يبدو أن هناك علاقة عكسية بين الثراء والبخل، فكلما ازداد الإنسان ثراءً ازداد بخلاً، والمثل العامى يقول «ماتهونش إلا على الفقير»، أما الثرى فهو ينزع بحكم العادة أو الفطرة إلى كنز الأموال، وهناك نجوم ونجمات فن كثيرات ينتمون إلى هذا الصنف، ومن بينهم نجم الكوميديا الذى غير خريطة السينما المصرية فى السنوات العشر الأخيرة، ودخل فى مشادة كلامية مع أحد ضباط الجمارك لأنه يرفض أن يدفع ألفا وخمسمائة جنيه «جمركاً» فى حين أن أجره يزيد على عشرة ملايين جنيه عن الفيلم الواحد، وكذلك نجمة المسرح التى شاهدتها بنفسى فى الكواليس، وهى تحاول أن تبيع حذاء اشترته كهدية لحفيدتها من رحلة إلى ألمانيا ولكنه لم يكن مناسباً «لمقاسها»، فدعت تاجر أحذية لمشاهدة مسرحيتها، وحين صعد إلى غرفتها ليشكرها باعت له الحذاء!.. وكنت منذ فترة فى بيت فنان كبير، وفوجئت بابنتيه تقاطعان حوارنا لتطلبا منه مبلغاً تقضيان به سهرة مع صديقاتهما، فما كان من النجم إلا أن أخرج خمسين جنيهاً من جيبه وأعطاها «مزهواً» للبنت الكبرى، وقد كتمت دهشتى بصعوبة، لكنى لم أستطع مداراة استغرابى الشديد أمام نجمة أخرى حين وجدتها تسب عامل البوفيه فى أحد استوديوهات التصوير بالهرم لأنه حاسبها على أربعة مشروبات فى حين أنها لم تطلب منه سوى ثلاثة فقط! وصحيح أننى لم أندهش، حين سارع النجم المخضرم بإبعاد علبة الشيكولاتة من أمامى، بعد أن تناولت واحدة منها، خوفاً من أن يوسوس لى الشيطان بتناول واحدة أخرى، لكنى فوجئت فعلاً، حين عرفت من أحد زملائنا المصورين الصحفيين أنه يساومه ويتهرب منه، حتى لا يدفع له أجر بعض الصور التى طلب منه أن يلتقطها له ليوزعها على الصحفيين لنشرها مع حواراته وأخباره.. ولم أخرج من حالة الدهشة تلك، سوى بعد أن حكى لى نفس الزميل عن مطرب كبير تعامل معه، ولا يقل بخلاً عن هذا النجم، لدرجة أنه يقوم أحياناً بغسل سيارته بنفسه حتى يوفر فلوس «السايس» وقد كنت أظنها شائعة أطلقها أحد خصومه عليه، حتى حكى لى صديق أثق فيه أن هذا المطرب كاد يتسبب فى فصل شاب فقير من الفندق الذى كان يعمل به فى شرم الشيخ، حين غادر الفندق فجأة دون أن يدفع غداء أخير طلبه على حمام السباحة له ولصديقته، بعد أن كان قد أنهى إقامته فى الفندق، لولا تدخل فنان آخر كان موجوداً بالمصادفة فى نفس التوقيت، وقام هو بدفع الحساب حتى لا يتعرض هذا الشاب للفصل.. والحقيقة أن حكايات الفنانين مع البخل لا تنتهى ليس فقط من هذا الجيل، ولكن أيضاً من أجيال سابقة ونجوم ونجمات كبار من زمن الفن الجميل. وحين سألت أستاذاً متخصصاً فى علم النفس عن السبب فى تلك الظاهرة، حدثنى عن شىء اسمه «سيكولوجية الشحات»، وقال لى إن الشخص الفقير حين يتحول فجأة إلى الثراء، يصبح واحداً من اثنين لا ثالث لهما إلا فيما ندر، فإما أن يصبح مبذراً كبيراً ينفق كل أو معظم ما يأتيه من المال، انتقاماً من أيام الفقر مثل حالة النجم الأسمر الراحل أحمد زكى الذى كان يقيم معظم السنوات الأخيرة من حياته فى فندق خمس نجوم، وينفق معظم ما يكسبه من الفن، ولم يترك لابنه «هيثم» إرثًا يُذكر رغم عبقريته كممثل ونجوميته التى لم ينافسه فيها أحد، أو يتجه إلى التقتير والبخل الشديد على نفسه وعلى الآخرين، حتى لا يعود مرة أخرى إلى أيام الضنك والحاجة، كما هو الحال بالنسبة لكثير من المشاهير، ليس فقط فى الفن ولكن أيضاً فى الأدب والفكر وقطاع المال والأعمال.. ورغم أن البخل صفة ذميمة، إلا أنها تظل شأناً خاصاً ولا نملك أن نحاسب أحدًا عليها حتى ولو كان شخصية عامة إلا إذا أثرت على عمله، وجعلته يمتهن موهبته فى قبول أى نوع من الأدوار، وتقديم أى شىء للجمهور لمجرد «النحت» وجمع المزيد من المال، وهو ما يفعله- مع الأسف- كثير من النجوم الذين نحبهم، ونتمنى أن يحبوا الفن ويخلصوا لجمهورهم، ولو بنسبة واحد فى المائة من حبهم للمال وحرصهم عليه.. فهل يستجيبون؟.. أشك!