يمثل الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية نموذجاً طيباً لعالم الدين الجليل، المتمتع بسماحة الحضور والفكر معاً، وعندما التقينا مع فضيلته وجدنا أنفسنا نجلس فى أحد «مجالس الطيبين»، فالرجل يتسم بطيبة القلب وعمق التفكير وحُسن التناول والحديث، يتحدث بلغة العالم المتبحر فى علوم الدنيا والدين، يملك قدراً هائلاً من الهدوء والثقة والأمل فى قدرة الأمة على تجديد نفسها، بالعمل والخير ومراجعة النفس، يؤمن إيماناً راسخاً بأن طبائع الناس لا تزال بخير حتى لو مارس البعض طبائع هذا العصر. ويشدد على قيمة الحوار والمشاركة فى إعمار الأرض انطلاقاً من صدق المنهج وعمق الرسالة الحضارية للإسلام المنفتح وسمو أهدافه. يزن الرجل كلامه بميزان الذهب ويضع كلماته فى مكانها الصحيح ويرى نفسه مجدداً، ويقول إن هناك فرقاً واضحا بين الفتوى والرأى وإن هناك شروطاً للفتوى يجب الالتزام بها، وأن فتاوى تكفير المسلمين جريمة ولا يجوز جمع توقيعات للطعن فى إيمان أو إسلام أحد، وليس ضرورياً أن نعود لعالم الدين فى كل شىء وإن معيار تولى المرأة لأى منصب هو الكفاءة وعلينا أن نعيد ثقافة المجتمع. يتحدث د. على جمعة بما يملك من أدوات وعلم وخبرة، يثق فيها ولهذا جاء حديثه إلينا طاقة نور لتبدد لنا ظلاماً يحاول البعض إغراقنا فيه، وعندما يأتى النور من كلمات مفتى الديار فهذا يعطينا أملاً جديداً فى أن مجالس الطيبين ورموزها السمحة الطيبة لا تزال باقية بيننا. * فى البداية كيف ترى فضيلتكم منظومة القيم والأخلاق فى مصر؟ وهل صحيح أن تراجعاً أصاب هذا المنظومة؟ ** لقد حققنا إنجازات كثيرة ونتقدم بشكل جيد، ولذلك لا أؤيد من يقولون إن أخلاق الناس وقيمهم فى تراجع أو أن وضعها سيئ، صحيح لدينا مشكلات لا يمكن إنكارها لكن ذلك يتعلق بتطورات العصر الحديث وبهويتنا وبموقعنا الجغرافى، وسوف نتصدى لتلك المشكلات ونعمل على حلها. أقول: يجب علينا أن ننقد أنفسنا النقد الصحيح، وكلمة نقد فى الأصل تستوجب ذكر المحاسن وذكر المساوئ، الايجابيات والسلبيات، والتقويم الصحيح لكل منهما، حتى نستطيع وضع حلول سليمة لها لكيلا نكون متجنين على الواقع. لقد أتيت من الريف من إحدى قرى بنى سويف ودخلت القاهرة عام 1967 وأحمل الآن فى مخيلتى مقارنة بين الوضع آنذاك والوضع فى عام 2010، لقد أنجزنا كثيرا وقمنا بتغييرات جذرية لاينبغى التقليل منها يجب أن ندرك أن الحياة متحركة وليست ساكنة والحركة تستوجب التطوير فى كل لحظة وكذلك التغيير والمراجعة. الشعب المصرى محب للخير وكلما سافرت إلى مكان أشتاق إلى مصر بشدة، وفى كل بلد زرته وجدت به سلبيات ومشكلات أكثر تشابكاً وتعقيداً مما نعانى نحن منه. الإحصاء لا يكذب * تنظر فضيلتكم للواقع بشكل شديد التفاؤل؟ ** هذا التفاؤل له من الواقع ما يبرره ويشهد له، الإحصاء لا يكذب عندما نتحدث بالأرقام يمكن أن نوصل أفكارنا للناس بشكل أفضل ففى عام 1950 كان لدينا فى الأزهر 15 معهداً، والآن لدينا ما يقرب من 8 آلاف معهد وحينها كان عدد السكان 14 مليونا والآن عدد السكان 80 مليونا وبمقارنة بسيطة نجد أن عدد السكان زاد 5 مرات تقريباً بينما عدد المعاهد زاد أكثر من 100 ضعف عما كان ينبغى أن يزيد. إذن فنحن أمام تطور حقيقى وتغلغل للمؤسسة الدينية فى المجتمع، مثال آخر فى جامعة الأزهر كانت هناك 3 كليات الآن لدينا 65 كلية. * هل هو تطور كمى أم نوعى؟ ** هو فى كافة الأحوال تطور أتاح الجو العلمى المناسب ل 80 مليون مصرى، حتى لو وجدت بعض المشكلات من الممكن مواجهتها. * نعود مرة أخرى.. هل هناك تراجع فى منظومة الأخلاق؟! ** لا.. أنا لست معك فى هذا، لأننا لو بحثنا فى منظومة القيم وأخذنا مؤسسة «مصر الخير» لها كمثال، فقد حاولنا فيها أن نقوم بالواجب الأخلاقى والدينى تجاه المجتمع وقد استجاب الناس لنداء المؤسسة، بل وأنجحوها وهذا جزء من المنظومة الأخلاقية، فإذا كنا نطالب الناس بالرحمة وبأن يكون العلاج والصحة حق لكل مواطن، والناس يستجيبون لهذا النداء، معنى ذلك أن الأخلاق لا تزال بخير. وكنا نتمنى أن نكون نموذجاً قابلاً للتكرار، وهذا ما حدث بالفعل وعلى نفس نهجنا سار الكثير من القائمين على المؤسسات الفاعلة فى المجتمع. مجتمع مشارك * على ذكر «مصر الخير» ما نشاط هذه المؤسسة؟ ** نعمل من خلال 5 جوانب أو محاور هى الصحة والتعليم والبحث العلمى والتكافل الاجتماعى والحياة والفنون والآداب.. وغرضنا هو الإنسان قبل البنيان والتنمية والنقلة النوعية الحضارية والمتابعة للوصول إلى التنمية الحقيقية، لأننا نريد مجتمعاً مشاركاً وليس متلقياً فحسب، ويتضح هذا النموذج فى زكاة الفطر فكل المسلمين عليهم زكاة حتى الفقراء يأخذون الزكاة ويعطون الزكاة لمن هو أفقر منهم، هذه المعانى طرحناها على الناس وأحدثت حراكاً فى المجتمع ووجدنا مؤسسات جادة وناجحة عملت معنا. * المشاركة والاستجابة جاءت من الجهات الرسمية أم من الجمهور؟ من كافة الجهات الرسمية والشعبية ومؤسسات المجتمع المدنى، ولا أخفيك سراً نحن نتلقى تبرعات بدءاً من خمسة جنيهات من خلال اتفاق مع هيئة البريد حيث لها 4 آلاف منفذ كلها تقبل التبرعات لمؤسسة مصر الخير. * المشاريع التى أنجزت هل هى ذات طابع مصرى أم طابع دينى؟ ** مشاريعنا ذات طابع مصرى وشعارنا (من الناس للناس) وتخدم المصريين ولا نضع القضية الدينية أمامنا اطلاقا فقد ساهمنا مع الدكتور مجدى يعقوب، كما ساهمنا مع الدكتور محمد غنيم، نحن مؤسسة تعمل فى النطاق الجغرافى لمصر وهى محكومة بقانون مصر الذى يأبى التمييز بين المصريين على أساس الدين وهو ما ندعمه ونؤيده، نحن نعمل فى إطار القانون ونهدف فى النهاية إلى التنمية البشرية وتشجيع المجتمع المدنى للقيام بدوره وواجبه. أعود لأؤكد أن الناس لا تزال بخير حتى لو مارس بعض الناس طبائع هذا العصر من فوضى قائمة على فلسفة الفوضى الخلاقة التى نرفضها لأننا بناة حضارة نشارك فى بناء الحضارة العالمية الإنسانية ولا نستطيع تكميم الأفواه، لكننا نعرض بضاعتنا الأخلاقية ونجد استجابة شديدة لها وهو ما يعنى صدق منهجنا وعمق رسالتنا وسمو أهدافها. الخرافة تنحسر * وبم تفسر عودة العامة فى عصر الإنترنت والسماوات المفتوحة إلى الخرافات؟ ** هيا بنا نتحدث بصورة علمية بإجراء مقارنة بين مصر عام 1890 وعام 2010، ففى الماضى كان هناك نوع شائع يسمى طب (الرُكة) كانت تتحكم فيه عقلية الخرافة ، وألف ضد هذا النوع من الطب د. محمد إسماعيل كتيبات صغيرة بعنوان (طب الركة) وبعدها بفترة كتب يحيى حقى رائعته (قنديل أم هاشم) للتصدى لهذا النوع من الخرافة، والآن أصبحت العقلية العلمية هى الحاكمة والطب فى مصر الآن له قدم راسخة. ومع ذلك نجد بعض الفضائيات تروج لعودة (طب الركة) عن طريق الدعوة مثلا لتناول منتج مجهول المصدر والمكونات والامتناع عن تناول الأنسولين، هنا نوضح للناس ونقول لهم هذا خرافة وجهل، وبالفعل هناك استجابة لتحذيراتنا. الخرافة موجودة فى كل مكان من العالم حتى فى أمريكا تم ضبط 16 شخصا يدعون الألوهية بعضهم يسجد له الناس، وهذه خرافة سمح بظهورها طبيعة الحرية التى يعيشها العقل الأمريكى. نحن نسعى إلى تكوين العقل المستنير العلمى وقادرون على ذلك بإذن الله، واستطيع القول بأن الخرافة تراجعت بنسبة 90% لكنها لن تختفى، كما أن الجرائم والتزوير والركة لن تختفى. * ألا يحتاج بناء العقل المصرى المعاصر إلى الحوار بدلا من الهجوم على الآخر دون فهم؟ ** أوافقك بشدة.. نحن نحتاج لمزيد من الحوار لأننا لدينا حوار ولكنه كمثل من كمموا فاه سنين طويلة ثم تركوه يتكلم فهو بذلك يهذى بالكلام، إلى أن يستقر ويتعلم قواعد الحوار وقواعد التعايش وكيفية المشاركة من أجل عمارة الأرض. شروط المفتى * مَنْ يملك حق الفتوى؟ ** العالم المدرب على أمور ثلاثة هو الذى يملك حق الفتوى أولها التعامل مع المصادر من كتاب وسُنة، والتراث الإنسانى الناتج من فكر السلف الأتقياء الأنقياء الذين أفنوا أعمارهم بالتفكير المستقيم لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. ثانيا: أن يكون مدركا للواقع وعوالمه المتشابكة وعلاقاته المتزاحمة. ثالثها: لابد أن يدرك المفتى الجسر الواصل بين النص الثابت والواقع النسبى. لذلك فكل عالم أدرك واحدا من هذه الثلاث لا يحق له الإفتاء وكل عالم أدرك اثنين دون الثالثة لا يحق له الإفتاء. أما ما نلاحظه فى الفضائيات من أن أحدهم يتصدر قبل أن يتعلم ويفتى لمجرد أنه قرأ كتابا أو كتابين عن الدين ولحيته تصل إلى سرته، فهذا لا يجوز أن نطلق عليه فتوى من الأساس، لأن العلم له أركان هى: الكتاب والمنهج والأستاذ والطلاب والجو العلمى القائم على الامتحانات الشفهية والتحريرية ودراسة العلوم المساعدة. الفتوى ليست فنا..بل هى علم له أسسه وقواعده ونتائج مترتبة عليه، ويجب أن نفرق بين شخص عالم وبين شخص متدين، الفتوى تؤخذ من العالم لا من المتدين. * ما دور دار الإفتاء فى التصدى لهذه الظاهرة؟ ** هذه الظاهرة جرّت الدار لإصدار 3500 فتوى يوميا لأن المواطن غير مطمئن لهذا (الهراء) الذى يسمعه من الفضائيات وقامت الدار بواجبها وفتحنا موقعا إلكترونيا ب 9 لغات منها الإنجليزية والألمانية والفرنسية والأوروبية والتركية والأندونيسية وأنشأنا الكول سنتر ونعمل حاليا على إدخال لغة (السواحلية) الأفريقية ويتم الإعلان عن ذلك عندما يصل عدد المشاركين إلى 100 وأملنا حاليا الوصول إلى 40 لغة، ونشترط لذلك شروطا منها أن يكون المترجم من أهل البلد المترجم للغتها، وأن يكون أزهريا ويجتاز اختباراتنا الشخصية، أما الرقم المختصر فهو 107 وأصبح يتلقى فتاوى عن طريق الهاتف ونجيب عنها وأيضا نتلقى الفتاوى عن طريق البريد والإيميل. وأقول لك إن الإمام محمد عبده أفتى فى 6 سنوات 944 فتوى، ونحن نفتى ب 3500 فتوى يوميا. * ما أسباب ذلك فى تقديريك؟ ** تصدر ناس ليس لهم علاقة بفهم النص أو إدراك الواقع أو قدرة على الربط بينهما، فالفتوى تمر بمراحل أربع التصوير ويعنى تصوير مسألة السائل فى عقل المفتى ثم التكييف أى تكييفها لتحديد إلى أى فرع من فروع العلم تنتمى ثم الحكم ثم الفتوى، وقد يكون الحكم للسائل حرام مثلا عن الخمر، ولكن يكون لآخر، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، وبالتالى الفتوى مسئولية كبيرة تحتاج إلى ما سبقت أن تحدثت عنه. وقد كان الصحابة الكرام مع علو قدرهم وتقواهم كان إذا جاء أحدهم من يستفتى لا يفتيه ويحيله إلى صاحبه، وهكذا حتى يرجع من سأله أولا. * هل هناك لجنة لمراجعة الفتاوى؟ ** لدينا لجنة نطلق عليها لجنة الأمناء ويؤيدها ويساعدها ما يسمى بمركز الأبحاث الذى يبحث المسألة علميا، ويرجع للدوريات ولقرارات المجامع الفقهية والرسائل الجامعية وهو مساعد ومكمل لعمل أمناء الفتوى حيث يقدم له الدراسة النافعة وما قد يغيب عنهم. ثم بعد ذلك أراجع الفتاوى التى تتعلق بالأمة، لأن الفتاوى منها ما يتعلق بالأمة ومنها ما يتعلق بالأفراد. * تصدرون يوميا 3500 فتوى.. فما أبرز هذه الفتاوى؟ ** 70% من هذا العدد يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والحضانة والميراث وغير ذلك. * هناك ما يسمى بجبهة علماء الأزهر كل واحد منهم يصدر فتوى مع أن هذه الجبهة محلولة بقوة القانون.. فما رأى فضيلتكم خاصة أن بعضا ممن كانوا ينتمون لهذه الجبهة شككوا فى مصداقيتها؟ ** أنا لست مطلعا بدقة على كل هذا (الهراء) ولكن أحذر الإعلام بشدة من وصف هذا الهراء بكلمة (فتوى) أنا أريد من الإعلام الوقوف مع العقلية العلمية وأن يسمى ما يصدر عن أشخاص ليسوا أهلا للفتوى (رأى). لأننا كلما قلنا عن كلامهم (فتوى) زادت عندهم شهوة المخالفة والتصدر قبل التعلم وظنوا أنفسهم شيئا وهم ليسوا شيئا لا عند الله ولا عند الناس، وبالجبهة أحقاد شخصية تلبست ببعضهم بأمور لا علاقة لها بالدين. تكفير المسلم * من له حق تكفير المسلم؟ ** القاضى- وحده - هو الذى يملك حق وصف الإنسان بأنه كافر. وعبر التاريخ الإسلامى كانت هذه مهمة القاضى ويأتى لنفس الشخص المتهم فربما كان الشخص بريئا وقد تقوَّل عليه أو أن له تأويلاً صحيحاً وكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع. يا رجل هؤلاء كفروا الناس دون أن يقرءوا كتبهم ودون أن يسمعوا لهم فى الأساس ويتصيدون فقط العناوين من الصحف والكتب، وهناك نوع من أنواع تقديم الإثارة على الاستنارة يقوم بها بعض الصحفيين ونقول لهم: إن ميثاق الشرف الصحفى يأبى هذا وعندما نقدم الإثارة فإنها لا تبنى عقلا مع أن الصحافة أهم أداة لبناء العقلية المصرية. * هل يجوز أن يجمع أحد توقيعات للطعن فى إسلام أحد؟ ** لا يجوز وهذا معلوم من الدين بالضرورة. * هل كل ما يقوله المفتى فتوى؟ ** لا.. المفتى عندما يريد أن يفتى فإنه يقول إن هذه فتوى، لكنه مواطن له آراؤه التى ليست فتوى وعقليته ومنهجه الذى هو ليس فتوى، فمثلا لو كان منهجه يميل إلى الأخلاقيات والتصوف فهذا لا يعد فتوى، كما أن رأيه السياسى لا يعد فتوى، والفتوى تصف الحكم على فعل بشرى، لكن فى بعض الأوقات يريد الناس معرفة رأيى فى الغلا مثلا أو التضخم فنقول لهم رأيا وليس فتوى. شئون الدنيا * إذن ليس ضروريا أن نعود لعالم الدين عندما نبنى مصنعا أو نقرر شأنا اقتصاديا مثلا؟ ** بالطبع لا.. الافتاء يتعلق ببيان حكم شرعى لفعل بشرى وليس متعلقا بتحليل الأحداث أو الرد على الأفكار أو الوقائع التاريخية. أذكر أن أحد السائلين أرسل لنا يسأل: هل تزوج النبى مارية؟ وحفظنا الفتوى فقام برفع دعوى قضائية ضدى لعدم قيامى بالرد عليه فكان ردنا على المحكمة أن الأمر ليس فتوى ويجب الرجوع فيه إلى أساتذة التاريخ والسيرة النبوية وهناك أسئلة على نفس المنوال نجيب عنها. * كم قضية رفعت ضد فضيلتكم؟ ** 11 دعوى قضائية منذ توليت مسئولية دار الإفتاء. * ما رأيك فى دعوة البعض لقيام دولة دينية؟ ** أنا لا أعرف معنى «دولة دينية» ولكن مصر لها تجربة اسهما التجربة المصرية وكتبت عنها سابقا فقد قررت مصر فى عهد الخديوى إسماعيل أن تكون ليبرالية والتى تعنى الحرية ودولة المؤسسات والدولة التى تتخذ الديموقراطية طريقا للحكم. وهذا المعنى لا يخالف الإسلام ولهذا أنشئ البرلمان إلى أن جاء دستور 23 وقد ساهم فى وضعه الشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية وهو من أعلم أهل الأرض آنذاك والمصريون بذكائهم اتخذوا الليبرالية طريقا والشعب قال إنه يريد أن يكون مسلما وبالتالى جاء فى نص المادة 45 من دستور 23 أن الدولة إسلامية ودينها الرسمى الإسلام إلى أن جاءت المادة الأولى والثانية فى عهد السادات ونصت على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأول للتشريع. وبالتالى فإن الليبرالية تقول بالأغلبية ونحن دولة لا تفكر فى النشأة إنما نحن دولة لنا تجربتنا الرائدة التى هى خير من التجربتين التركية والإيرانية وغيرهما. وأقول بصدق إن التجربة المصرية هى أفضل تجربة حدثت فى ال 200 سنة الماضية. أيضا عبد الرزاق باشا السنهورى الذى وضع مواد ونصوص القانون المدنى راعى فيها أن تكون موافقا لشريعة الإسلام لكن صياغتها توافق صياغة القوانين العالمية. والدعوة إلى صيغ أخرى سواء من القائلين بأننا دولة دينية أو مدنية نحن لسنا كذلك نحن دولة ليبرالية نحتكم إلى المؤسسات والذى يدعوا إلى الدولة الدينية لا نعرف ما الذى يقصده وما يهدف إليه نحن تجربة قوية وثرية ولنا قدم صدق فى قوانين العالم وعبد الرزاق باشا السنهورى قال فى «الوسيط» إنه استقى القانون المدنى من 16 تشريعا ومن الشريعة الإسلامية. * لكن هناك من يحاول استخدام الدين فى العمل السياسى؟ ** أنا لا أتدخل فى هذا «الهتر» «الكلام غير المفيد» نحن نريد تعليم الناس أن التجربة المصرية هى أفضل لنا فى الماضى والمستقبل وبالتالى فهى دعوة للمسلمين فى كل مكان أن يكونوا نافعين فى أوطانهم وأن يكونوا نماذج طيبة. الخطاب الدينى * ألا تلاحظ أننا نحتاج إلى تجديد الخطاب الدينى؟ ** هناك رأى أتبناه. وهو أن هناك فارقا ما بين الإصلاح والتجديد؟ الأول يفترض أن «الماضى» كان خطأ يجب أن يصحح. أما التجديد فيقترح أن الماضى كان صحيحا لكنه كان وفقا لوقته ونحن فى وقت جديد له مقتضيات جديدة تحتاج إلى شىء جديد حتى نصل إلى ذات المقاصد التى وصل إليها من كان قبلنا وهذا هو الفرق بين الإصلاح والتجديد.. وأنا بطبيعتى مجدد ولست مصلحا ودائما أصف السلف الصالح بكل الخير وأدعوا لهم. * ماذا نفعل لكى نستعيد صورتنا الطيبة وأننا دعاة سلام؟ ** نحن فى الأزهر أسسنا اللغات والترجمة والمسلمون الآن منتشرون فى العالم. * لكن هناك متشددون يتحدثون فى الغرب باسم الإسلام؟ ** لا.. الرسول يقول بلغوا عنى ولو آية فالمسلم وجوده فى هذه المجتمعات يعنى وجود الأسوة الحسنة الشهادة وليس العلم يقول الله «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا». فقد استطاع المسلمون الأوائل أن يصمدوا ويواصلوا إلينا رسالة الإسلام ولكن كثيراً من الناس يقولون إن أسباب المشكلة التى نعيشها الآن أخطاء الماضى وأنا أرى أن كل طائفة قامت وبذلت الجهد فى تأدية واجبها ونحن يجب أن نقوم بواجبنا فى وقتنا. الأمر الآخر أن هذا يتم بأمرين الأول استخلاص المناهج من التجربة التاريخية «كتب التراث» وتجاوز المكان والزمان والأشخاص والأحوال ونقوم بعملية تجريد المناهج ونبنى عليها. الأمر الثانى نبنى حول هذه التجربة ما نريده ويتناسب مع العصر من نفس رونق ذلك المنهج القديم دون أن نهدمه. * أنت مع استمرار الحوار مع اتباع الديانات الأخرى؟ ** لابد من ذلك.. ولذلك فإن نشاطى فى الحوار كبير واشترك فى «كلمة سواء» وبدأناها ب 132 عالما ذهبنا بها إلى الفاتيكان وعقدنا لقاءات عالمية ونجحت ولاقت قبولا. * إذن فكيف ترى الحوار مع الغرب؟ ** أنا أعمل فى الحوار معهم من التسعينيات والحوار تطور فقد كان البعض فى بدياته يسعى للإقناع بالرأى ولكن وصلنا إلى صيغة الاشتراك فى الرأى والمشاركة والتعاون البناء وعمارة الأرض معاً وهذه هى المفاهيم العصرية لقضية الحوار. * لا يزال دور المرأة فى المجتمعات العربية هامشيا ترى لماذا؟ ** هذا مجرد ثقافة. * ومتى نتخلص من هذه الثقافة؟ ** بمرور الزمن. حد الردة * وماذا عن الردة وهل لها حقا حدا له نص واضح فى الإسلام؟ ** النصوص الواردة فى الحدود هى للردع والزجر أولا قبل أن تكون عقابا ثم تأتى مسألة التطبيق التى لها ضوابط وشروط صعبة للغاية، ولم يثبت من ألف سنة فى مصر أن أحدا قتل لأنه غيّر دينه وهذا يعنى أن المسلمين فهموا دينهم جيدا ووجود النص لا يضير أحدا. * هل أنت مع تولى المرأة للمناصب القيادية؟ ** بالطبع نعم مادامت كفئا لذلك. * ولماذا لا يوجد فى مجمع البحوث امرأة واحدة؟ ** لا توجد من هى كفء لعضوية المجمع حتى الآن، فنحن لا نريد إثبات حالة، إذا وجدنا سيدة تملك وتنطبق عليها مواصفات عضوية المجمع فأهلا وسهلا. * متى نتواصل فى الحوار مع الشيعة؟ ** هذا الأمر نعمل عليه حاليا ونعتقد أننا قطعنا شوطا كبيرا مع النخبة ولكن نحتاج لوقت حتى تظهر آثار هذاالحوار بين عامة الناس. * ما الذى ينقصنا لاستعادة دورنا الحضارى العربى والإسلامى؟ ** أنا أشعر أننا بدأنا الطريق فى كل المجالات ولو استمرينا سوف ننال مرادنا. أجرى الحوار : * مجدى الدقاق خالد البحيرى – نشوى مصطفى – محمد ابو السول – سامح اللبودى عدسة : عاطف دعبس