منحت إدارة مهرجان الجونة السينمائي الدولي المخرجة الفلسطينية مي مصري، جائزة الإنجاز الإبداعي أخيراً، تكريمًا لإسهاماتها السينمائية العربية، واعترافًا بمسيرتها الطويلة، وكونها من أهم مخرجات السينما العربية، اللاتي حملن هموم المجتمع، وعبَّرن عنها في أعمالهن. وتخصصت مصري في إخراج الأفلام التي تركز على القضية الفلسطينية والمعاناة من الاحتلال، كما كوَّنت ثنائيًّا فنيًّا مع زوجها الراحل جان شمعون، وقدما كثيرًا من الأفلام التي توثّق الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياحات الإسرائيلية لبيروت، إضافة إلى أفلام تسجيلية، وعمل روائي واحد هو (3000 ليلة)، وفازت بكثير من الجوائز من أكبر المهرجانات الدولية. التقينا المخرجة مي مصري في حوار تحدَّثت فيه عن التكريم، وموقفها من السينما التجارية، وإصرارها على إخراج نوعية خاصة من الأعمال تعكس موقفها السياسي والإنساني. في البداية تحدثت مي عن تكريمها في مصر من مهرجان الجونة، وإحساسها كامرأة كرمت من مهرجان غير متخصص بسينما المرأة، وقالت مي "التكريم يعني لي الكثير، لأنه عن مجمل أعمالي من مهرجان مصري مهم، وهو مهرجان الجونة، وهذا التكريم يمنحني حافزًا لاستكمال مشروعاتي المقبلة، وأجمل ما في هذا الحدث هو إحساسي أن أعمالي تصل إلى الجميع، وأثرت بالفعل، وهذا التكريم اعتراف سينمائي بمدى أهمية هذا المشوار الذي تعبت فيه كثيرًا، وكنت سعيدة بتلقي خبر تكريمي، لأنه يأتي من بلد السينما (مصر)، وهذه شهادة تعني لي الكثير". وبالنسبة لتكريمها من مهرجان غير متخصص بسينما المرأة قالت مي، "التكريم أعتبره اعترافًا مضاعفًا بالمستوى الذي وصلت إليه المرأة العربية في صناعة الأفلام، وبالتالي هو ليس لشخصي فقط، بل لكل المخرجات العربيات". معاناة المرأة الفلسطينية وعن أحدث أعمالها (3000 ليلة)، الذي يتناول معاناة المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال، ونال كثيرًا من الجوائز في مهرجانات عالمية قالت، "هذا الفيلم أول فيلم روائي طويل في حياتي الفنية الطويلة، وله قصة معي، فقد قررت عمله بعد أن قابلت سيدة فلسطينية مناضلة، وحكت لي قصتها التي استوحيت منها قصة الفيلم، حيث أنجبت طفلتها داخل أحد السجون الإسرائيلية، وعانت كثيرًا من معاملة غير إنسانية، إذ أجبرت على الولادة، وهي مقيَّدة بالأغلال، وظلت الفكرة في عقلي، وطورتها بعد أن قابلت سجينات أخريات فلسطينيات، وعرفت ما عانينه في فترة السجن، وبهذا الشكل كوَّنت قصة فيلم (3000 ليلة). والحقيقة أن استقبال الفيلم في العالم كان رائعًا، ولم أتخيل كم التفاعل والتأثير والجوائز التي حققها الفيلم". كل أعمال مي مصري تتناول القضية الفلسطينية والمعاناة بأشكالها المختلفة وعلى الأصعدة كافة. فلماذا قررت مي التخصص في هذا الموضوع تحديدًا دون غيره؟، أجابتنا مي، "نشأت في بيت وطني رسَّخ في ذهني ووجداني حبَّ الوطن، كما عشت كثيرًا من الظروف السياسية الصعبة، فقد ولدت في عمان وتربيت في بيروت، وعاصرتُ فترة السبعينيات التي كانت فترة توتر سياسي كبير، إضافة إلى ارتفاع المقاومة الفلسطينية الموجودة في لبنان، وانتشار المخيمات الفلسطينية، وكل ذلك شكَّل لدي هوية سياسية أثرت في كثيرًا، خصوصًا أني عشت خارج فلسطين، فكان تمسكي ورغبتي في التعبير عن بلدي أقوى حتى قبل أن أكون مخرجة، وهذا سبب إصراري على التفرغ إلى القضية الفلسطينية والمقاومة عبر السينما. وفي الحقيقة لم أجد أفضل من السينما كوسيلة حقيقية وواقعية للتعبير عن شعبي وقضيته الإنسانية، ويكفي أن الصوت وصل للعالم وبالطريقة التي أريدها". معادلة التجاري والإنساني وعن موقفها من تقديم أعمال تجارية أو مختلفة عن القضية الفلسطينية قالت مي "لم أسع أبدًا إلى السينما التجارية، ولم تستفزني رغم كثرة العروض التي جاءت لي بشأنها، وعمومًا يهمني كثيرًا أن أقدم موضوعًا إنسانيًّا، وأتفاعل معه تمامًا، وهذا شرط أن أُقبل على أي موضوع. وعمومًا أنا لست ضد السينما التجارية طالما ناجحة، وتحظى بإعجاب الجمهور، وهي عنصر جذب وأموال مهمة للصناعة، لكن من الصعب أن أخوضها إلا إذا وجدت عملًا يجمع بين قناعاتي والسينما التجارية في الوقت نفسه، وقد يكون ذلك من الصعب إيجاده". يرى البعض أن مي مصري يتحكم فيها موقفها السياسي ويظهر في كل أعمالها، وأكدت بدورها على ضرورة أن يكون للمخرج موقف سياسي، "لابد للمخرج أن يكون له موقفٌ واضح ووجهة نظر محددة، فهذا ما يتحكّم في العمل برمته، وشخصيا لديّ موقف إنساني في الأساس أكثر منه موقفًا سياسيًّا، وأي مخرج بالعالم يجب أن يكون لديه موقف إنساني، وليس بالضرورة موقف سياسي، ويتحتم عليه أن يكون لديه وجهة نظر واضحة وإنسانية تنحاز للناس، وهذه أهم قاعدة في السينما، خصوصًا التسجيلية، إذ يجب أن تنقل قضايا الناس بصدق وواقعية، وللمخرج أن يختار زاوية طرح الفكرة والقضية". موقف سياسي وأشارت مي، "لا أنكر أن لي موقفًا سياسيًّا واضحًا في كل أعمالي، وهذا اختياري، لأني متأثرة بقوة بقضية فلسطين، التي أعتبرها أهم قضية إنسانية وسياسية غيرت حياتي". وأوضحت مصري أن "السينما نجحت في التغيير، والأفلام الفلسطينية استطاعت بنسبة كبيرة أن تدافع عن القضية، وتخلق رأيًا عامًا دوليًّا ضد ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا أن صناع السينما قدموها بشكل حقيقي وقريب من القلب، وأظهروا البعد الإنساني بشكل فني، وليس عن طريق النقل الخطابي المباشر". لكن على الرغم من الاعتراف بكل هذا، اعتبرت مصري أن هذا التأثير "غير كافٍ مقارنة بإمكانيات اللوبيات اليهودية في هوليوود، التي تحرص أن تقدم الفلسطيني في صورة بشعة في مسلسلات أميركية وإسرائيلية".