أسقط الشباب المصرى النظام السابق وكانت ثورتهم بيضاء منذ البداية ولكن أعداء الثورة سودوا بيضاءها عن طريق الاعتداءات الغاشمة باطلاق الرصاص الحى والمطاطى. وكنت شاهد عيان على الفاجعة التى أدمت قلوب الجميع فى فجر 2 فبراير هو نفس اليوم الذى باغت ثوار مصر الجمال والأحصنة فى ميدان التحرير من البلطجية والمأجورين وقد شاهدت عمال الإسعاف وهم يسحبون جثث حوالى 10 شهداء من شبابنا ممن لقوا حتفهم بالرصاص الغادر حوالى الساعة الثالثة و 45 دقيقة من فجر ذلك اليوم الدامى حيث قام بعض المجرمين باطلاق الأعيرة النارية على شبابنا دون تمييز لإرهابهم وظنهم أن ذلك سيفزع باقى الثوار من شبابنا ويفروا مذعورين من الميدان، ولكن خاب ظنهم واستمات ثوار ميدان التحرير فى الدفاع عن أنفسهم وعلى رفاقهم بروح بطولية وشجاعة. ومن أهم أسباب الثورة البيضاء تكميم الأفواه والحد من حرية التعبير والممارسات غير الآدمية فى قطاعات عديدة من المجتمع المصرى سواء فى العلا ج والإسكان أو التعليم. كما تغلغل الفاسد وأصبح كالسوس الذى ينخر بشراسة فى كيان وبناء المكجتمع مما أدى إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة ولعل خير تجسيد للثورة البيضاء أن شبابنا لم يستخدموا العصى والهراوات ولا الأسلحة البيضاء ولا الأعيرة النارية التى استخدمها المجرمون والبلطجية. وكان سلاحهم الوحيد الإنترنت والفيس بوك وخططوا لثورتهم ونظموا أنفسهم وتحملوا مضياقات عديدة من الأمن والحكومة ولكن كل ذلك لم يفل من عزيمتهم ولا يحبط حماسهم المتدفق وحددوا الخطة تفجير الثورة وساعة الصفر ووزعوا أنفسهم فى تشكيلات وكتائب وفصائل آية فى الدقة والتنظيم مما يعجز عنه خبراء التكتيكات الفنية فى الزحف السلمى الثورى وفاجأوا الجميع من الملاحقات الأمنية الكثيفة وقادة الأحزاب ورجال السياسة المخضرمين ولعل القاسم المشترك الذى جمع بين ثوار شبابنا أنهم من أبناء الطبقة المتوسطة التى تحولت تدريجيا ناحية الطبقة المعدمة بسبب تفشى الغلاء الفاحش والتضخم الهائل فى قيمة الجنيه المصرى الذى صار هو وللعدم سواء. لقد جمع هؤلاء الشباب من الطبقة الوسطى أخلاقا لا تزال مغروسة فى التربة المصرية والتحلى بقيم الصبر وتحمل المكاره واعتبارات القناعة والستر والرضاء بالقليل مع تشبعهم برغبة عارمة فى الارتقاء بأوضاعهم المعيشية عن طريق العلوم التكنولوجية من إنترنت وغيرها. لقد حاول رجال الاعمال صنع ثورة مضادة تواجه الثورة البيضاء لثوارنا عن طريق استخدام البلطجية وجماعات الهتيفة أصحاب الحناجر الصاخبة والعقول الشفيهة ممن يتم تأجيرهم فى أوقات الانتخابات بمقابل مادى. وباءت كل أساليب ومحاولات الثورة المضادة بالفشل الذريع وانتصر ثوار مصر رغم كل الفساد والبلطجة والمعاناة اليومية للشرفاء فى سبيل تعليم ابنائهم لتوفير فرصة عمل مناسبة لهم وحتى هذا الحلم اصبح بعيد المنال بعد توقف الحكومة عن تعيين الخريجين منذ أكثر من خمسة عشر عاما واستخدام الواسطة والرشاوى واصحاب النفوذ من أعضاء مجلسى الشعب والشورى وحصولهم على مقابل مادى مقابل تعيين أبناء دائرتهم الانتخابية، فضلاً عن تزايد معدلات البطالة من الآباء الذين خرجوا بسبب الخصخصة والمعاش المبكر، وأصبح كل بيت فى مصر لا يخلو من عاطل وكذلك لا يخلو من عانس بعد أن توقف الشباب عن الزواج لعدم وجود فرص عمل وبالتالى عدم القدرة على الزواج خصوصاً مع الارتفاع الجنونى لأسعار الشقق. وترتب على كل هذه الكوارث الاجتماعية والاقتصادية تراجع الولاء للوطن وضعف الهوية المصرية وتفشى قيم الأنانية والهبش والفهلوة والتهليب وانحسار قيم الايثار والروح المجتمعية والمشاركة الفعالة، ولكن شباب الفيس بوك الثوار الأحرار استطاعوا التغلب على الروح الانهزامية والاحباط وأعادوا الهوية المصرية وخرجوا فى مسيرات رائعة هاتفين صارخين بالولاء لمصريتنا وجمعوا كل الهويات المتعددة فى بوتقة واحدة مؤكدين على إعلاء قيم الانتماء والاصالة والحفاظ على ثروات مصر التى استغلها بعض ضعاف النفوس من رجال الأعمال الانتهازيين الجشعين أو ما يطلق عليهم الاقطاع الجديد والذى اختلف جذريا عن الاقطاع ما قبل الثورة الذين انحدروا من أصول وعائلات عريقة وكانوا يقدمون خدمات جليلة بالفعل من أعمال المدارس والمستشفيات ووقف بعض ممتلكاتهم لأعمال الخير والبر أما الاقطاع الجديد فكان هدفه جمع المال بأى صورة ولو كانت غير مشروعة ولا تعنيه المسئولية الاجتماعية نحو أهله ومجتمعه الذى أثرى على حسابه. ما أحوجنا أن نعى الدرس جيدا من شبابنا وأن نصدق مع أنفسنا وأن نعاهد الله على أن نتطهر من داخلنا وأن نقاوم الفساد بكل صوره وأشكاله. إن زلزال 25 يناير يجب أن نتعلم منه جيداً قيم الإيثار وبناء هوية مصرية جديدة تعتمد فى المقام الأول على موروثنا من الأصالة والأرض الطيبة والنبت الصالح للأجيال القادمة. إن خير تجسيد صادق لمعانى الثورة ونقائها وبياضها أن الثوار من شباب مصر يقوموا بإزالة القمامة من الشوارع والميادين الرئيسية من معظم محافظات مصر، ويضم شباب جامعات وثانوى كما أن الشباب البسيط شبه المتعلم يقومون بتنظيم المرور فى الشوارع والميادين. إننى أعلم جيدا عن أصحاب النفوس المشبوهين والسماسرة وتجار السلع الجشعين وسماسرة التعليات فى العمارات المخالفة بالإسكندرية من إعلاميين ونواب شعب أثروا ثراء فاحشاً من جراء السمسرة لدرجة أن سعر السمسرة فى التعلية الواحدة يصل إلى مليون جنيه. فإذا علمنا أن إجمالى التعليات المخالفة وصل إلى 55 ألف تعلية إن هذا الزخم من الفساد يحتاج إلى التحقيق العاجل فيها من النيابة العامة لمعرفة هؤلاء الفاسدين الذين يّدَعوْن الشرف والطهارة والوطنية إن التحقيقات ستكشف هؤلاء المتلونين والمتاجرين بقوت الشعب ومن يضللون الجمهور والعامة حتى يظهروا على حقيقتهم أمام العامة دون تزييف أو تضليل أو خداع.