فى الحلقة السابقة كشف السفير بسيونى حكاية أشرف مروان مع الموساد والمخابرات والرئيس السادات، وقال إن مروان كان عميلا مزدوجا يعمل لصالح المخابرات المصرية، وأنه - أى بسيونى - تعلم من القادة الأقباط معانى الولاء والانتماء ومن جهاز المخابرات الصبر والإيمان وفن الإنصات. وفى هذه الحلقة يكشف السفير بسيونى عن أسرار جديدة - ربما تذاع لأول مرة- عن حرب اليمن،ومسرح العمليات فى سيناء، ونكسة 67، وقصة زواج الدبابة واللورد على هضبة الجولان، ومحاولة قتل شارون فى القسيمة. فى البداية يقول السفير بسيونى: إن هزيمة إسرائيل لجيوش 4 دول عربية فى حرب يونيو 67 لم يكن دليلا على قوة هذه الدولة التى لم يتجاوز عدد سكانها 2.5 مليون نسمة آنذاك، وإنما كانت نتيجة أخطاء سياسية وعسكرية فادحة أخطرها انشغال القوات المسلحة فى حرب اليمن، ونقل مسرح العمليات فى هضاب ووديان دولة أخرى بعيدا عن مسرح العمليات الرئيسى فى سيناء وإرهاق القوات البحرية والجوية والبرية المصرية. ومع علم القيادة السياسية، أن إسرائيل لا أمان لها، فإنها لم تضع خطه هجومية واكتفت بخطة دفاعية أطلقت عليها الخطة قاهر تلجأ إليها عند اللزوم، ووسط هذه الغيوم وافق المشير عامر على قرار غلق مضيق العقبة، وقال لعبد الناصر «برقبتى ياريس». فى الوقت الذى كانت تعانى فيه القوات المسلحة من نقص حاد فى التدريب والتخطيط، والتنظيم والمرتبات، والأفراد والمعدات، والدبابات وقطع المدفعية والأسلحة الصغيرة. ويضيف السفير بسيونى قائلا: إن عدد الطيارين المقاتلين والمدربين فى 67 كان أقل من عدد الطائرات، كما كانت وسائل الدفاع الجوى -التى كانت تابعة للقوات الجوية- على غير ما يرام أيضا، بالإضافة إلى تواضع أجهزة الكشف الرادارى، وانشغال القيادات السياسية بأمور أخرى غير حماية الوطن. ومع هذه الصورة القاتمة يقول السفير بسيونى: لم تكن حرب يونيه حربا بالمعنى المتعارف عليه فى المفهوم العسكرى، لأن القوات المسلحة لم تحارب فى هذه الحرب، ولم يقابل جيش إسرائيل القوات المصرية المتنمرة التى راحت ضحية القرارات الخاطئة، كما ان حرب يونية لم تخل من بطولات فردية وجماعية لأبناء مصر البواسل. وعن دوره فى 67 يقول السفير بسيونى: كنت -وهذا ليس سرا- رئيس عمليات الكتيبة 32 مشاة فى اللواء العاشر، وكانت مسئولة عن تأمين الجانب الأيسر للواء وتأمين مضيق مطامر، ومن الوقائع التى لاتنسى أن أريئيل شارون قائد اللواء المدرع الإسرائيلى أرسل سرية استطلاع لتحسس القوات المصرية الموجودة بالمنطقة للانقضاض على اللواء العاشر من الخلف، وعندها أمرت جنودى بإطلاق القذائف المضادة للدروع ودمرنا له ثلاث دبابات بكامل أطقمها وأسلحتها فى القسيمة، وكان فى نيتى الانتقام من شارون وقتله، وشل حركة اللواء المدرع الذى يقوده بأية طريقة، إلاّ أنه نجا من الموت بأعجوبة، وهرب من القسيمة إلى الحسنة، ويتابع السفير بسيونى قائلا: عندما كنت سفيرا لمصر فى إسرائيل ذكرته بهذه الواقعة، ولم ينكرها، وهذا يعنى أن حرب يونية لم تخل من بطولات كثيرة لم يكشف عنها النقاب بعد وهو ما ظهر بصورة جلية فى حرب أكتوبر 1973. وقبل طى صفحة 5 يونيه 67 يتطرق السفير بسيونى فى حديثه عن هضبة الجولان قائلا: لحسن حظى أننى ارتبطت بالقوات المسلحة السورية ارتباطا وثيقا وبدأت هذه العلاقة عندما كنت أدرس للطلبة السوريين فى الكلية الحربية بالقاهرة، ومن قبلها العلاقة الطيبة التى ربطتنىبالشعب السورى أيام الوحدة، ثم توثقت العلاقة أكثر وأكثر عندما عملت ضابط اتصال للجيشين المصرى والسورى حتى أنى كنت فى مركز قيادة القوات المسلحة السورية فى حرب 73 بتعليمات مباشرة من الفريق أحمد إسماعيل، بصفته قائد القوات المشتركة فى الجبهتين،ومن هنا فقد درست هضبة الجولان دراسة عملية وعسكرية وجغرافية، وسرت فى دروبها، ودرست مدقاتها، وبت فيها ليالى كثيرة، وهى كما يقول السفير البسيونى عزيزة على قلبى،وعلى قلوب كل ضباط القوات المسلحة المصرية والسورية. وقبل اكتشاف سر احتلال إسرائيل للجولان رغم ارتفاعها 550 مترا عن تل أبيب يقول السفير بسيونى: تبدأ هضبة الجولان فى الارتفاع من حدود بحيرة طبرية، لتصل إلى 330 مترا ثم تواصل ارتفاعها حتى 550مترا، وتستمر فى الارتفاع حتى تصل فى الاتجاه الشرقى إلى 2884 مترا، وتعد قمة جبل الشيخ التى تكسوها الثلوج صيفا وشتاءً أعلى نقطة على الهضبة وهى تبدو بيضاء طوال العام، ولذلك أطلق عليها السكان والسياح «عمة الشيخ» أو «جبل الشيخ»، ويصل طول الهضبة 62 كيلو مترا، فيما يقترب عرضها من 25 كيلو مترا، بالتحديد من القنيطرة حتى نهر الأردن. وعن طبيعة أرض الهضبة يقول: هى عبارة عن صخور بركانية سوداء شديدة الصلابة والوعورة، أبرز حدودها هو نهر الأردن الذى يعتمد على 3 منابع هى نهر بانياس فى الجولان، ونهر دان، أما الثالث فهو نهر الحصبانى الذى ينبع من لبنان ويستمر فى الجريان والتدفق حتى نهر الأردن. ويؤكد السفير بسيونى أن لسوريا الحق فى تقاسم مياه بحيرة طبرية ونهر الأردن بناء على حدود 1967. وفيما يتعلق باحتلال الجولان يكشف السفير بسيونى سرا يذاع لأول مرة وهو أنه لم يكن يتصور أن تصعد الدبابات أو المدرعات أو العربات المجنزرة إلى الجولان، خاصة أن أول ارتفاع لها هو 550 مترا من جهة الشرق كما ذكرنا، فكان من الصعب إذن الصعود إلى الهضبة فى ظل أرض وعرة وصخور صلدة، ومنحنيات خطيرة، على النقيض تماما من الطبيعة الجغرافية لشبه جزيرة سيناء . وحتى تتمكن إسرائيل من احتلال الهضبة قامت بقصف جوى مركز وتمهيد نيرانى مكثف، ثم قامت بشق طرق ومدقات بواسطة بلدوزرات ضخمة، ذات قوة محركات فائقة، اتضح فيما بعد أنها كانت مخصصة لهذا الغرض، وبعد تعبيد الطرق والمدقات قام العدو بربط كل دبابة ببلدوزر عن طريق جنزير كبير وبالتالى فقد صعدت الدبابة بمحركين، الأول قوة دفع محركها، والثانى قوة دفع محرك البلدوزر، وكانت الدبابات تصعد بصعوبة بالغة وكأن عملية التزاوج الغريب بينها وبين اللودر لم تكن على غير هواها. عندها - كما يقول السفير بسيونى فوجئت القوات المسلحة السورية بمواجهة الدبابات والمدرعات لأنها كانت مجهزة فقط لصد هجوم الأفراد، ومن هنا فقد أحكمت إسرائيل سيطرتها على الجولان، ولكن بعد استماتة القوات السورية، التى فضلت الموت تحت جنازير هذه الدبابات على الانسحاب، وهى البطولة التى تكررت فيما بعد فى حرب 73، عندما اجتازوا الموانع والخنادق وحرروا القنيطرة، ولولا الدعم الأمريكى لإسرائيل والجسر الجوى الذى أنقذها وهى فى الرمق الأخير، ماوصل الحال إلى ما وصلنا إليه الآن. ويتابع السفير بسيونى قائلاً بعد صدور قرار مجلس الأمن 234 فى 8 يونيه 1967 اعتقدت إسرائيل أن حرب يونيه هى آخر الحروب، وادعت أن القوات المسلحة المصرية لن تقوم لها قائمة إلاّ بعد50 عاماً.. ولكن المفاجأة أنه فى أول يوم لوقف إطلاق النار أمسك الرئيس عبد الناصر زمام القوات المسلحة بنفسه وفى أول يوليو من نفس العام أصدر قرارً بإعادة اللواء أحمد إسماعيل إلى جبهة القنال، ليتولى مسئولية قيادة المنطقة العسكرية الشرقية، أو جبهة قناة السويس كما يقول العسكريون، بدلاً من الفريق صلاح مرتجى.. وفى اليوم الأول من تولى اللواء أحمد إسماعيل المسئولية قامت إسرائيل بالهجوم على مدينة القنطرة شرق وهى المدينة الوحيدة التى لم تقع فى قبضة العدو فى 5 يونية، وحركت إسرائيل خلالها قوة مدعمة بسرية دبابات، ومدفعية، إلاّ أن قوات الصاعقة المصرية والتى كانت لا تزيد على 30 فرداً أذاقتها الأمرين، ودمرت لها 5 دبابات ومع محاولات القوه الاسرائيلية فى الالتفاف من الخلف والاجناب، واستماتتها فى السيطرة على المدينة واقتحامها إلاّ أنها فشلت فى النهاية، بعد إصرار قوة الصاعقة المصرية على تدمير قوة الهجوم. ويتذكر السفير بسيونى أنه فى يوم 14 يوليه من نفس العام أقلعت 10 طائرات مصرية قاذفة ميج 17 تحميها 10 طائرات أخرى لتضرب جميع أفراد ودبابات ومدرعات العدو فى القطاع الجنوبى من الجبهة، كما اشتبكت الطائرات المصرية أيضا مع سرب طيران إسرائيلى وأصابت له طائرتين مما كان له أثر طيب على القوات الجوية وباقى اسلحة القوات المسلحة المصرية. أما إغراق المدمرة إيلات فكان معجزة حربية بكل المقايس حيث استطاع لنشان صاروخيان بحريان من طراز سطح/ سطح انطلقا من قاعدة بور سعيد البحرية إغراق هذه المدمرة، والذى سبب جرحاً غائراً ومهانة غير متوقعة للجيش الإسرائيلى. وفى تعليقه على حرب الاستنزاف يقول السفير بسيونى كانت حرب الاستنزاف حرب مخابرات فى المقام الأول وكنت أخدم وقتها فى مركز قيادة العمليات بمكتب الفريق محمد فوزى القائد العام للقوات المسلحة، وكان دورنا تحديد المواقع والمراكز التى سيتم قصفها للعدو وبعد تجرؤه على ضرب العمق المصرى فى مدرسة بحر البقر، ومحطة محولات نجع حمادى ومصانع أبو زعبل، وكوبرى الفردان، ومستودعات الوقود ومعامل التكرير فى السويس وعلى عكس ما يقول البعض فقد كانت حرب الاستنزاف ضرورية ومقدمة طبيعية للمعركة الكبرى فى حرب 73 حيث استعدت القوات المسلحة من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم دون حدوث خسائر تذكر. ولولا هذه الحرب ما نجح الرئيس عبد الناصر فى الضغط على روسيا والحصول على صواريخ سام 3 وطائرات الميج المعدلة أوائل 70 ثم أجهزة الكترونية حديثة تكبح جماح الطائرة الفانتوم التى وهبتها أمريكا لإسرائيل فى 69 وأجهزة التشويش التى أرهقت الاتصالات السلكية واللاسلكية والرادارات المصرية، وأعاقتها عن أداء عملها، ومن هنا فقد كانت حرب الاستنزاف مقدمة ممتازة للتنسيق بين أسلحة الضرب المباشر وغير المباشر بالإضافة إلى الأعمال الفدائية التى كانت تنفذها وحدات من قوات الصاعقة أو المشاة، والمقاتلات القاذفه، على خط المواجهة مع العدو وفى عمق سيناء. فى الحلقة القادمة علاقة الخطة جرانيت التى وضعها عبد الناصر لتدمير خط بارليف، وأسباب قلق القيادة السورية من موعد الحرب وحقيقة سفر وزير الدفاع المصرى إلى رومانيا أول أكتوبر.