ليس هناك شك فى أن الأحداث التى وقعت فى منطقة العباسية قبل أسبوع تقريبا.. أصابتنا جميعا بالفزع، وجعلتنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من احتمال وقوع صدام بين الجيش والشعب.. وليس هناك خلاف على أن هناك جهات ما - داخلية أو خارجية أو الاثنين معا - تسعى لتحقيق مؤامرة الوقيعة بين الجيش والشعب.. والهدف واضح.. فوضى شاملة ومدمرة تسقط معها مصر فلا تقوم لها قائمة!.. فى كل الأحوال كان الخطر قريبا وكان الصدام وشيكا.. وكان المشهد مرعبا!.. ومع ذلك كله فرُب ضارة نافعة كما يقول المثل.. فقد تبلورت الأحداث المروعة وانتهت بنتيجة واحدة.. الشعب كله يؤيد الجيش ويثق فيه ويرفض تماما أى دعاوى مشبوهة للصدام معه.. كأنه كان استفتاء على مكانة الجيش فى قلوب المصريين وعقولهم.. فإذا بالمصريين جميعا يشاركون فى الاستفتاء، وإذا بهم جميعا يقولون للجيش وللمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. نعم!.. لا أبالغ لو قلت إن ما حدث لن يتكرر وأن أية جهة - داخلية أو خارجية - تسعى للوقيعة بين الجيش والشعب.. أصبحت تدرك تماما أن الطريق مسدود!.. كان الملاحظ أن كل القوى والتيارات السياسية المختلفة قد اجتمعت فى أعقاب أحداث العباسية على رفض فكرة الوقيعة بين الجيش والشعب أو حتى الوقيعة بين الجيش ومجلسه الأعلى.. وكان لافتا للنظر أن جميع هذه القوى والتيارات لم تتردد لحظة واحدة فى الإعلان عن ثقتها بالجيش وتمسكها بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وراح البعض يؤكد أن ما يوجه أحياناً من انتقادات للمجلس الأعلى ليس مبعثه رفض الدور الذى يقوم به المجلس، وإنما لأن المجلس يقوم بدور سياسى يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ.. غير أن الأهم من ذلك كله أن المواطن المصرى البسيط الذى حرصت معظم الفضائيات المحلية والعربية على معرفة رأيه كان مؤيدا للجيش ومجلسه الأعلى بلا حدود.. وكان ناقما غاضبا على الذين حاولوا الصدام مع الجيش وجر البلاد إلى هاوية.. ولا ينفى ذلك أن هناك استثناءات قليلة.. لكنها بأى حال لا تؤثر فى رأى الأغلبية التى أيدت الجيش ومجلسه الأعلى.. استثناءات موجودة فى كل نظرية.. وشذوذ موجود فى كل قاعدة!.. مرة أخرى لا أبالغ لو قلت إن قطار مؤامرة الوقيعة بين الجيش والشعب قد وصل إلى محطته الأخيرة التى لم يستطع أن يغادرها بعد ذلك ويتقدم خطوة واحدة!.. وإذا كان الشعار الذى رفعه ثوار يناير عند بداية نزول الجيش إلى الشوارع هو أن الجيش والشعب يد واحدة.. فإن الواقع الذى أكدته أحداث العباسية أن الجيش والشعب بالفعل يد واحدة.. يد قادرة على سحق الذين يتآمرون على مصر وأمنها واستقرارها.. وليس خافيا أن هؤلاء المتآمرين بدأوا محاولتهم مبكرا!.. *** أكثر ما يثير الدهشة أن موقف الجيش من الثورة لا يمكن لأحد أن يخطئ دلالاته.. ومع ذلك لا تنقطع محاولات الوقيعة بينه وبين الشعب!.. إذا عدنا إلى البيان رقم واحد الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وأظن أن القارئ يتذكر أنه أعلن قبل أن يعلن الرئيس السابق مبارك عن نقل سلطاته كرئيس للجمهورية إلى نائبه عمر سليمان.. إذا عدنا إلى ذلك البيان أظننا جميعا نذكر أنه تحدث بوضوح وصراحة عن «المطالب المشروعة للشعب».. هل هناك معنى آخر إلا أن الجيش اختار منذ البداية الانحياز للشعب وليس لقائده الأعلى؟!.. هل هناك أى شك فى أن الجيش انحاز منذ اللحظة الأولى للثورة؟!.. وعندما صدرت الأوامر للجيش للتحرك فى أعقاب انسحاب الشرطة من جميع المواقع التى كانت تشغلها.. لم يكن سرا أن الهدف الوحيد كان مساعدة الشرطة لقمع المتظاهرين وفض اعتصام ميدان التحرير.. لا أتحدث هنا عن أوامر إطلاق النار على المتظاهرين فهذه مسألة أصبحت فى يد القضاء الآن.. لكننى أتحدث عن أن نزول الجيش إلى الشوارع كان هدفه الوحيد هو مساعدة الشرطة فى التغلب على ثوار التحرير.. ومن اللحظة الأولى كان واضحا - على جميع المستويات - أن الجيش لن يشارك فى قمع المتظاهرين بأية طريقة وبأى أسلوب.. وأنه تحرك بتشكيلات هدفها الوحيد حماية المتظاهرين وحماية المبانى والأماكن والأهداف الحيوية خاصة التى لها طابع قومى.. ورغم ذلك كله كان هناك من يحاول أن يهز الثقة بين الجيش والشعب.. بالتلميح وبالتصريح.. وبالانتقاد والتشكيك!.. *** فيما يشبه الخطة الممنهجة المنظمة بدأت معركة هز الثقة بين الجيش والشعب.. راح البعض يتحدث عن أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس هو الجيش.. وراح هؤلاء يرددون أنهم يثقون فى الجيش ويقدرون دوره.. لكن هناك فارقا بين الجيش ومجلسه الأعلى!.. وراح البعض يردد فكرة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لابد أن يتخلى عن موقعه كرئيس للبلاد وأن يتم استبداله بمجلس رئاسى مدنى.. مع عودة الجيش كله إلى ثكناته.. فى البداية كان ذلك بالتلميح ثم بعد ذلك بالتصريح!.. وبدأت نغمة الانتقاد تزداد حدة فراح البعض يتحدث عن تباطؤ الجيش فى تنفيذ مطالب الثورة.. ثم راح البعض يصف التباطؤ بالتواطؤ!.. كان واضحا أن هناك من يحاول التحريض لدرجة أن أحد الكُتّاب المصريين كتب مقالاً فى جريدة عربية تصدر من لندن يتحدث فيه عن الجيش وكأنه العدو الحقيقى للثورة.. فقد ذكر الكاتب فى مقاله أن الجيش يعتمد سياسة ممنهجة تتلخص فى تغاضيه عن المظاهرات الكبيرة.. أما المظاهرات الصغيرة المحدودة فإنه يستفرد بها ويتعامل معها بمنتهى القسوة والعنف.. فيقوم باعتقال أعداد غير قليلة من المتظاهرين سواء من الشباب أو الفتيات.. وأن هؤلاء المعتقلين يتعرضون لانتهاكات وإهانات جسيمة تصل إلى حلق شعر رؤوس الشباب وتعذيبهم.. والكشف عن عذرية الفتيات عن طريق جنود يرتدون ملابس الأطباء (!!!).. وأكثر من ذلك.. فقد قال الكاتب صراحة إن العدو الحقيقى للثورة هو الجيش المصرى الذى يحمى النظام القديم!.. وراحت خطة هز الثقة بين الجيش والشعب تسير فى طريقها حتى وصلت إلى مرحلة «العباسية».. متظاهرون يرددون هتافات ضد الجيش والمجلس الأعلى، ويتحركون فى مسيرة لاقتحام وزارة الدفاع!.. وكما ذكرت فى البداية كانت تلك الخطوة هى القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة للمصريين الذين رأوها تجاوزا لكل الخطوط الحمراء.. تجاوزا لم يعد مقبولا ولا قابلا للتكرار!.. وكما أثبت الجيش أنه منحاز للثورة، وأنه لم ينزل إلى الشارع إلا لحمايتها وحماية الشعب المصرى.. أثبت الشعب المصرى أنه يثق فى جيشه ومجلسه الأعلى وأنه قادر على حمايته من مؤامرات المتآمرين!.. رُب ضارة نافعة كما يقول المثل!.. *** وليس عندى بذلك إلا ملاحظة تؤكد ثقتنا بالجيش المصرى وقيادته.. الملاحظة تتعلق بالمناورة العسكرية أو المرحلة الرئيسية للمشروع «بدر 2011» بالذخيرة الحية.. كما يسميها العسكريون.. المناورة التى أتحدث عنها تمت بنجاح كبير وكفاءة عالية وقد قامت خلالها كل الأسلحة المشاركة من طائرات ودبابات ومدفعية ودفاعات جوية بإصابة أهدافها بمنتهى الدقة.. وليس ذلك ما لفت نظرى فهذه مسائل يتحدث عنها بدقة وتفاصيل المحررون العسكريون الذين يجيدون فهم ما يرونه ويجيدون التحدث عنه.. أما الذى لفت نظرى فهو ما ذكره المشير حسين طنطاوى القائد العام ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن الوحدات العسكرية التى شاركت فى هذه المناورة.. وهى وحدات من الجيش الثالث الميدانى، والتى كشف المشير طنطاوى عن أنها شاركت فى تأمين محافظتى السويس وجنوب سيناء أمنيا واقتصاديا.. معنى كلام المشير طنطاوى أن الوحدات العسكرية التى لا تزال تقوم بدورها فى الشوارع والميادين بمنتهى النجاح.. هى نفسها التى قامت بمناورة ناجحة حققت كل أهدافها.. المعنى بوضوح أكبر أن قوات الجيش التى قامت بتأمين شوارعنا وبيوتنا وممتلكاتنا - ولا تزال - لم يؤثر هذا الجهد فى قدرتها العسكرية والقتالية.. أليس من حقنا بعد ذلك أن نثق فى هذا الجيش وقيادته؟!.. *** كان الثوار هم الذين رفعوا شعار «الشعب والجيش يد واحدة».. وكان الجيش هو الذى حول هذا الشعار إلى واقع ملموس.. ومن أجل مصر يجب أن يتمسك الثوار بشعارهم وأن يستمر الجيش فى تحويل هذا الشعار إلى واقع ملموس.. مهما بلغت حماقة البعض (!!!).