مصر تحصد المراكز الأولى فى مسابقات المنتدى الأفرواسيوى للابتكار والتكنولوجيا بماليزيا    الوحيدة عربيًا.. طالبة دكتوراه بالجامعة الأمريكية تفوز بجائزة إيني العالمية 2025    القاهرة الإخبارية: الصليب الأحمر في طريقه لتسلم جثماني محتجزين اثنين جنوب غزة    نتيجة وملخص أهداف مباراة برشلونة ضد أولمبياكوس في دوري أبطال أوروبا    حج الجمعيات الأهلية 2026.. مواعيد التقديم والقرعة الإلكترونية    مدير متحف اللوفر يقدر الأضرار الناجمة عن السرقة بأكثر من 80 مليون يورو    رقابة بلا جدوى !    وزير الكهرباء: الجهاز التنفيذي للمحطات النووية خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة    إسرائيل تغلق جمعية لرعاية الأيتام بالضفة وتصادر محتوياتها    تركمانستان والعراق يوقعان مذكرة تعاون طاقي واستيراد غاز    ساركوزى يبدأ قضاء عقوبة السجن 5 سنوات    أحمد موسى عن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي في بروكسل: مشهد غير مسبوق    حقيقة مفاوضات الأهلي مع المغربي بنتايج لاعب الزمالك (خاص)    حماة الوطن يعقد الاجتماع التحضيري للحملة الانتخابية لمرشحي الحزب    وزير الخارجية يدعو التقدم لامتحانات الوزارة: لدينا عجز فى خريجي الحقوق    صحف ومواقع أوروبية: التاريخ يعود إلى مكانه الطبيعى    دموع وتصفيق.. العرض الخاص لفيلم «ويبقى الأمل» يشعل أجواء مهرجان الجونة    الليلة.. محمد الحلو يُجدّد حضوره الفني بمهرجان الموسيقى العربية    هل على ذهب الزينة زكاة؟.. أمين الفتوى يجيب    النائب محمد عبد الله زين: أين الحد الأدنى للأجور؟.. وعضو المجلس القومي: لا تحملوا القطاع الخاص فوق طاقته    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب خدمة للطلاب والباحثين بتخفيضات كبيرة    محمد صبحي: مجلس الإسماعيلي خيب آمالنا ووزارة الرياضة أنقذت الموقف    قائمة يوفنتوس لمواجهة ريال مدريد في دوري الأبطال    توصية بوضع ضوابط موحدة لمجالس التأديب في جميع كليات جامعة عين شمس    مصرع سيدة على يد طليقها امام مدرسة بالسادات وأمن المنوفية يكثف جهوده لضبط المتهم    إصابة شاب فى حادث اصطدام ميكروباص بشجرة بقنا    جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل في القاهرة    برلمانى: القمة المصرية الأوروبية خطوة جديدة لتعزيز الحضور المصري الدولي    اكتشاف مقبرة جماعية لقتلى عراة فى منطقة تل الصوان شرقى دوما السورية    ماكرون: نسعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن بشأن إدارة غزة    كريم عبد العزيز خارج سباق رمضان 2026    انتصار تصطحب ابنها في عرض السادة الأفاضل وتلتقط صورا مع شخصية الفيلم الكرتونية    تعشق السيارات ومثلها الأعلى مارجريت تاتشر.. 31 معلومة عن ساناي تاكايتشي أول امرأة تتولي رئاسة الحكومة في اليابان    أستاذ فقه: حب آل البيت جزء من الإيمان ومصر نالت بركتهم بدعاء السيدة زينب    هل يجوز للمرأة تهذيب حواجبها إذا سبب شكلها حرجا نفسيا؟ أمين الفتوى يجيب    صحة الشرقية: فحص 1062 طالبا بمدارس القنايات ضمن مبادرة سوء التغذية    تعليم وصحة الفيوم يتابعان التطعيمات اللازمة لطلاب المدارس للوقاية من الأمراض    ابنى عنده برد باستمرار ؟.. مدير مركز الحساسية والمناعة بالأزهر يجيب    دورة تدريبية في جامعة بنها لأعضاء لجان السلامة والصحة المهنية «متقدم»    منافسة شرسة بين ريال مدريد وبرشلونة على ضم نجم منتخب المغرب    زوج يرمي زوجته من البلكونة في ببورسعيد بسبب صينية بطاطس    صبحى يهنئ يد الأهلى بعد التتويج بلقب إفريقيا    الاتحاد الأوروبي: تخفيف قيود التأشيرات أمام الطلاب المصريين    الصين: القيود الأمريكية على التأشيرات لن تعيق علاقاتنا مع دول أمريكا الوسطى    "أهمية الحفاظ على المرافق العامة".. ندوة بمجمع إعلام سوهاج    مثالية للدايت والطاقة، طريقة عمل سلطة الكينوا بالأفوكادو والطماطم المجففة    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    «بيتشتتوا بسرعة».. 5 أبراج لا تجيد العمل تحت الضغط    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    «شوف جدول مرحلتك».. جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل في محافظة الإسكندرية    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    غدًا.. بدء عرض فيلم «السادة الأفاضل» بسينما الشعب في 7 محافظات    دار الإفتاء توضح حكم تصدق الزوجة من مال زوجها دون إذنه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    851 مليار جنيه إجمالي التمويل الممنوح من الجهات الخاضعة للرقابة المالية خلال 9 أشهر    شون دايش مدربا لنوتنجهام فورست    تامر أمين عن سرقة مجوهرات نابليون من اللوفر: اللي يشوف بلاوي غيره يحمد ربنا على نعمة مصر    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هنري ميللر يدافع عن الفن الذي لا يمكن تدميره
نشر في نقطة ضوء يوم 30 - 11 - 2012

في رواية هنري ميللر، الصادرة ترجمتُها حديثاً لأسامة منزلجي عن دار «المدى» بعنوانٍ يستفزّ القارئ لغرابته («كابوس مكيّف الهواء»)، تتجلّى موهبة الكاتب في انتقاء عناوين كتبه، التي غالباً ما تخلق جواً كالمغناطيس يشدّنا إلى كتابة مبدع لا يشبه إلا ذاته، إنه هنري ميللر .. لا يوجد موضوع محدد في «كابوس مكيّف الهواء»، ولا أحداث متسلسلة، فالرواية هي رواية الحياة بكل زخمها وروعتها وألمها وكوابيسها...
يبدو ميللر، الذي يقول عن نفسه في هذا العمل «إما أغرق أو أسبح»، سابحاً في محيط الحياة بكلّ جسارة وشغف. إنه يقبض على الحياة كما لو أنها كرة بين يديه، إلى حدّ أنه يدهشنا في كل صفحة وفي كل مقطع من الرواية بتحليلاته واكتشافاته وقراءاته لحياة البشر، فنشعر بشيء من الذهول أمام معرفته. من الصعب إيجاد كاتب أو شخص مثل ميللر يقدّر الحياة «الحقّة» التي خُلق الإنسان كي يعيشها. إنه يؤمن بأن الأرض ليست سجناً، بل جنة. أمّا الإنسان الذي يحمل مسدساً ويرغب في القتل، فلن يُمكنه تمييز الجنة حتى لو تجسدت أمامه.
لا المكان، ولا المدن، ولا الجغرافيا تعني شيئاً بالنسبة إلى ميللر، فالإنسان واحد في كل مكان، والحياة واحدة، والبؤس الإنساني واحد، ذلك البؤس الذي ولّدته الصناعة والتطور العلمي لوسائل الرفاهية، والتي يقول عنها «وسائل الرفاهية ليست سوى عكازات أصابتنا بالشلل»، والبشرية لم تزدد إنسانية عبر الاختراعات والاكتشافات، بل ازدادت لاإنسانية، وغدا إنسان هذا الزمن كئيباً ويائساً ووحيداً ومهزوماً... وأكثر من ذلك، إنسان هذا الزمن لا يملك نفسه، لأنّه مُبرمَج، بمعنى أنّ حياته وآلية تفكيره وطريقة عيشه تُبرمَج وفق مصالح «استعمار» يتخذ أشكالاً حضارية وغاياته، متسلحاً بالعلم وشعارات جذابة مبطنة بالدمار.
يتحدث ميللر عن الحروب التي تُزج بها الشعوب زجّاً، فالشعوب البريئة التي لا تحمل كراهية لشعوب أخرى، تجد نفسها منقادة في أتون كراهيات مروعة ومُنساقة رغماً عنها لارتكاب مجازر. ثمّ يتساءل ميللر ببساطة عميقة، لفهم روح الحرب المريضة: «لنفرض أنني هزمتُك، فماذا أنتظر؟ سوف تنتظر فرصتك للنيل مني. لا يمكن أن نحافظ على السلام بتقييد الناس واستعبادهم. الشعوب لا تريد الحروب، تريد الحياة بسلام، تريد عالماً إنسانياً يقوم على أساس أن تقتل الشعوب هتلرياتنا وموسولينياتنا».
ويعتبر ميللر أنّ الحرب هي شكل من أشكال الجنون، سواء أكانت أهدافها نبيلة أم منحطّة، والقتال ليس سوى فِعل يدلّ على اليأس بدل القوّة، وعلى أنّ الإنسان «مُشوش» وغير طبيعي.
أمّا الحروب الكثيرة التي خاضتها البشرية، فلم تعلِّمها شيئاً، لا كيف تتغلب على مخاوفها ولا كيف تُحسّن معيشتها، فالبشرية لا تزال تسكن الكهوف، ونحن سكان كهوف ديمقراطيون وواهمون، ولو استمرت البشرية في الحروب والأحقاد فسوف يُدمَّر هذا الكوكب في طرفة عين. والعلم أضحى هو العباءة التي تختفي تحتها المظالم والحروب. ثمّ يصف ميللر تعاسة الإنسان، فيقول: «صار اسم الإنسان هو التعذيب، هذا هو الاسم الحقيقي للإنسان، إنسان يعذب أخاه الإنسان، وسط خواء رهيب، إنسان اليوم فَقَد الحيوية والمرح ومتعة الحياة، ونسي عظمة أن يكون المخلوق إنساناً». يؤمن ميللر أن الإنسان يجب أن يبقى حياً حتى بعد فناء الشمس والقمر. إلاّ أنّ عظمة الحياة -برأيه- لا تكون إلا بالفن، وهو يُذكّرنا هنا بقول شهير لأندريه جيد: «غاية الحياة هي الفن».
ويُعلن منذ الصفحات الأولى أنه صريع حب باريس، هذه المدينة التي تمثل عظمة الفن وروحه. فهو يؤمن أن الفن لا يموت بسبب هزيمة عسكرية أو انهيار اقتصادي أو كارثة سياسية، لقد أنتجت فرنسا المتحضرة من الفن أكثر من أميركا الفتية والمتغطرسة ومن ألمانيا المتعصبة، فالفن «يثوِّر» الأشياء ( تعبير ابتكره الكاتب واشتقّه من الثورة) ويحلل ببراعة آسرة هيمنة التجارة ومنطق الربح على روح الفن.
إن الفن الحقيقي هو الذي يُعطي المعنى لوجودنا وحياتنا، وهو يجعلنا أرقى وأرهف في التعاطي مع أنفسنا والناس من حولنا. الفنان -برأيه- هو الذي يتمكن من الإفلات من الروتين، ويعمل من أجل متعة العمل، والفنان هو الذي يثق بنفسه ولا يستجيب للإثارة العادية، فهو ليس كادحاً ولا طفيلياً، إنه يعيش كي يعبّر عن نفسه، وبفعله هذا يُغني العالم، فالفن الخالد الحقيقي لا يمكن أن يُدمّر، وحتى لو دُمّرت التماثيل واللوحات المهمة فإن قوة التدمير لا تستطيع أن تُدمر الأثر الذي تركته هذه التحف الفنية في العالم وفي الناس، فالمَدافع تستطيع أن تدمر، ولكن هل تستطيع أن تبدع؟
سؤال على بساطته ينغرس كخنجر في القلب، ونحن نشهد أشكالاً مريعة من تدمير الجمال والفن وحب الحياة والأمل... والإنسان.
يُمسك هنري ميللر الحياة الحقة بين يديه، ويغوص فيها بشجاعة وثقة وفرح. فالإنسان القوي هو الإنسان السعيد، وهو يُنبّهنا كم ابتعدت حياتنا عن الحياة إلى أن تحولنا جثثاً متحركة وبشراً آليين بفعل تأثير الصناعة، التي أينما وُجِدت وُجد البؤس والاضطهاد والكآبة واليأس.
وككل رواياته، يُذهلنا ميللر بعمق ثقافته وتنوعها، في الرسم والموسيقى والكتب على حد سواء. لكنّ ميزته الأهم تبقى في نظرته الشمولية إلى الحياة والوجود الإنساني، وكأنه يطلّ على كوكبنا الذي يغلي بالعنف والبؤس، من فوق، ليصف الحرب والفن والسياسة والسفر والمدن والأشخاص برشاقة آسرة...
«كابوس مكيّف الهواء» رواية تنبهنا إلى حقيقة عيشنا على الأرض، التي تحولت معسكراً مسلحاً، وتحوّل معها الوجود الإنساني إلى وجود مسعور، كما لو أننا جميعاً في قبضة تدميرية وحشية، وأنّ كلامنا ليس سوى عويل يائس.
لكنه يمدنا بقوة حين يقول إن المعجزات لا تزال تحدث، وإن كل إنسان يمكنه أن يحقق معجزة حياته وينجو من جحيم العنف والحروب والدمار وسموم الرفاهية التي لا تورث إلا اليأس، وهذا ما يُشجعنا على أن نثق بقلوبنا، لأن القلب هو قوة الحياة، وأن نتبع ما تهفو إليه نفوسنا من حب وحرية وسعادة وسلام، على أن ندمر العالم العقلي المظلم الذي زجّونا فيه وفي سراديبه المظلمة، نتيجةَ جشع وطمع غير محدودين لمن يدّعون أنهم أسياد العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.