ستبقى شخصية العقيد معمر القذافى مفجّر الثورة وقائد الثوارت وملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين وغيرها من صفات كان هو الذى وصف بها نفسه عندما تولى تسليم رئاسة مؤتمر القمة العربية الذى عقد فى طرابلس ليبيا إلى أمير قطر الذى تولى رئاسة المؤتمر، وصفه نفسه بكل هذه الصفات التى يختلف كثيراً عن صفوف النياشين والأوسمة التى تحتل مساحة نصف صدره كما هو الحال مع قادة الحروب والمعارك الشهيرة ووصلوا لرتبة الماريشالات، ولكن العقيد لم يخض معركة واحدة فى حياته سوى هذه المعركة التى يخوضها ضد شعبه الذى كتم على أنفاسه 42 سنة وعندما انفجر الشعب وثار عليه اعتبره عبدا تمرد على سيده واعتبر ليبيا ملكا تم تسجيله لحسابه وأولاده وأصبح عليه أن يخوض الحرب ضد الشعب بالطائرات والمدافع. من بين القراءات التى قرأتها عن العقيد هذه الدراسة التى يسعدنى أن أترك لها هذه الصفحة هذا الأسبوع لأنها تستحق، وإن كانت لن تكون الأخيرة. فشخصية القذافى من الشخصيات النادرة التى تستقطب المهتمين بالدارسات النفسية والطغاة. كاتب الدراسة هو الدكتور أحمد أبومطر وهو كاتب وأكاديمى فلسطينى مقيم فى أوسلو من مواليد بئر سبع عام 1944، درس فى جامعة الإسكندرية وحصل فيها على الدكتوراه فى الأدب والنقد عام 1979، وقد عمل مدرسا بجامعة الفاتح فى ليبيا مما أتاح له التعرف عن قرب على شخصية القذافى. عبدالناصر أعجب به فى الأول من سبتمبر 1969 وصل الملازم أول معمر القذافى إلى الحكم فى المملكة الليبية عبر انقلاب عسكرى، وكان أول ما فعله بعد طرد الملك إدريس السنوسى أن اعطى نفسه رتبة (عقيد) وزميله فىالانقلاب عبدالسلام جلود رتبة (رائد) وغير اسم البلاد ليصبح (الجمهورية العربية الليبية) وغيرها عام 1986 ليصبح (الجماهيرية العربية الليبية الديمقراطية الشعبية العظمى). كان أول ما فعله العقيد القذافى عقب استيلائه على السلطة دعوته جمال عبدالناصر إلى زيارة (أرض الفاتح العظيم) كما كان يصفها القذافى، ولبى عبدالناصر الدعوة واحتشدت الجماهير لاستقباله وأصر العقيد القذافى أن يخطب عبد الناصر فى الجماهير من شرفة قصر ولى العهد الليبى الأمير رضا إدريس السنوسى ولما كانت فتحات الشرفة صغيرة لا يرى عبدالناصر الجماهير منها جيدا فقد تقدم العقيد دافعا طوب الشرفة بقدميه ليفتح فيها ثغرة أوسع، وظل حريصا على عدم ترميمها بعد ذلك لتصبح هذه الثغرة من المعالم الثورية التى يجب أن يراها زوار ليبيا، لقد انبهر عبد الناصر يومها كثيرا بهذا الشاب الثورى وقال عند عودته إلى القاهرة بأنه وجد فى العقيد أفضل الخفر الذين سيحرصون على حماية الوحدة العربية، الوحيد الذى لم يكن مرتاحا عام 1969 لانقلاب الملازم أول القذافى هو صلاح شديد (فك الله اسره) فقد أبدى فى جلسة خاصة عدم اطمئنانه لهذا الانقلاب الذى مرت دباباته ومدرعاته عابرة نحو القصر الملكى من أمام قاعدة (هويلس) الأمريكية وعلىمرأى من ضباطها وجنودها وكانت آنذاك القاعدة التى تتحكم بشكل محكم فى كافة التحركات العسكرية على أراضى المملكة الليبية المتحدة وتعرف مسبقا بكل تحرك واتجاهه وأهدافه. خبراء تمثيل يعلمونه التفكير وقد لمع اسم العقيد خاصة عام 1974 عندما ناصب شاه إيران (شرطى الخليج آنذاك) العداء وشن عليه اعتى الهجمات ثم اعقب ذلك بمجموعة من الحركات الديكورية التى تلزم وتصاحب النجوم ومنها: ** اعتماده فى حرسه الخاص سواء داخل ليبيا أو خارجها اثناء زيارته للدول العربية او الأجنبية على مجموعة من الفتيات الحسناوات اختارهن بعناية فائقة ودربهن على السلاح وكن يرافقنه مثل ظله حتى داخل معسكر قيادته فى منطقة (العزيزية) وسط طرابلس رغم أنه لا يحتاج إلى حراسة داخل معسكر. ** تطويله لشعره وتصفيفه على طريقة الخنافس واختياره الملابس الأنيقة التى يحرص على لف العباية الليبية فوقها. ** أخذه دروسا فى فن الالقاء والتمثيل خاصة طريقة (البوزات) المتنوعة التى تعطىالانطباع الذى يريده فى نفس المشاهد أو المستمع خاصة (البوز) الذى اشتهر به وهو يبدو رافع الرأس بشكل مائل إلى اليسار والتطلع إلى بعيد بما يثير حيرة الجالس أمامه. ** إقامة شبكة علاقات واسعة مع خليط من (البشر) يضم صحفيين وكتاباً وإرهابيين وجواسيس ومفكرين من كافة ارجاء المعمورة وقيادات الأحزاب العربية والأجنبية حتى وصل الخير العميم والشيكات إلى زعماء الهنود الحمر فى الولاياتالمتحدةالأمريكية الذين عقد لهم مؤتمرا فى طرابلس عام 1987 و 1988تحت شعار (تحرير الهنود الحمر من الامبريالية الأمريكية وإعادة وطنهم لهم) وقد انفق على هذين المؤتمرين عشرات الملايين تكاليف ورشاوى شخصية. ** وكى يكون صاحب فكر ومؤلفات كان لابد أن يؤلف كتابا يصبح نظريته العالمية الثالثة بعد الرأسمالية والماركسية وكيف يتأتى له ذلك وهو الطالب الفاشل الذى لا يجيد كتابة موضوع الانشاء وأخيرا اهتدى إلى ضالته فى الكاتب والمفكر السودانى المرحوم (أبوبكر كرار) فكتب له دراسة عبثية سماها (الكتاب الأخضر - النظرية العالمية الثالثة) وكانت لا تزيد على مائة صفحة فكان لابد أن تطبع بالحجم الصغير وفى كل صفحة ما لا يزيد على عشرة سطور وعرض السطر لا يزيد على ستة سنتيمترات كى يمكن توزيعه على عدة اجزاء فكان الكتاب الأخضر فى أجزائه الثلاثة. ** وكى يكون له مريدين مثل ماركس وانجلز وماوتس تونج ولأن دفتر الشيكات جاهز ابتدع له بعض السكارى والحشاشين معضلة وصعوبة الكتاب الأخضر وأنه لابد شروح له فتولى هؤلاء الحشاشون شرح الكتاب الأخضر فصدرت - دون مبالغة - عشرات الكتب للشروح ثم صدرت شروح للشروح وإذا بها مئات الكتب كلها عن الكتاب الأخضر وفكر مؤلفه محرر الانسانية وصانع عصر الجماهير. ** وكى لا ينقطع رزق الحشاشين اقنعوا (مجنون الكتاب الأخضر) بأن كتابه لا يقل أهمية عن مؤلفات ماركس ولينين وأوعز أحد المنتفعين بتأسيس ما سمى (مركز دراسات الكتاب الأخضر) عام 1980 ثم جعله معهدا تابعاً لجامعة طرابلس يمنح درجة بكالوريوس فى فلسفة الكتاب الأخضر وقد زاد ما نشره هذا المركز عن فكر القذافى وعن الكتاب الأخضر ونظرياته على سبعين كتابا لكتاب من كافة الجنسيات. واستمرارا فى رسم ديكورات تميزه فى كافة الرؤساء والزعماء توصل فكره إلى مسألة الخيمة التى ينصبها أينما سافر وإلى جانبها يربط الناقة. ** وكى تتميز الجماهيرية الليبية عن غيرها من الدول ألغى الوزارات وأسماها (أمانات) وشكل ما سماه (مؤتمر الشعب العام) حيث رفع شعارات أهمها (شركاء لا اجراء) و(لا ثورى خارج اللجان الثورية) و(من تحزب خان)، وعقب الغارة الأمريكية على طرابلس وبنغازى عام 1986 كان رد العقيد يومها أن أضاف صفة (العظمى) على اسم الجماهيرية وأعلن تحديه لأمريكا فى خطابه المشهور الذى قال فيه حرفيا: (نحن دولة عظمى مثل أمريكا ونقول طز فى أمريكا). وينهى د. أحمد مطر دراسته قائلاً: وهكذا عبر سيناريوهات متعددة وديكورات فارغة وتبجحات كاذبة وانفاق المليارات على الدعاية الشخصية والأسلحة التى أكلها الصدأ فى مخازنها أقام العقيد معمر القذافى (جمهورية الكذب) التى أطلق عليها الجماهيرية العربية الشعبية الديمقراطية العظمى.