حادث تفجير كنيسة القديسين لم يكن العملية الأولى التى يتورط فيها تنظيم جيش الإسلام الفلسطينى فى مصر، إذ سبقتها عمليات أخرى قامت بها هذه الجماعة الإرهابية داخل مصر، مثل حادث الزيتون الذي وقع فى 28 مايو 2008، وكان عبارة عن عملية سطو مسلح على محل ذهب يملكه شخص قبطى فى الزيتون، مما أسفر عن مقتل مالك المحل و3 من العاملين به كلهم من الأقباط، والتفجير الذى وقع بمنطقة الحسين فى 22 فبراير 2009 وأسفر عن مقتل سائحة فرنسية وإصابة 24 آخرين، إلا أن تلك العملية الأخيرة فى الإسكندرية كانت الأكثر عنفا ودموية، إذ أدت لمقتل حوالى 24 وإصابة مالا يقل عن 79، مما يؤكد أن هذا التنظيم وما شابهه من منظمات تتخفى وراء ستار الدين ليست سوى منظمات إرهابية تمثل جميعها فكر القاعدة وطالبان. وإذا تتبعنا نشأة هذا التنظيم الإرهابى، نجد أنه تكون من مجموعة من الشباب الذين تشبعوا بأفكار دينية متشددة جعلتهم أكثر تشددا من باقي الحركات الإسلامية فى فلسطين، وتمثلت أهداف هذا التنظيم فى تطبيق شرع الله فى أرضه، وإنهاء الفساد بكل أشكاله وبالوسائل التى يرونها مناسبة ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وبالأساليب القاسية التي أصبح لابد منها فى وجه بعض الفاسدين الذين اتبعوا الشيطان. وكان الفكر المسيطر على التنظيم منذ نشأته هو الانتماء إلى الهوية الإسلامية التى تتجاوز البعد الوطنى والقومى، وهو الطرح الذى قدمته منذ بداية التسعينيات الحركات السلفية الجهادية فى العالم، وأنتج في نهاية التسعينيات تنظيم القاعدة العالمى بزعامة أسامة بن لادن. هذا التوجه أكده التنظيم فى أحد بياناته «نحن لا نجاهد من أجل قطعة أرض وحدود وهمية، ولا من أجل القومية والحزبية فجهادنا أسمى من ذلك بكثير»، بالإضافة لذلك اعتاد التنظيم فى بياناته المكتوبة والمصورة استخدام اسم «أسامة بن لادن» كما أن الشعار الذى يتبناه التنظيم هو نفسه الشعار الذى تتبناه الحركات السلفية الجهادية العالمية، إذ يحتوى على رسم للكرة الأرضية وسيف ومصحف، وبالطبع لا يرمز بشىء إلى فلسطين. وعلى الرغم من ذلك، لم يؤكد التنظيم أو ينفى بشكل رسمى صلته التنظيمية بالقاعدة، وقال القيادى بالتنظيم «محمد المقدسى» فى مقابلة مع مجموعة من الصحفيين عام 2008 « يجوز أن يكون فكر أعضاء تنظيم القاعدة، والمبادئ التي يعملون على أساسها متطابقة مع أفكارنا ومبادئنا في جيش الإسلام، ولكن هذا لا يعنى التبعية للقاعدة بالمعنى الشمولى للكلمة، وفى الوقت ذاته، نحن فى خدمة أى جماعة أو أفراد يحملون راية التوحيد والجهاد». أسس التنظيم ويقوده «ممتاز دغمش» وهو شخصية فلسطينية أثارت الكثير من الجدل، وما يعرف عنه أنه عمل سابقا فى جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية، وكان أحد قادة لجان المقاومة الشعبية التى تأسست مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، إلا أنه سرعان ما انشق عنها بعد تبنيه قتل موسى عرفات قائد الأمن العام السابق، وابن عم الرئيس الراحل ياسر عرفات. ولا يستمد التنظيم أهميته وفقا لحجمه، - إذ تشير التقديرات إلى أن عدد أعضائه وصل إلى «2000 عضو» عند تأسيسه عام 2006، ثم سرعان ما تراجع حتى وصل إلى عدة مئات فى أفضل الأحوال - بقدر ما يرتبط بطبيعة طرحه وما يمثله من امتداد لتنظيم القاعدة، وتمتاز عناصر جيش الإسلام بارتداء ما يعرف بالجلباب الباكستانى والطاقية السوداء، ويشتهرون باللحى الطويلة. وعندما نشأ التنظيم كان مدعوما وبشدة من حركة حماس، بل تحالفت حماس معه ولكن هذا التحالف لم يدم طويلا، وانقلب إلى عداء شديد، وكان لذلك عدة تفسيرات، منها أن العلاقات تأزمت بعد أن أقدم جميل دغمش شقيق ممتاز على قتل أحد أفراد حماس بسبب خلاف نشب بينها على تقاسم مواد مخدرة تم إدخالها لغزة لبيعها، وثمة تفسير آخر أرجع ذلك لقيام حماس بقتل اثنين من عائلة دغمش فى سياق الاقتتال الداخلى بين حركتى فتح وحماس، وتوترت العلاقات بشكل كبير، واتهمت حماس دغمش وعائلته بالاعتداء على عدد من عناصرها بدعم من بعض قادة الأجهزة الأمنية التى سيطرت عليها فتح، والاعتداء بشكل متكرر على منزل محمود الزهار القيادى بحماس. وعلى الرغم من ذلك ظل جيش الإسلام تنظيما هامشيا على الساحة نظرا لقلة عدد أتباعه وعناصره، وانحصاره فى غزة وتحديدا فى حى الصبرة، إلا أنه أصبح محل اهتمام وسائل الإعلام العالمية، وذاع صيته عقب اختطافه مراسل هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» فى غزة «آلان جونستون» عام 2007 ليكشف عن الوجه الحقيقى للتنظيم، الذى أثبت بالدليل القاطع ارتباطه بتنظيم القاعدة، حين رهن الإفراج عنه بإطلاق سراح عدد من المعتقلين الإسلاميين فى السجون الأردنية والبريطانية، وتهديده بقتل الصحفي إن لم يتم الاستجابة لمطالبه مستخدما أساليب القاعدة عبر نشر التسجيلات المصورة والصوتية للرهينة وطالب التنظيم بإطلاق سراح أبو قتادة المسجون فى بريطانيا منذ أحداث سبتمبر 2001 والذى يعتبر المرشد الروحي لتنظيم القاعدة فى أوروبا، وأبو محمد المقدسي المسجون فى الأردن منذ 2005، ولكن جيش الإسلام لم يفلح فى تحقيق مطالبه على الرغم من قيامهم باحتجاز الصحفى لمدة 114 يوما، حيث تدخلت حماس وأطلقت سراحه بالقوة. ومنذ ذلك الحين أدركت حماس أن تنامي قوة جيش الإسلام أصبح يمثل تهديدا على تواجد ونفوذ حماس فى غزة، فى ضوء أن ما يقوم به أفراد جيش الإسلام يهدد سلطتها على القطاع، وأعلن حينها فوزى برهوم الناطق باسم حماس فى غزة أن حركته قررت إنهاء ظاهرة جيش الإسلام، ووصف التنظيم بأنه ميليشيا مسلحة اتخذت من الإسلام غطاء لتنفيذ أعمال إجرامية بحق الفلسطينيين والصحفيين، وبالفعل قامت حماس بمحاصرة عائلة دغمش فى سبتمبر 2008، والدخول فى قتال معها أسفر عن مقتل 11 وجرح عشرات آخرين، كما قامت باعتقال العديد من أعضاء التنظيم، ووضع بعضهم قيد الإقامة الجبرية، مما أضعف من التنظيم كثيرا، ولم يتمكن من القيام بأى عمل عسكرى فى غزة منذ ذلك الحين.