أثار حزب الشاى الأمريكى شجونى إزاء أحزاب النسكافيه والقهوة فى غالبية العالم الثالث.. ومن بينها مصر.. فهذا الحزب نجح خلال فترة وجيزة فى تحقيق اختراق قوى وسريع.. وفرض نفسه على الساحة السياسية خلال انتخابات التجديد النصفى للكونجرس وحكام الولايات فى أمريكا مؤخراً.. بل ونجح أصحاب «الشاى» فى بسط علاقاتهم الدولية.. مع دول مثل بريطانيا وإسرائيل، ونتوقع أن يمتد ويتمدد خلال الفترة القادمة نظراً لوجود نسخ مشابهة متطرفة.. فى دول غربية عديدة. ورغم أن لدينا 24 حزباً.. إلا أن أغلبها ورقية وصورية ولا تأثير لها على أرض الواقع.. فقط نسمع بعض همساتها خلال الانتخابات.. وعلى استحياء شديد.. ومن المؤكد أن أكثرية المصريين لا يعرفون أغلب قادة ورؤساء هذه الأحزاب! وربما اهتم هؤلاء بالحصول على الدعم والامتيازات المقررة أكثر من حرصهم على تقديم برامج انتخابية مدروسة وأهم من سعيهم لتقديم خدمات حقيقية لأبناء دوائرهم.. بل ولمصر كلها.. باعتبارهم ممثلين لها سياسياً وبرلمانياً.. وقانونياً أيضاً. نعود إلى حزب الشاى الأمريكى لنكتشف أنه كحركة سياسية وطنية تحررية بدأت خلال القرن الثامن عشر وتحديداً عام 1773 عندما تحدى الأمريكيون المستعمر البريطانى الذى فرض على الشاى المستورد إلى الولاياتالمتحدة ضرائب باهظة، آنذاك قام المحتجون الأمريكيون بالاستيلاء على ثلاث سفن بريطانية محملة بالشاى وقذفوا حمولتها فى مياه بوسطن، وكانت تلك نقطة انطلاق حركة التحرر الأمريكى من المستعمر البريطانى! ومن الناحية الأيديولوجية يعتبر حزب الشاى أو «Teaparty» امتداداً لليمين الأمريكى المحافظ.. ولكنه أشد تطرفاً وغلواً فى اليمينية والحفاظ على الأصول الأنجليكانية للرجل الأبيض! وهذا مؤشر على أن الولاياتالمتحدة تتجه إلى مزيد من التطرف اليمينى.. مثلما هو حاصل فى بلاد غربية عديدة. وهذه الظاهرة الخطيرة تعنى أن التطرف الغربى سوف يقابله مزيد من التطرف فى دول أخرى.. بمعنى أن صعود تيار حزب الشاى وما يماثله من حركات حزبية غربية وإسرائيلية سوف يعزز قوى التطرف فى مختلف الاتجاهات.. وهذا لن يحل الأزمات أو يخفف الصراعات.. بل سيزيدها اشتعالاً ويوسع نطاقها. ويجعل من الصعوبة احتواءها والسيطرة عليها. وهنا يجب أن نشير إلى دور إسرائيل فى تأجيج هذا الاتجاه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فحزب الشاى أقام علاقات قوية مع «رابطة الدفاع الإنجليزية» المتطرفة.. وهذه الرابطة دعت الحاخام الإسرائيلى المتطرف شيفرن إلى إلقاء محاضرة عن «قوانين الشريعة الإسلامية» وتعزيز المنظمات التى ترفض أسلمة أوروبا، كما أن همزة الوصل بين «الرابطة الإنجليزية» و«حزب الشاى» هى باميلا جيلر رئيسة منظمة «أوقفوا أسلمة أوروبا»، هذه المتطرفة.. هى التى قادت الاحتجاجات ضد بناء المركز الإسلامى قرب مركز التجارة العالمى الذى تم هدمه فى 11 سبتمبر 2001. هذه الشبكة المتطرفة تقود اتجاهاً قوياً ومتصاعداً يثير الخوف من الإسلام والمسلمين والعرب فى مختلف أنحاء العالم، لذا ليس غريباً أن يرفض هذا الحزب سياسة أوباما إزاء العالم الإسلامى.. بل إن أحد أبرز قادته (جلين بك) يعتبر أوباما مسلماً.. مدسوساً على البيت الأبيض ويسعى لهدم أساس الولاياتالمتحدة الأمريكية!. ورفعوا شعار «أوباما يدعم أسامة» أى أسامة بن لادن! وإذا كان اليمين الأمريكى المحافظ قد حصر إطاره الأيديولوجى فى الأصول المسيحية والتحالف مع الصهيونية.. فإن أنصار الشاى ضيقوا هذه الدائرة لتقتصر على الأمريكى الأبيض الأنجلو سكسونى البروتستانتى ذى الأصول الثقافية الأنجليكانية.. فقط! هذا يعنى أن مؤسسى وأنصار حزب الشاى لا يدركون سر تفوق الولاياتالمتحدة التعددية والبوتقة القادرة على صهر كل الحضارات والثقافات والجذور والأعراق.. واستخلاص أفضل ما لديها جميعاً بما يمثل إضافة قوية لبلادهم، وهاهم الآن يحاولون جر بلادهم إلى نقطة الصفر.. بل إلى ما دون الصفر.. إلى مرحلة الانهيار! والمشكلة أن هناك نجوماً وقادة بارزين انضموا لهذا الحزب ومنهم سارا بالين المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس ورجل الدين المتطرف «جلين بك» والسياسى المحنك رون بول، بل إنهم نجحوا فى انتخابات التجديد النصفى الأخيرة فى الوصول إلى الكونجرس وتحقيق اختراق مهم.. يرى بعض الخبراء أنه مقدمه لثورة سياسية تتفاعل داخل الولاياتالمتحدة.. ثورة تهدد الحزبين الرئيسيين اللذين يحكمان ويتحكمان على مدى عقود.. دون أن يكون هناك فارق جوهرى بينهما!! الاختلاف فقط بين شكلى الحمار والفيل!! وهنا نتساءل: ما الذى سمح ببروز وصعود حزب الشاى؟! السبب الأول يكمن فى ضعف أوباما شخصياً.. والحزب الديمقراطى الذى يمثله.. وهناك تأثير متبادل بين الطرفين (الحزب والرئيس) فإذا كان الرئيس قوياً وناجحاً وفاعلاً.. فسوف ينعكس ذلك على حزبه.. والعكس صحيح، ومن الواضح أن تدنى شعبية أوباما لأدنى مستوياتها كان نقطة تحول لصالح أنصار «الشاى» والجمهوريين أيضاً!! واستغل هؤلاء هذا التراجع المريع بسرعة فائقة وبقسوة ودون هوادة.. كما لو كان مصارعاً قد انقض على خصمه (بعد أن استسلم بالفعل) وراح يكيل له مزيداً من الضربات الساحقة.. والقاضية!! أوباما فشل فى تحقيق وعوده الداخلية والخارجية بجدارة.. وتحول إلى ما هو أسوأ من «البطة العرجاء».. وهو تعبير يطلق على الرئيس فى السنة الأخيرة من دورته الرئاسية.. ولكنه تحقق مع أوباما قبل سنتين من نهاية ولايته! ومن الواضح فى ظل كل هذه المؤشرات أنه قد لا يترشح لولاية ثانية.. مالم تحدث معجزة أو يرضخ لكافة شروط الخصوم.. بالاستسلام التام!! أيضاً استغل حزب الشاى المناخ العام المعادى للإسلام والمسلمين فى الغرب عموماً والولاياتالمتحدة وإسرائيل تحديداً.. وراح يسخر الإعلام والأقلام وكافة الوسائل لترويج أفكاره وكسب مزيد من الشعبية والأرضية فبدا صعوده وكأنه حزب عملاق.. منذ انطلاقته الأولى، وبدا كما لو أن الأمريكيين يمهدون لبروز بديل ثالث.. للحزبين الجمهورى والديمقراطى، ولكننا نرى أن ذلك مستبعد نظراً لحجم المؤسسات وجماعات الضغط والنفوذ التى تدعم الحزبين الكبيرين، وربما يكون حزب الشاى مجرد ورقة جمهورية أشد تطرفاً لتهديد أوباما.. وغير أوباما! أيضاً استغل الحزب المناخ المعادى للمهاجرين فى الولاياتالمتحدة وراح يزايد على اتخاذ سياسات وموقف أشد قسوة ضدهم.. وطالب بتشريعات أقوى لمواجهتهم، وقد دفع هذا التيار المتصاعد المهاجرين لتأسيس «حزب القهوة» لمواجهة «حزب الشاى»! وبغض النظر عن مواقف وأيديولوجيات أحزاب القهوة والشاى.. فإننا ندعو أحزاب «النسكافيه» لدينا للاقتداء بها.. والتحرك بفاعلية وجدية والنزول إلى الشارع.. حتى يشعر بهم الناس.. ويتفاعلوا معهم على أرض الواقع.. وليس من وراء المكاتب المكيفة!