا، يتحدث مثل الآلة فتقفز من فمه معلومات رأيتها خطيرة على الرغم من نقصانها الواضح أو المتعمد، وعرفت مما قاله إن الإعداد لانطلاق الشبكة التى ساهم فى تأسيسها بدأ فى شهر سبتمبر2010 حتى شهر يناير 2011، وتم تدشين انطلاقها ودخولها الخدمة عشية الثورة المصرية (24يناير)، وشعارها الذى رفعته مكون من ثلاث كلمات تشير إلى أفعال تجسسية أكثر منها إعلامية (راقب.. صوّر.. دوّر)، وفى أثناء الثورة كان لهذه الشبكة مراسلون فى قلب الحدث من مصر ومن بعض الدول العربية، ولم تكتف بهم لكنها اعتمدت على الناس العاديين أو ما يطلق عليه «المواطن الصحفى» تتلقى كل ما يرسله هذا المواطن من خلال وسائل الاتصالات البسيطة التى يملكها مثل الهاتف الجوال والكاميرات الشخصية، وعندما تم قطع خدمة الإنترنت فى مصر فى الأيام الأولى للثورة، كانت الشبكة تتلقى العديد من الأخبار على الخط الساخن لشبكة (CNBC) الإخبارية الأمريكية الشهيرة التى تعمل حول العالم فى مجالات الإعلام المرئى والإلكترونى وتعرض خدماتها لمن يريد مقابل ثمن بالطبع، أما المواطن الصحفى الذى تطوع لنقل كل ما تقع عليه عيناه أو كاميرا محمولة بغض النظر عن مهنيته ومصداقيته ونواياه وفهمه لأهمية وخطورة المهمة التى تطوع لإنجازها، أكرر بغض النظر عن كل هذا، فقد تغلب على قطع اتصالات الإنترنت بتكنولوجيا حديثة مثل «البلاك بيري» و»والآى فون» وحتى التليفون الأرضى الذى كان يتم استخدامه لإملاء الأخبار شفهيا، بينما كانت الشبكة تستخدم شبكات أخرى مثل ال (Bing) و(FM). ..من موّل مثل هذه الشبكة وأعدها وأطلقها؟ وحتى دلالة تاريخ إطلاقها ألا يدعو للريبة والظن.. وسوء الظن فى حالتنا هذه من حسن الفطن؟!. لكن السؤال الأهم هنا يتعلق بما يجيء لنا من الشاطئ الآخر، من الغرب الذى ينفق أموالا طائلة فى دعم الإعلام غير التابع للدولة بكل صوره وأشكاله ليتم نزع واستلاب وسائله من ملكية الدولة لتستأثر بها مؤسسات خاصة تدور فى فلك ومدار خارج المدارات الوطنية، والمصالح العليا للأوطان؟! (2) مقابل الخديعة والشر، هناك دائما الضمير والخير، هذا صراع من الأبد وإلى الأزل يحكم دينامية هذه الحياة منذ خلقها الله.. وفى موضوعنا هذا إذا كان هناك أشرار يتلاعبون من خلال إمبراطورية الإعلام الاستعمارى فلابد أيضا أن يكون هناك ضد أو مقابل ويمثل هؤلاء كتّاب ذو ضمير حى ينتظمون فى مؤسسات تكافح السياسات الشيطانية ومن هذه الأخيرة «مركز مساعدة وسائل الإعلام الدولية»، وعلى موقع هذه الشبكة يفضح الكاتب الأمريكى «مايكل باركر» فى دراسة له الأساليب وبرامج العمل والأهداف وأهم الممولين والعاملين والمتعاونين فى الإمبراطورية الداعمة للإعلام الإمبريالى، ويكشف «باركر» من خلال دراساته الموثقة عن الأدوار الموزعة ما بين مؤسسات التمويل مثل «فورد» و«روكفولر» والأفراد مثل «جورج سورس» والمؤسسات التى ترفع شعارات دعم الديمقراطية حول العالم مثل «صندوق دعم لديمقراطية أو الوقفية الوطنية للديمقراطية (National (Endowment For Democracy ويشار لها اختصارا ب (NED). هذه المؤسسة وغيرها التى يدعمها بشدة الحزبان الديمقراطى والجمهورى اللذان يتبادلان الحكم فى أمريكا بالإضافة للشركات عابرة القارات والقادة العسكريين الأمريكيين الذين يؤمنون بالليبرالية الجديدة، وكبار موظفى المعلومات فى الحكومة الأمريكية.. وهؤلاء جميعا يمثلون حكومة (داخل الحكومة الأمريكية) تموّل الشبكات غير الحكومية التى تروج للنشاط الإمبريالى (الاستعمارى الغربى). ويقول «باركر» فى دراسته إن نشاطات مؤسسة «نيد» تسمح لأمريكا بتصدير الديمقراطية «الانتقائية»، من خلال الأفراد والمؤسسات التابعة للمجتمع المدنى فى هذه البلدان، والمجتمع المدنى نفسه يعمل وفق أجندات أو استراتيجيات وضعها ما يسمى فى الغرب الأمريكى المؤسسات الليبرالية بالإضافة إلى الشركات عابرة القارات ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وهذه الاستراتيجيات كلها تعمل على الاستفادة من القاعدة الشعبية التى يتم خلقها فى هذه البلدان طبقا لنظرية «الجراس روتس» التى تحدثنا عنها فى المقالة السابقة. (3) «كارل جريشمان» كاتب أمريكى آخر يفضح دور مؤسسة «نيد» التى انطلقت للعمل رسميا عام 1983 لتمول وسائل الإعلام العالمية من كل نوع، لأنه - كما يؤمن الذين يقفون خلف «نيد» وغيرها من المتلاعبين فى وسائل الإعلام - لم يعد من الممكن الاعتماد فقط على القوة العسكرية لتعزيز الاستقرار والدفاع عن الأمن القومى الأمريكى، لذلك - وعلى نحو متزايد - أصبح الاعتماد على وسيلة «الإقناع» أكثر أهمية لخدمة مصالح الإمبراطورية الأمريكية والقيم الغربية (الأنجلو ساكسونية)، وصار لزاما على الولاياتالمتحدة أن تحسّن قدرتها على الإقناع بواسطة التقنيات المتقدمة للوصول إلى الناس من مختلف المستويات والطبقات فى البلاد التى تريد أن تغزوها وتغير قيمها. (4) وفى مقال آخر منشور له فى مجلة التايمز فى شهر يونيو 2008، كشف «جيرمى بيجوود» - وهو أيضا كاتب أمريكى - عن مصائب التلاعب بالديمقراطية من قبل الأنظمة الداعمة لوسائل الإعلام العالمية، وهو أول صحفى غربى يلفت الانتباه إلى الطبيعة المعادية للديمقراطية فى عمل الصندوق الوطنى للديمقراطية «نيد». وهذه المؤسسة أو هذا الوقف الممنوح ريعه لنشر الديمقراطية، تقف خلفها قصة تعكس حقيقة تكوينها والعُقد التى تحكم هؤلاء الرجال البيض الأغبياء الذين يسعون للسيطرة على العالم.. فانتظرونى لأحكيها لكم.