قد يظن البعض أن الاباحية والتعرى وكافة الانحرافات الاخلاقية هى أقل خطراً على البشر من الإرهاب.. وهذا ظن خاطئ واعتقاد فاسد.. ففى رأيى أن هذا التجاوز الاخلاقى المتفشى فى العالم للأسف الشديد.. لا يقل خطراً عن الإرهاب بكل أشكاله وألوانه وتياراته وتوجهاته الايديولوجية والدينية. وكلا الأمرين والظاهرتين تجسدان خطراً حقيقياً يهدد كيان أية دولة أو أمة أو شعب.. لا فرق بين إرهاب وإباحية بل ربما كانت الأخيرة هى الأخطر وأحد المنابع التى تقود إلى الإرهاب فى نهاية المطاف. وعندما تعلم أن الصين تخوض حرباً ضارية ضد مواقع الإباحية عبر الشبكة العنكبوتية.. وأنها أغلقت أكثر من 60 ألف موقع جنسى وأن هذه الحملة يشارك فيها كافة الموطنين وأجهزة الدولة الصينية.. ندرك حجم هذه المشكلة الخطيرة التى تهدد الصين فى أعز وأغلى ما تملك: قيمها ومبادئها وحضارتها العريقة التى تمثل سر تفوقها وتقدمها نحو موقع القوة العالمية الاولى.. متجاوزة العم سام . قريباً. وإذا كانت الصين قد تفوقت تجارياً واقتصادياً وانتشرت سلعها فى كل مكان.. حتى أن اغلب الدول لا تستطيع التخلى عن البضائع الصينية بصورة مطلقة.. فإن الدول المنافسة تسعى لضرب هذا التفوق الصينى من خلال الحملات الإباحية المنظمة والمتصاعدة والتى تفوق فى خطورتها الحملات العسكرية. وحتى نكون منصفين ونقدم صورة متوازنة وعادلة تجب الإشارة إلى حملة مصرية مماثلة.. تقودها وزارتا الإعلام والداخلية لتحجيم ظاهرة الإباحية. لقد بدأت الحملة منذ نحو شهرين وتم خلالها ضبط محطات البث التليفزيونية الخاصة وأجهزة فك الشفرات ومكبرات الإشارة وكبائن التشويش والوصلات السلكية (الكابلات) الخاصة التى يعرض أصحابها أفلاماً إباحية وحفلات خاصة.. بل دعاية سياسية وانتخابية غير قانونية. والأغرب أن هذه الحملات كشفت عن عتاة المجرمين «وفتوات» الإباحية الجدد هم الذين يديرون هذه الشبكات ويقومون بتقسيم المناطق فيما بينهم.. تماماً مثلما كان يحدث أيام فتوات زمان مع فارق جوهرى هو أن فتوات زمان كان لديهم حد أدنى من الاخلاق والحياء.. أما هؤلاء المجرمين الجدد فلا دين ولا أخلاق ولا أدب لهم. ورغم البداية الطيبة لهذه الحملة فإنها يجب أن تتسع وتشمل محورين مهمين: الانترنت والدش.. ورغم صعوبة رقابة هاتين الوسيلتين الخطيرتين.. فإنه يمكن تحجيم المواد الإباحية التى تبثها فهناك وسائل تكنولوجية يمكن أن تمنع هذه المواقع الاليكترونية تماماً.. سواء من خلال موردى خدمة الإنترنت أو من خلال وزارة الاتصالات .. وعلى أقل تقدير من خلال الأسرة التى تستطيع إضافة برمجيات وخيارات معينة فى نظم التشغيل وبرامج البحث على الإنترنت لمنع هذه المواقع أو تحجيمها على أقل تقدير. ولنبدأ بالنايل سات.. فهناك قنوات مازالت تبث الأغانى الفاضحة والكليبات العارية.. وهى تمرح وتسرح فضائياً.. كيفما شاءت.. إضافة إلى القنوات المشفرة على النايل سات والعرب سات.. وهى قنوات تبث للأسف الشديد أفلاماً بها لقطات جنسية ولا يمكن للعائد المادى الذى يحصل عليه النايل سات والعرب سات أن يعادل حجم الخسائر الادبية والاخلاقية الهائلة التى نتكبدها جميعاً.. شعبياً ورسمياً. فأولى مخاطر هذه الظاهرة الإباحية هى تدمير الروح والبدن.. فالإنسان الذى ينساق لملذاته.. ويتعرض أو يعّرض نفسه لهذا الإشعاع الفاسد.. ينجرف نحو الهاوية.. وربما قاد معه آخرين من أبنائه وأسرته وأصدقائه نحو ذات البئر السحيقة.. العميقة والخطيرة.. فيصبح إنساناً فاسد الروح ومحطم الجسد .. لا حول له ولا قوة. ولعل الأسرة - فى أى مكان - هى الضحية الأولى لهذه الحملات الإباحية المنظمة والتى تديرها مافيا خطيرة تملك موارد هائلة.. وتلعب بالشعوب وبأغلى ما نملك جميعاً.. أبناؤنا. بل إننى أكاد اتصور أن رؤوس هذه المافيا الفاسدة ليس لديها وقت لمشاهدة ومتابعة هذه القنوات والمواقع.. فهى مشغولة بالبيزنيس وبالعوائد وبالتنظيم وبالشبكة الدولية الهائلة التى تقوم بتدبيرها وللأسف الشديد يوفر لها العالم غرباً وشرقا.. ملاذات آمنة.. تبث سمومها وتلوث مناخ الأرض بالفساد الاخلاقى قبل التلوث البيئى. وكما أن هذه الظاهرة تدمر الجسد والبدن والأسرة.. فهى إهدار للثروات المادية والبشرية والاقتصادية.. إهدار لأجيال كاملة فى ريعان الشباب. فى ذورة العطاء والعنفوان.. نعم هؤلاء هم ضحايا مافيا الإباحية والمخدرات ولكنهم فى نهاية المطاف.. وبدايته مسئوليتنا جميعاً كمجتمع وأجهزة رسمية ومؤسسات دولة. وإذا انتقلنا إلى الشق الآخر من المعادلة ندرك أن الإرهاب والتطرف بكل صوره.. وفى كل الدول والأديان والأيديولوجيات.. بلا استثناء فهذا التطرف والإرهاب.. موجود فى المسيحية واليهودية.. كما هو فى الإسلام.. كما هو فى الايديولوجيات اليسارية واليمينية، فالتطرف واحد.. بذات المعايير والمقاييس وينبع من شخصية غير سوية.. ويعتنق افكاراً غير إنسانية.. أفكاراً وايديولوجيات لا تتسق مع طبيعة البشر كما خلقها رب البشر.. والمتابع لطبيعة أغلب الشعوب خاصة الشعب المصرى يلاحظ أنه يميل نحو الوسطية والاعتدال عبر تاريخه الطويل ورغم بروز بعض ظواهر العنف والتطرف لدينا خلال العقود الأخيرة.. فإنها تعتبر ظواهر طارئه ودخيلة ولا تعبر عن حقيقة وجوهر الإنسان المصرى الأصيل. وكما قلنا إن الإباحية بكل أشكالها إهدار للطاقة البشرية والاقتصادية فالإرهاب بكل ألوانه إهلاك لذات الثروات.. ولكنه يتجاوز ذلك إلى شبكة علاقات دولية شديدة التعقيد.. كما أنه يسهم فى تشويه صورة الأديان التى تدعى هذه الحركات اعتناقها.. وهى بعيدة عنها ولا تعكس حقيقتها وجوهرها. وقد يرى البعض أن هذه موعظة دينية أو محاضرة طوباوية ولكننى أقوال إنها نصيحة مخلصة ودعوة صادقة يجب أن نتضافر جميعاً من أجل تنظيمها وتنفيذها بكل الهمة والحماسة والجدية التى نتابع بها مباريات الكرة حرصاً على مستقبل بلادنا.. وفلذات أكبادنا.