إذا كانت الحرية السياسية فى شكلها المتفق عليه، هى حرية تكوين الأحزاب والتقدم للترشح فى أى انتخابات برلمانية أو رئاسية محلية أو قومية فإن أشكال الحرية الأخرى مازالت فى طور التشكل فى ذهن الناس. الرأى الغالب حتى الآن.. أنه ليس هناك اتفاق مطلق بين تكوينات المجتمع، على أن نعيش الحرية بشكلها المطلق (فمفهوم الحرية فى المجتمعات الغربية). وإنما علينا أن نفكر فى حرية مؤلمة، حددها عدم تجاوز العادات والتقاليد والعقائد. وإن كنت أرى أن قضية الحرية لا تقبل القسمة، ولا يجوز تحويلها إلى أجزاء فإننى لا أرى ما يجعلنى أعارض هؤلاء، لا مانع من أن يكون لحريتنا حدود، لكن دون أن يكون لهذه الحدود أى شكل من أشكال الوصاية التى اعتدنا أن تقضى فى النهاية إلى (لا حرية). .. وأصارحكم سألت نفسى (كيف) ووجدتنى أمام سؤال صعب جدا.. وفى شق حرية التعبير (أو حق المبدع من أن يصل للناس ما يريد قوله دون تحريف أو قيود)، طرح أمامى موقف رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية الذى قال إنه مع إلغاء جهاز الرقابة، أو قصر الرقابة على دور تحديد الفئة العمرية المسموح لها بمتابعة العمل الفنى. ثم موقف (نفس الرجل ونفس الجهاز) من فيلم هانى جرجس فوزى الذى يتناول موضوع الفتنة الطائفية، والتى ترى الرقابة عدم التصريح له، لأنها ترى أن الفتنة أكذوبة من أكاذيب النظام السابق.. (وهذه حقيقة أنا واحد من مصدقيها).. لكن.. إذا كانت الرقابة مع الحرية وفى نفس الوقت ترى أن تحديد الموضوع فى العمل الفنى ليس متاحا للمبدع بحرية. كيف تكون (رقابة ضد الحرية)؟. وإذا كان من حق المبدع أن يطرح الموضوع الذى يريده حتى وإن كان (دسا على الواقع). .. كيف تكون حريته مسئولة مسئولية الرقابة (أيا كان شكلها) ومسئولية مسئولة عن حرية تمنحها أو تمنعها نوع الاستجابة التى تتحقق لدى للجمهور من متابعة العمل الفنى. .. هنا تكون الرقابة بعد ظهور العمل.. أو تكون قبل ظهور العمل للناس؟ ربما لأننا مازلنا فى سنة أولى حرية.