يرسم فيلم «حاوى» الذى كتبه وأخرجه «إبراهيم البطوط» ملامح صورة كابوسية لشخصيات مطاردة وخائفة تعيش فى الإسكندرية الجميلة، ولكن بدون مظاهرها الرومانسية المعروفة، يبدو هذا الفيلم المختلف الذى ينتمى إلى السينما المستقلة الطموحة، والذى حصل على جائزة أفضل فيلم عربى فى مهرجان الدوحة ترابيكا، كما لوكان مرثّية حزينة لشريحة صغيرة تمثل مجتمعاً بأكمله ضاعت أحلامه وينتظر الخلاص، ورغم الطموح الذى تعودناه من «البطوط» فى أفلامه السابقة «إثياكا» ثم «عين شمس» فإن تجربة «حاوى» لا تخلو من بعض الملاحظات الخاصة بالسيناريو وطريقة رسم الشخصيات المختارة. نحن أولاً أمام سرد غير تقليدى يعتمد على الخطوط المتوازنة مجموعة من الشخصيات المتناثرة التى تبدو متفرقة ولا علاقة تربطها، ثم تدريجياً تنكشف الصورة عن خيوط بينها، نحن أيضاً أمام فيلم شخصيات يحاول فيه السرد أن يرسم ملامح أبطاله وهم بالأساس ثلاثة رجال فى منتصف العمر لديهم تاريخ سياسى أدخلهم المعتقل: «إبراهيم» الذى عاد إلى مصر من فرنسا بجواز سفر أجنبى يحميه باحثاً عن ابنة لا تعرفه اسمها آية كبرت وأصبحت شابة، و«يوسف» الذى يخرج من السجن بعد 5 سنوات بتهمة سياسية باحثاً أيضاً عن ابنة اصغر عمراً كفيفة تحب الغناء والموسيقى، «وفادى» الذى يرعى فرقة «مسار إجبارى» باحثاً معهما عن صوت جديدة يعبر عن مأساة الإنسان والمدينة، ويتّمخض عن هذا البحث أغنية «بقيت حاوى» التى ألهمت البطوط عنوان الفيلم كله، وحول هذه الشخصيات الثلاث يظهر المزيد من الشخصيات مثل خالة آية التى تبدو بديلة للأم والأب، ومثل العربجى «جعفر» الذى تهدده إصابة حصانه «خرغام» بمرض خطير قاتل بفقدان مورد رزقه، وشقيقته الراقصة «حنان» المطاردة بمهنتها وسُمعتها رغم حبها للرقص، والشاب «إنسانية» الذى زامل مع يوسف فى السجن وخرج ليعود إلى ورشته حيناً ثم يعمل بودى جارد للراقصة حيناً آخر، كلهم باستثناء «فادى» والحالة شخصيات مطاردة تعيش يومها وبلا أحلام تقريباً. وغامضة المستقبل والهدف والمصير. لكن هذه اللوحة الواسعة لا تخلو من ثغرات أبرزها فى رأيى غموض مأساة الأبطال الثلاثة الذين لا تعرف عنهم سوى أنهم اعتقلوا لأسباب سياسية، ثم تراهم يبيعون وثائق مهمة لشخص غامض ويقبضون ثمنها، لا تستطيع أن تتعاطف معهم لسبب بسيط هو أننا لا نفهمهم رغم أنهم يحملون الفيلم على أكتافهم. كانت الملاحظة الواضحة أيضاً فى اختلال ضبط تداخلات الخطوط بين كل هذه الشخوص، وهوأمر يبدأ أولاً من الكتابة فإن لم يتحقق فلابد للمونتاج أن يتداخل وهو ما لم يحدث فى كثير من المشاهد، وكذلك بدا «حاوى» فيلماً مهماً وجريئاً على مستوى الشكل ولكنه لا يمتلك حميمية فيلم «عين شمس»، هنا الحزن صريح وقاس ومؤلم فى حين كان «عين شمس» أكثر إثارة للشجن من لمسة من?الأمل.