كيف تكون مذكرات الرؤساء حين ينون نشرها؟ هل فعلا ينشروها كما هي؟ وهل يكتبون بصدق ما يحدث معهم خلال فترة الحكم؟ لعل هذه التساؤلات المشروعة تفرض حضورها لحظة سماعنا بصدور كتاب مذكرات لأحد الرؤساء. وبين يدينا يوميات الرئيس الأميركي التاسع والثلاثون " جيمي كارتر" تحت عنوان " مذكرات البيت الأبيض"، صادرة ترجمتها عن شركة المطبوعات والنشر، ومن ترجمة سناء شوقي حرب. كتب كارتر مذكراته بشكل يومي أثناء تولّيه رئاسة البيت الأبيض في الفترة من 1979 إلى عام 1981. ويجد القارئ في هذه المذكرات الكثير من الأحداث والمواقف التي تتعلق بالجزء الأخير من القرن العشرين. كارتر كان نزيها في سرد الأحداث، مفضلا أن يكتب الحدث كما هو على أن يجمله كي يظهر بصورة أفضل. وكما يرد في الكتاب فإن كارتر كان يسجل بصوته لأهم الأحداث ،أو يمليها على سكرتيرته، التي تحررها بدورها على الآلة الكاتبة، وتضعها في ملفات كبيرة من دون حذف ، لم يمح كارتر أخطاءه منها، ولا أحكامه غير الدقيقة ، رغم أن هذه الفكرة راودته، بل اختصرها في صفحات غطى بها أهم الأحداث العالمية، التي شارك فيها وعايشها رئيساً، ومن بينها غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، وقطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران. ومما يكشفه الكتاب، وما يذكره كارتر بنفسه إنه كان حريصا على كتابة مذكراته كل يوم أثناء توليه الرئاسة لأنه كان يعرف أنه جزء من التاريخ، لذا اعتبر أن ما يقوم به فيه أمانة تاريخية ، ومع نهاية عام 1981، وبانتهاء فترة رئاسته تجاوزت تلك المذكرات خمسين ألف صفحة. لكن الكتاب لا يشتمل حتما على كل ما كتب الرئيس "كارتر" لكنه يحوي مقتطفات مما كتب، مع إضافة هوامش تشرح للقارئ السياق. والجدير بالذكرأن الرئيس "كارتر" توقف أمام تفاصيل وأحداث مفرقية مشوقة، تجذب اهتمام القارئ، كما أن لغته في الكتابة جذابة وشيقة الى حد كبير، وبعيدة عن الجفاف. لم يقم كارتر بأي تعديلات على ما كتبه منذ ثلاثين عاماً؛ فعلى الرغم من أن إغراءات التفكير في إخفاء أخطائه وإخفاقاته؛ فإنه آثر أن يبقى على النسخة الأصلية كما هي. لكنه كان حريصا على عدم المساس بما كتبه قبل ثلاثين عاما، ولأنه من الصعب إصدار المذكرات كاملة فقد حاول انتقاء الأجزاء الأكثر ارتباطا بالأحداث الحالية. ولعل أبرز ما يرد في الكتاب، هو تجربة جيمي كارتر في معالجة المواقف السياسية الصعبة، والمعقدة، والتي تحتاج الى دبلوماسية، وحسن تصرف، وحزم أيضا، يتوقف " كارتر فى مذكراته عند العلاقات الأمريكية - الصينية والأسلحة النووية وخسارته فى انتخابات الرئاسة عام 1981 بعد فشله فى التعامل مع أزمة الرهائن الأمريكيين المحتجزين فى السفارة الأمريكية فى طهران. كما يتحدث عن "معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل"، حيث غمرته فرحة غامرة لنجاحه في اتمام هذه المهمة، لأن تلك المباحثات تسببت فى تعرضه لضغوط نفسيه شديدة كان يحاول التخفيف منها بالركض من 3 إلى 7 أميال. يبلغ كارتر من العمر (87 عاما)، وسبق أن نشر خمسة وعشرين كتابا في السياسة، وله آراء كثيرة معتدلة، ومساعي جادة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. ويعتبر إصدار مذكراته بمثابة فرصة أخيرة لتقديم رؤيته للأحداث التى وقعت أثناء توليه الرئاسة الأمريكية، وعلى الرغم من كون هذه المذكرات تحمل أفكاراً وانطباعات تغيرت داخل كارتر تجاه الأحداث والأشخاص وراودته أفكار كثيرة لتغيير ما كتب خلال فترة الحدث، الا أنه لم يقم بهذا مفضلا أن تظل تجربته كما هي، من دون أي تدخلات جديدة لصالح الزمن الحالي .