تنتمي «القمر بجانبه المظلم» لياسين رفاعية، إلى جيل أدبي استند إلى «الإلهام» وبالتالي إلى العفوية، ولم يعرف البحث، موضوعاً أو اجتماعاً، خلفية لتعزيز النثر. الرواية الصادرة عن دار الساقي-بيروت، تنعش مقولات قديمة، واثقة، بعيدة من الأسئلة والحقائق الحديثة التي فرضت نفسها منذ ستينات القرن الماضي. حب «الطبيعة»، تشييء النساء وإجلالهن في آن، التلمّظ المرفق بالصبا والجمال، اجتماع المرأة المرغوبة والابنة في كائن واحد، ارتباط الجمال والرغبة بعمر المرأة وحق الرجل في الاشتهاء بصرف النظر عن عمره. الراوي شاعر ومصحّح في صحيفة يستنتج القارئ أنه في العقد الرابع من عمره، لكنه يوحي أنه أكبر سنّاً بإشارته إلى متاعبه ورحيل أحباء قبل أوانهم. يلتقي طالبة جامعية شقراء جميلة في مسبح بيروتي، ويبدأ فصلاً سعيداً في حياته المثقلة بالأحزان. «أختزن ذلك الجمال من صبايا بعمر الورد في ذاكرتي» يقول حين يرى الفتاة بالمايوه فيما تجحظ عينا صديقه الستيني محيي الدين الذي يكاد يلتهمها وهي نائمة على بطنها. يستأثر الراوي ممدوح الصوري بدور الأنا الأعلى فيما يمثّل صديقه، الأستاذ الجامعي، ال»هو» ويبدو عجوزاً قذراً «يتلمّظ كأنه يلحس أطيب العسل». يحتكر الراوي العفّة وينشغل وسط الأجساد شبه العارية ب»سيدي البحر. صديقي العظيم بكل حالاته» (الصفحة 12) فيجعل «الطبيعة» جزءاً أساسياً من حياته اليومية. لا يدري لماذا بدأ يهتم بالشابة الجميلة التي ربما كان محيي الدين يتخيّل أنه ينام معها، كعادته مع الجميلات. يكلّمها ليكسب رهاناً مع محيي الدين، وتبادر سيرين إلى تبادل أرقام الهاتف حين يذكر اسمه: «ياه، أنت الشاعر». لا يعرفها حين يراها في مقهى بعد أسبوعين فتتحرّش به، وتذكّره بلقائهما السابق. كبرت لوليتا في «القمر بجانبه المظلم» وحقّ لها أن تنتخب وتعشق وتبادر، بينما بقي همبرت همبرت في العمر نفسه. يتخلّص الراوي من أزمة أخلاقية برفع سن البطلة، لكنه لا يمنع قتام الموضوع. تبدو الرواية تهويمات جنسية لرجل تقدّم في العمر بنى الكاتب قصة عجلى حولها بتعابير جاهزة، عادية. سيرين فتاة ثرية يملك والدها معملاً لمحارم الورق، والشاعر فقير بضعف عمرها على الأقل. تدعوه إلى الغداء وتنظف السمك من الشوك لأنه ضيفها، و «تكريم الضيف واجب»، وتملأ خزانته بالهدايا. تحبه؟ لمَ لا لو لم تكن تحب زميلاً في الجامعة حيث تدرس إدارة الأعمال؟ ما حاجتها إليه إذاً، علماً أنها تصر على سرّية العلاقة؟ يصعق ممدوح حين يكتشف أنها نامت مع صديقها في غرفة نومه أثناء غيابه، لكنها لا تحتاج إلى بيته للقاء حبيبها في مدينة مثل بيروت حيث يسهل استئجار غرفة في فندق مثلاً. يبقى الإشباعان الجسدي والنفسي، فسيرين تقول له وهما في الفراش: «تقبرني شو لذيذ»، وتجد ربما في عبادته العاطفة القوية التي لا يستطيع شاب في مثل سنّها أن يقدّمها. تصحبه سيرين وأربع من صديقاتها إلى المسبح، حيث تدفعنه وتلاعبنه، فيتساءل إذا أردن إثارته، ويشعر أنه في الجنة بين الحور العين، «فألمس تلك الأجساد الناعمة من كل طرف. لم أفكّر سوءاً بل غمرني فرح لم أشعر بمثله من قبل» (الصفحة 55). ما الذي يعنيه لسيرين وصديقاتها، اللواتي تعرف اثنتان منهن اسمه، وفي ذلك مديح للجيل الشاب الذي يُتَهم بالسطحية؟ عقدة إلكترا لفتيات خمس دفعة واحدة؟ في منزله يتخيّل أنه ينام معهن جميعهن، ويلوم محيي الدين وخياله المريض بالطبع، لكنه يفكّر أن تهويماته قد تكون ضرورية لكي يتنفّس المرء من الضغوط. تعترف سيرين بأنهن تعمّدن لمسه في «أمكنتك المخبأة (...) لنرى أين تكمن رجولتك». يحرّض الراوي محيي الدين على إظهار الاهتمام بسوسن، صديقة سيرين في الجامعة، ويتمنى أن ينسجما (الصفحة 108). «صحيح أن سوسن في عمر ابنته، لكن لا فرق، فالمشاعر الإنسانية لا تتحدّد بعمر هذا أو ذاك». ماذا لو كانت في الستين وكان في العشرين؟ يقول الراوي عن لميا، زوجة الدكتور حليم، إنها لا تزال جميلة على رغم اقترابها من الخمسين، فهل يعطيها عمرها وجمالها الحق في المشاعر الإنسانية المذكورة مع شاب أصغر سناً؟ سوسن التي انتقلت إلى كلية الآداب لتكون قريبة من زميل تحبه، تزور الدكتور محيي الدين في مكتبه في الجامعة الأميركية، وتطلعه على قصائدها. يقول إنه لا يطمع إلا بصداقتها، وإنها لا تحرّك فيه إلا الشغف البريء. مع ذلك، ينطلق من الإحساس بالغيرة والمنافسة والامتلاك حين يصارح ممدوح بأنها أجمل من صديقته سيرين بألف مرة «بفمها الكرز (...) بحضورها وأنوثتها المشتعلة» (الصفحة 111). يبقى الخطاب العلني كونها مثل ابنته، ويكتفي بدور الراعي لا العشيق عندما يقرّر أن يجعلها شاعرة ممتازة تتفوّق على الأخريات. يبرّر محيي الدين التخييل الطاغي في علاقته بالنساء بقبحه وفشله معهن ودراسته الطويلة. طلّق مرتين، ونال أربع شهادات دكتوراه، ولم يهتم بنفسه.»لا أملك غير هذا الخيال الذي يسمح لي بأن أعيش حياة أخرى» (الصفحة 31). أستاذ ناجح ومهني لا يدع هواجسه الخاصة تتدخّل في عمله، وطلابه يحبونه. في موقفِ هجاءٍ لبعض «الشعراء» المغرورين يقرأ ممدوح نثراً عادياً كتبه لسيرين يقول إنه كنز يعجز غيره على كتابة مثله. يضحك محيي الدين قائلاً إنها كتابة طالب بكالوريا، وينصحه بعدم نشرها تجنباً للسخرية. الراوي معجب كبير بالشاعر أنسي الحاج ( كأنه من سلالة الآلهة، يقول) ويصعب قبول انخداعه ب «القصيدة» المذكورة وإن كان هو كاتبها وسيرين ملهمتها. هو أيضاً عاشق لبيروت التي تبقى أجمل المدن العربية رغم فوضاها، وللبنان الذي لا يجد أجمل من جباله. تجمع عبادته «الطبيعة» التعبير الرومنسي المستعمل والغريب في الصفحتين 9 و21، البحر يلمع بالأزرق الفاتح أو القاتم «بما يشبه معجزة الخلق» والنهارات المشمسة تشعره بأنه ملك متوّج بهذه الطبيعة الساحرة. لا يفهم كيف تموت الشجرة والأرنب ويبكي الطفل على ثدي أمه، ويصيبه ذلك بحال من «الهذيان النفسي». بعد وفاة محيي الدين المفاجئة يتمنى لو كان حياً ليرافقه إلى قلب الطبيعة البكر، ولو واكبته سيرين في الخروج من حياة المدينة المصطنعة. تلفت مقولات بائدة في قوله في الصفحة 122 إن لباسها الداخلي يخبئ وراءه «ثروتها الحقيقية»، وإشارته الى سوسن، التي ظنها مجرّد مراهقة (هي جامعية وزلة اللسان فاضحة) كشفت عن مفاتنها في بركة السباحة، وإذا بحزنها على رحيل محيي الدين يظهرها في قمة إنسانيتها. في الصفحة 77 استطرادات قصصية طويلة، وفي الصفحة 11 يقول الكاتب «قداحة ذهبية من النوع الفاخر» وفي الصفحة 59 يعتبر السنة من ثلاثمئة وستين يوماً.