يجلس على السرير أمام النافذة المفتوحة يحاول أن يتنسم نسمات الصباح التى تدخل صدره ورئته الوحيدة بصعوبة.. تسمع الأم صوت أنفاسه المتلاحقه قلبها ينزف دما على فلذة كبدها وابنها الشاب الذى شاب قبل الأوان وتكسّر عوده الأخضر تحت وطأة المرض.. كانت تحلم ويحلم معها الأب احلاماً كثيرة من أجل الأولاد.. التعليم. والمستقبل الباهر.. والحياة السعيدة.. رزقهم الله بثلاثة من الأولاد وبنت.. كان الأب يبذل ما فى وسعه من أجل حياة سعيدة عامرة تختلف عن الحياة التى عاشها فى كنف أسرته... يكد ويكدح طوال النهار فهو يعمل فلاحاً اجيراً بجنيهات قليلة كان يبخل على نفسه من أجل الأولاد.. الأم تساعده فى توفير جنيهات قليلة من عملها فى تربية الطيور من أجل ان توفر احتياجات الأولاد حتى الأبناء كانوا يقتصدون فى طلباتهم من أجل المستقبل.. وكان «محمود» وهو الابن الثانى للأسرة.. صبياً طيباً.. قلبه يمتلئ حنانا لأسرته وبخاصه ابوه وأمه.. يحلم بدخول الجامعة والتخرج ومساعدة أسرته.. كل هذا كان يدور داخل قلب وعقل صبى صغير لم يكن قد تجاوز الخامسة عشرة من عمره فى ذلك الوقت.. كان يحمل كتابه وقلمه ويمشى من بيته إلى المعهد الأزهرى ويعود فى نهاية اليوم ليجلس على دروسه.. فهو يشعر بالمسئولية الكبيرة «تجاه والده» واسرته.. ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن».. بعد أن كان يقطع المسافة من قريته إلى المعهد فى نصف الساعة أصبح الوقت يطول والانفاس تتلاحق ويصاب بنوبات سعال، أول الأمر كانت تزول آثارها سريعا ولكن مع الوقت اصبحت نوبات طويلة ويضطر إلى الجلوس على الأرض فى الطريق غير قادر على بذل اى مجهود.. ويعود للبيت واهناً.. يعلو الصفار وجهه.. وفى الصباح لا يستطيع ان يقوم من النوم للذهاب إلى المدرسة وكان يطلب من أمه ان تتركه يرتاح ولكن شعوره بالمسئولية كان يدفعه إلى ان يتحامل على نفسه ويذهب.. أياماً.. بل أسابيع وهو على هذا المنوال.. كان صامتا لا يبوح بآلامه ولكن مع الوقت وتزايد الآلام اضطر إلى ان يشكو لأمه فقد أصبح غير قادر على تحمل ما به لوحده.. اصطحبه الاب إلى المستشفى ومنه إلى الطبيب ثم إلى معامل الأشعه والتحاليل ثم يعود به مرة أخرى للطبيب الذى نظر إلى الابن ثم الأب نظرة غاص بها قلبه فى صدره ثم طلب من الاب ان يصطحب الابن إلى القاهرة فهو بحاجة إلى ان يعرض على أطباء المعهد القومى للأورام.. بكى الأب.. لطمت الأم خديها من هول المفاجأة.. سكت الابن لم يستطع ان ينبس بأى حرف. جاءت الاسرة إلى القاهرة وكان ماتوقعوه.. فهو مصاب بسرطان بالرئة ويحتاج فى أول الأمر إلى ان يخضع للعلاج الاشعاعى وجلسات علاج كيماوى.. وأكد الأطباء انه سيحتاج بعد فترة من هذا العلاج إلى عملية استئصال للرئة.. رحلة علاج طويلة اكثر من خمس سنوات والابن مع الاب والأم يتنقلون بين ردهات وغرف المعهد القومى للأورام لعلاج الشاب المسكين. وفى هذه الأثناء سقط الأب صريعا للمرض ولم يكن معروفا ماذا أصابه حتى اجرى له الاطباء تحاليل وظهر مالم يكن فى الحسبان فقد أكدت انه مصاب بالتهاب كبد وبائى فيرس (c) بسبب إصابته بالبلهارسيا.. وتسبب مرضه فى عدم قدرته على اصطحاب ابنه فى استكمال رحلة العلاج.. كما انه اصبح غير قادر على العمل وتوفير احتياجات الاسرة.. ولم يجد الابن المريض أمامه سوى ان يمد يده ويرسل خطابا يطلب العون والمساعدة لتستطيع الاسرة ان تعيش ويستكمل علاجه وعلاج ابيه.. فهل يجد من يساعدهم من يرغب فليتصل بصفحة مواقف انسانية.