عادة ما تبدأ سيرة شخصية تاريخية ما، من لحظة ميلادها، أو من عمل لها، أو نص لامع كُتب في حياتها، إلا إيزابيل إيبرهارت (1877- 1904) فإن سيرتها تبدأ من لحظة موتها التراجيدي، وكان يُمكن أن تكون نسياً منسياً لا يصلنا شيء ذو أهمية عنها، بعدما جرفها وادٍ، في الصحراء، لولا أن أيادي أمينة استلت أوراقها ومخطوطتها، جففتها من الوحل ومنحتها حياة ثانية مُختلفة، ووضعتنا في مواجهة إشكالية مع امرأة كاتبة عاشت بأكثر من هوية، ورغم مرور أكثر من 110 سنوات عن رحيلها، ما تزال تثير أسئلة غامضة، وتجدد النقاش عن حياتها ومواقفها وكتاباتها. صدرت كثير من الكتب في نقد ما ورد في أعمالها التي لم تصدر سوى بعد موتها وعدد من السير التي جربت الإحاطة بحياتها كاملة بدون أن تفلح. وتأتي رواية «أسرار إيزابيل» (دار كاريزما، الجزائر 2018) لمحمد حسن مرين لتحاول سد فراغ في النقاشات الدائرة، وتُجيب عن أسئلة عالقة حول دور ومكانة إيزابيل في الجزائر خلال السنوات الأولى من القرن العشرين، وطبيعة علاقتها بالإدارة الاستعمارية. الروائي "محمد حسن مرين" كان واضحاً من البداية ضبط خيط الكتابة وركّز على المرحلة الجزائرية في حياة "إيبرهارت" أي السنوات الخمس الأخيرة من عمرها، انطلاقاً من وفاة أمها، ودفنها في عنابة في تلك الحقبة. كانت الرحالة "إيبرهارت" قد اعتنقت الإسلام وشرعت في الزحف من الجنوب إلى الشمال، لهذا يفتتح روايته من وصول الكاتبة إلى وادي سوف تظهر مشارف البلدة الشهباء ذات الألف قبة من بعيد خلف تموجات الكثبان بين الواحات المدغلة، أمسكت لجام حصاني ليتوقف لحظة الاقتراب الساحر، ثم لكزته لينطلق من جديد، هز رأسه وأطلق حمحمة صغيرة كأنه يشعر مثلي بسعادة الوصول. صاح مُرافقي على فرسه يُشير ويبتسم: هناك، اقتربنا.. وصلنا». حينها لم تصل إيزابيل فقط إلى مدينة مندسة بين الرمال تعتبر منفذاً شرقياً نحو تونس، بل وصلت أيضاً إلى الحب الذي عاشت خيباته في وقت سابق وأجهضت علاقاتها مع أكثر من رجل ففي وادي سوف عثرت على الفارس سليمان أهني، ارتبط بها دفع ثمن مواقفها واستمرت علاقتهما حتى رحيلها.