كنا فى نقابة الصحفيين فى بداية الثمانينات نعانى من سيطرة عدد من «المعارضين» على مبنى النقابة القديم وجنينته وكان هؤلاء يجتمعون من آن لآخر لإصدار بيان يطالبون فيه بعدد من المطالب السياسية معلنين أن الجمعية العمومية للصحفيين فى حالة انعقاد مستمر حتى تتحقق تلك المطالب، وكنا نفاجأ كأعضاء فى النقابة بتلك البيانات الصادرة عن اجتماعات لم يحضرها أو يسمع عنها سوى عدد قليل لا يتجاوز الأربعين عضوا على الأكثر.. أطلقنا عليهم وقتها حزب «الجنينة» حيث المقر الدائم والمختار لهذه العصبة من الزملاء. والآن وفى ظل ما يحدث تفاجئنا البيانات المتتالية لأسماء تجمعات مختلفة يعلن أصحابها أنهم فى حالة انعقاد دائم وإضراب شامل حتى تتحقق مطالبهم.. مدعين أنهم يتحدثون باسم الشعب المصرى. لقد تذكرت المقولة الشهيرة للقائد المغولى فى فيلم واإسلاماه عندما سأل مجموعة من المواطنين فى قصر الحكم «لو عايز أخاطب شعب مصر.. أكلم مين؟ فمن الذى يتحدث الآن باسم الشعب المصرى؟ هل هو «الدرويش» المصرى العائد من الخارج بغطاء أمريكى متخيلا أنه مندوب العناية الإلهية لإنقاذ مصر؟ أم أنهم الأعضاء المرشحون لمجلس الرئاسة الوهمى والذين كرمتهم الدولة من قبل بأرفع أوسمتها ودفعت ببعضهم لمناصب دولية وإقليمية. أو أنه «الائتلاف» المعارض الذى جمع الإخوة الأعداء الذين تجدهم إينما وليت وجهك على شاشات التليفزيون وفى صفحات الصحف والمجلات أو فى جمعيات متعددة تحت مسمميات مختلفة مع أنهم نفس الوجوه وذات الأسماء التى استمرأت الوقوف على سلالم نقابة الصحفيين أمام كاميرات القنوات الفضائية كل وقت ولأى سبب؟ كيف يعطى أى من هؤلاء الحق لنفسه بالحديث باسم الشعب المصرى ذى الثمانين مليونا مع أن أكبرهم عددا لا يزيد على بضع مئات! وكيف يسمح أى من هؤلاء لنفسه بالقفز على الشرعية الدستورية المتمثلة فى رئيس جمهورية شديد الوطنية انتخب بالإرادة الشعبية الحرة ونائب رئيس يشهد الجميع بكفاءته وحكومة جديدة تضم الكثير من العناصر المحترمة صاحبة الخبرة فى مجالاتها. هل الشعب المصرى يعانى الآن من احتلال قوى أجنبية غاشمة ويحاول هؤلاء تحريره؟ أم أنه رهينة مختطفة فينوى هؤلاء فك أسره؟ لماذا نعانى دائما من أقلية متسلطة بينما خرجت الأغلبية الصامتة عن بكرة أبيها تعلن رفضها لما يحدث مستنكرة هذه الفوضى وذلك الخراب والدمار للممتلكات العامة والخاصة وتعطيل مصالح البلاد والعباد. أليست هذه مصر التى تعامل أبناؤها – وكما أشار رئيس الوزراء – بكل تحضر مع ملكها السابق وودعته نخبة من أبنائها وأطلقت مدفعيتها 21 طلقة تحية له قبل أن يصعد إلى سطح السفينة التى نقلته إلى الخارج؟ أين القيم والأعراف المصرية الأصيلة التى توارثناها جيلا بعد آخر ويحاول الآباء حاليا غرسها فى عقول الأبناء. *** فى بداية الاحتجاجات والمظاهرات كنت سعيدا بالشباب المصرى المتحضر المهتم والمشغول بقضايا مجتمعه ومستقبله خاصة أن أغلبهم خرج بمبادرات ذاتية وبدون الانتماء لجماعة سياسية أو تيار فكرى، لقد عبر هؤلاء عن رأيهم مستعملين حقهم الذى يكفله الدستور والقانون كدليل على اهتمامهم بالمشاركة السياسية والاجتماعية فى مستقبل بلادهم. ولكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن حيث تسارعت الأحداث بدون سبب أو منطق وشهدنا عنفا واعتداء وحرقا ونهبا وسلبا للممتلكات العامة والخاصة ثم غياب كامل لقوات الأمن مع أقسام شرطة تحترق وسجون تفتح أبوابها – عنوة أو رضاء- ويخرج منها مخربون وجواسيس وعملاء. وانتاب الجميع شعور عارم بالخوف والهلع مع دهشة لما يحدث من تنفيذ متزامن لمخططات بات معلوما أنها اعدت سلفا وبعناية شديدة، ولكن الشعب المصرى وكعادته فى مثل تلك الظروف كسر حاجز الخوف وهزم التردد وسارع بالنزول إلى الشارع لحماية ممتلكاته وتنظيم المرور ومساعدة القوات المسلحة فى ضبط الخارجين على القانون والهاربين من السجون وتشكلت اللجان الشعبية فى كل شارع وحارة بل امتدت للميادين العامة تحرس مصر مما يحاك لأبنائها من خطط أعدت فى الخارج مستهدفة نشر الفوضى غير الخلاقة. لقد عشنا أياما كانت كالكابوس.. هل هذه مصر؟ وهل ما يحدث فيها وعلى أرضها حقيقة أم مجرد حلم مزعج؟ إلى أن أطل علينا القائد والرئيس الوطنى على شاشات التليفزيون معلنا بكل ثقة وثباتا ورباطة جأش أنه لن يتخل عن مسئوليته الدستورية وواجبه الوطنى فى استعادة الأمن وتحقيق الاستقرار للوطن.. لتحقيق الانتقال السلمى للسلطة مؤكدا بكل شهامة ورأس مرفوع أن مصر وطنه كما هو وطن الجميع.. ولد وعاش فيه حارب من أجله ودافع عن أرضه وسيادته ومصالحه.. وعلى أرضه سيموت حين يأتى قضاء الله. نعم.. فالوطن باق والأشخاص زائلون وقد خدم الرئيس مصر ثلاثين عاما بكل وطنية وجدية ونزاهة وآن له أن يستريح ولكنه لم يهرب مثل غيره.. ولم يهتز أمام تلك التظاهرات التى تحدث فى كل الدول وشهدتها من قبل إيران وفرنسا ومازالت قائمة فى الجزائر والأردن واليمن لقد وقف حسنى مبارك بكل عزة وكرامة معلنا سوف يستمر فى ممارسة اختصاصه ومهامه لحين تسليم الراية لمن يختاره الشعب فى الانتخابات الرئاسية المقبلة. *** لقد كان «مبارك» معبرا فى حديثه ونبرة صوته القوى عن «الروح المصرية» الأصيلة التى تتصدى للصعاب ولا تهرب من المشاكل إنها روح مصر التى إن قدر الآله مماتها فلن تجد الشرق يرفع الرأس بعدها أبدا. لقد تمسك الشعب المخلص بقائده الوطنى رافضا تلك الإملاءات الأجنبية المقيتة مستنكرا الذين جاءوا من الخارج تحقيقا لرغبات أمريكا ليحكمونا.. وكأننا ثمرة عفنة سقطت فى حجورهم. هذا بينما انكشف الجميع وغير البعض موافق وبدى كالفئران المذعورة التى تهرب عندما تشعر بغرق السفينة. حفظ الله مصر.. وحمى شعبها من كل سوء.. وكفاها شر الفتنة والفوضى القادمة من الخارج أو الصاعدة من الداخل. حفظ الله مصر الفرعونية الإسلامية العربية.. ذات الحضارة والتاريخ التى صّدرت علمها وثقافتها وحضارتها لدول كثيرة تحاول الآن التحكم فى مصائر الشعوب ومستقبلها مع أن اسمها مازال مكتوبا بالرصاص فى التاريخ الدولى الحديث. نعم وكما قال مبارك سوف تخرج مصر من تلك المحنة والظرف الراهن أقوى مما كانت عليه قبلها وأكثر ثقة وتماسكا واستقرارا. ويكفينى شخصيا أن عرف ابنى ذات ال 11 ربيعا معنى الوطن وسهر الليل مع أقرانه لحمايته والدفاع عنه ضد كل من يحاول مسه بسوء. حفظ الله مصر.. وحمى شعبها من كل خطر.