المسلسلات الدينية اختفت تقريباً من خريطة الدراما المصرية، بحجة صعوبة تسويقها وضعف الإقبال على شرائها والرغبة فى عرضها رغم وجود عشرات المحطات الأرضية والفضائية التى تتسابق على عرض المسلسلات الاجتماعية ذات الموضوعات المستهلكة والأعمال الكوميدية «البايخة» وبرامج الاستظراف والسطحية. ومساحة الدين تقلصت بشكل عام على شاشة التليفزيون، وأصبحت شبه محصورة فى بعض البرامج التى لاتزيد مدة عرضها عن 15 دقيقة، وتذاع فى أوقات ميتة ولم يعد أمام المشاهد الباحث عن معلومة صحيحة أو ثقافة روحية فى شهر العبادة سوى اللجوء إلى الفضائيات الدينية التى يحتكر الظهور فيها نجوم أشرطة الرصيف وغلاة الدعاة والمتشددين. وفقد الدعاة الجدد من تلاميذ مدرسة عمرو خالد بريقهم ونسبة المشاهدة العالية التى كانت تتمتع بها برامجهم كما توارت برامج دينية أخرى كانت تجذب الناس حتى وقت قريب مثل برنامج «عم يتساءلون» للمذيع أحمد عبدون الذى تفرغ للرد بنفسه على مريين من خلال تقليعة «الخط الساخن».. وتراجع ظهور بعض مشاهير مشايخ الأزهر الذين اعتدنا على الاستماع لهم والاستفادة بعلمهم الغزير من خلال هذا البرنامج وغيره، بعد أن تفرقوا بين القنوات، ولم يعد لهم نفس البريق أو التأثير. وإنزلق بعض الدعاة والداعيات فى حفرة السياسة، وتورطوا فى فتاوى وأحكام أثارت الجدل ونالت من صورتهم لدى الناس، لدرجة أن إحداهن وهى الدكتورة سعاد صالح أعلنت انضمامها إلى حزب سياسى، فيما انشغلت داعية أخرى مثل الدكتورة عبلة الكحلاوى بأنشطة اجتماعية ومطلوبة لكنها أبعدتها كثيراً عن الاهتمام بالشأن الدينى والدعوى، وهى التى أحبها الناس فى صورة الأم الحنون التى يلجأون إليها فيما يواجهونه من مشكلات عصرية فترد عليهم وعليهن بردود شديدة العذوبة، تجمع فيها بين خلفيتها الثقافية الإسلامية الواسعة وحسها الإنسانى الراقى. وافتقدنا برامج تربى عليها وجداننا ووعينا الدينى، مثل برنامجى الراحلين والرائعين الشيخ الشعراوى والمتصوف المستنير الشيخ البانورى وكانت أحاديثهما وخواطرهما حول القرآن والسنة نبعاً لا ينضب لكم الطيب. وتحولت الأدعية الدينية إلى «سبوبة» رائجة لأصحاب شركات المحمول من خلال الرنات وأغنيات «الموبايل» التى يردد من خلالها المطربون والمطربات كلمات وقصص غريبة وعجيبة لاتخضع لأى تدقيق أو مراجعة، وتخلط بين تعبيرات منشدى «الموالد» وحكاوى المداحيين الشعبيين، ولا أعرف حقيقة كيف تحصل هذه الأدعية والأغنيات الدينية المليئة بالجهل والتخريف والألفاظ غير اللائقة فى مخاطبة الذات الإلهية والرسول الكريم على تصاريح من الرقابة على المصنفات الفنية وليس مستغرباً وسط هذه الفوضى أن تشاهد صحفياً يقدم نفسه على أنه مناضل سياسى من خلال برنامج توك شو يسب فيه الجميع، حكومة ومعارضة، لايسلمن لسانه الشعب المصرى نفسه الذى يصفه بالخضوع والخنوع وقال عنه مرة فى نفس البرنامج الشعب بتاعنا خاضع وجميل وتقدر تعمل فيه أى حاجة من فوق أو من تحت !، كما قال فى حلقة أخرى ماهى الوقفات الاحتجاجية كثيرة أهه. أمال بتستهلكوا فياجرا كتير ليه، ليس مستغرباً أن يرتدى هذا الصحفى هو الآخر جلباباً ويقدم برنامجاً هزلياً على قناة كوميدية بعنوان «حمرا» يقول فيه إن كل حاجة حمرا وحتى ال... حمرا» وإذا كان ملك السعودية أرض الحرمين الشريفين قد قرر تأسيس هيئة كبرى للعلماء يكون من حقها هى وحدها إصدار الفتاوى والأحكام الدينية، بعد أن تحولت الفتوى إلى أداة للتحريض على القتل والكراهية، فماذا أحوجنا ونحن وغيرنا فى الدول الإسلامية الأخرى لأتخاذ خطوة مماثلة للوقوف فى وجه تلك الفوضى التى سمحت لمن هب ودب بأن يفتى ويتحدث فى الدين بما يعلم وما لا يعلم وأن يقدم برامج ويؤلف أدعيته وينشر مفاهيم مغلوطة وأفكاراً مسمومة، ويستغل الدين فى تحقيق أرباح مادية أو مكاسب سياسية.