الذين يتطاولون على القضاة والقضاء الآن - هداهم الله - لا يعرفون أن للقضاء قدسيه واحترامًا واجلالًا.. ونحن مع استقلال القضاء وليس التطاول عليه وقد عرف استقلال القضاء فى الإسلام. ففى الدولة العباسية اتسع نطاق سلطة القاضى واختصاصاته وقد قال السيوطى مؤرخ هذا العصر «إن قاضى القضاة فى هذا العصر أوسع حكمًا وسلطانًا من سلاطين هذا الزمان».. ومن أفذاذ القضاة فى الإسلام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب «كتاب الخراج» الذى ولاه الخليفة هارون الرشيد فى منصب قاضى القضاة وكان يجله ويحترمه.. ومن أمثلة عدله وجرأته فى الحق أنه رد شهادة الوزير الفضل بن الربيع ولم يقبلها.. وسأله الرشيد فى ذلك فقال سمعته يقول: أنا عبد الخليفة فإن كان صادقًا فلا شهادة لعبد.. وإن كان كاذبًا فشهادته مردودة لكذبه.. وبالغ الخليفة فى الجدل وقال اتقبل شهادتى فقال أبو يوسف لا فعجب الخليفة وسأله عن السبب فقال لأنك تتكبر على الخلق ولا تحضر الجماعة وهذا ينافى العدالة.. فبنى الرشيد مسجدًا فى داره وأذن للعامه للصلاة معه صلاة الجماعة.. من أعلام القضاة فى مصر الشيخ عز الدين ابن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء ومن مواقفه الشهيرة أنه عندما ولى منصب القضاه فى مصر.. وجد معظم أمراء الدولة من المماليك الذين اشتراهم السلاطين بأموال بيت المال وانخرطوا فى سلك الجندية وبلغوا رتبه الإمارة.. فكان العز بن عبد السلام قاضى القضاة يقضى ببطلان تصرفاتهم وعقودهم فى البيع والشراء حتى يرفع الرق عن أمراء المماليك ويوضع ثمنهم فى بيت المال.. فاستعدى المماليك عليه السلطان وهموا بقتله.. فاستقال العز بن عبد السلام وخرج من مصر ووضع أمتعته على حمار وأركب أسرته على حمار وسار خلفهم.. فهاج الناس فى ثورة عظيمة فخاف السلطان على ملكه، وخرج إلى الشيخ ولحق به واسترضاه وأعادة لعمله.. وتم له ما أراد ونادى على الأمراء واحدًا بعد الآخر وغالى فى ثمنهم ثم كتب لكل منهم إشهارًا شرعيًا بحريته.. وقضاه مصر الآن هم احفاد العز بن عبد السلام فلا يحق لأحد التطاول أو الهجوم على القضاء المصرى الذى كان ومازال وسيظل رمزًا ومنارة لإرساء العدل عبر العصور!!