حصل الشاعر حكمت النوايسة على أطروحة الدكتوراة من الجامعة الأردنيّة بعنوان (البناء الفني في الرواية العربية في الأردن من 2001 حتى 2010). الأطروحة التي أشرف عليها د.شكري عزيز الماضي، وتكوّنت لجنة مناقشتها من د. إبراهيم السعافين، ود.محمد المجالي، ود.محمد القضاة، قال عنها النوايسة ل(الرأي) إنّه وهو يتداول موضوعها طالباً، وجد أنّ العشرية الأولى من القرن العشرين تمثّل مدة زمنية مهمّة بكل ما حملت من وقائع تمسّ الإنسان العربي في صميم تفكيره ووجوده، فقد شهدت أخطر حدث بعد نكبة العرب الكبرى العام 1967، وهو احتلال قوّة قادمة من وراء البحار والقارات لبلد كبير غني كان له حضوره في السياسة العربية، العراق، فضلاً عن حضوره في التاريخ العربي، ودوره المؤثر في صياغة، أو التأثير في صياغة التفكير السياسي العربي، الإقليمي، والدولي. وأضاف أنّ المثقفين، كما يراهم، في هذه العشرية قد أصبحوا مهمشين، بعقولهم، وأحلامهم، وآمالهم القومية والوطنية، وأصبحوا متلقين سلبيين لمشهد كوني يُرسم بغرائبية عجيبة، تجعل مجرّد التفكير بحلم وطني، أو قومي، من تلك الأحلام التي تكسّرت في العشرين ولم تكسّر أصحابها،.. مجرّد التفكير بأي من هذه الأحلام سيدخل صاحبه في منطقة خارج التاريخ، وهذا مدار جدل يدخله الباحث من باب التمهيد لمعرفة أي حقبة يدرسها، وملامح الإطار الزماني لها، وعلاقة هذا بالرواية، تأتي من كون الرواية، شأنها شأن النتاج الأدبي بعامّة، تتأثر بهذا الواقع، وتستجيب له سلبًا وإيجابًا، ثمّ إن الروائيّين مختلفون في مشاربهم وآفاقهم السياسية، لكنّهم يلتقون في مكان واحد أمام التلفاز، ويقرأون النصّ نفسه الذي يمارس سطوته على الكون. من هنا يأتي السؤال الأول لبحث النوايسة: هل أثّر هذا في الإنتاج الروائي في الأردن؟ وهل شهد الإنتاج الروائي، بوصفه إنتاجًا أدبيًّا، انحسارًا أم توسّعًا؟.. مجيباً أنّ الرواية الأردنية شهدت في هذه العشريّة تطوّرات مهمّة على صعيد الشكل والمضمون، فضلاً عن ازدياد عدد الروايات التي صدرت في هذه الحقبة، وبروز روائيين جدد لم يكونوا معروفين بالإنتاج الروائي، يضاف إلى ذلك ازدياد مساحة مساهمة المرأة في المنتج الروائي، وارتيادها مفازاتٍ لم تكن ترتادها في ما سبق. يعلل النوايسة اختياره العشرية الأولى من القرن العشرين، لأنّها لم تدرس من قبل، ولأنّها تشكل مرحلة مهمّة في كافة الصعد: السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يقول النوايسة: لعلّ الظاهرة التي يرصدها الباحث، ابتداءً، هي ظاهرة تجاور الأنماط، أو الاتجاهات الروائية، ففي الوقت الذي نقرأ فيه رواية جديدة، نقرأ رواية تقليدية، ونقرأ رواية حكاية عادية ليس فيها من الفن شيء، وهذه الظاهرة، ربّما تحتاج إلى دراسة اجتماعية تفسّرها، وتلك الدراسة ليست بعيدة عن هذه الأطروحة، ولكنّها لا تلتزمها، أي لا تلتزم المنهج، وإن أخذت به إلى حد كبير؛ ذلك أن الأداة التي اختارها الباحث في قراءة المشهد الروائي الأردني، سوف تحد من الانضباط بالمنهج الاجتماعي، لأنها تحتكم إلى اصطلاحات، ومواضعات سابقة في موضوع البناء الروائي، وتقسيماته. اختار الباحث البناء الفني عنوانًا للدراسة تجنّبًا للدراسات التجزيئيّة التي لا تعطي، في الأغلب، تصوّرًا عامًا عن عينات الدراسة، وموقعها في محيطها الأدبي، والحيوي، فضلاً عن كون دراسة البناء الفنّيّ قادرة على قراءة الرواية بعناصرها الأساسيّة بوصفها سردًا، وبوصفها واقعة جماليّة تنتمي إلى عالم القصّة بالمفهوم الأوسع للجنس الأدبي، وتتكئ على عناصر إذا اختلّ عنصرٌ منها تأثرت به بقيّة العناصر. كانت الروايات الصادرة في الفترة المدروسة تزيد عن ثمانين رواية، كما أظهرها- هو، الباحث- في الببلوغرافيا الملحقة بالأطروحة، وقرأ معظم هذه الروايات قراءة استطاع من خلالها أن يمهّد للدراسة بملخّص يتناول فيه الانشغالات العامة للرواية الأردنية، وأبرز الملامح الفنية، والتقنية فيها، والتعريف بالعلامات المميّزة منها، واستعراض الأنماط الروائيّة التي تجاورت في الحقبة المذكورة. وأبرز ملمح تحصّل عليه النوايسة، كما يقول، من قراءته للمنتج الروائي الأردني في هذه الحقبة، هو تجاور الاتجاهات والأنماط الروائية، وانطلاقًا من هذا الملمح أسس فرضية الدراسة، وهي العلاقة بين الثيمة المركزية في الرواية وعناصر البناء الفنّي فيها، وتشكّل بنائها الفني، وعلاقة هذا كلّه بالسياق الزماني الثقافي الحاضن لإنتاج الحقبة المدروسة الروائي. قدّم الباحث الدراسة بتمهيد مثّل إطلالة على المنجز الروائي في الأردن في العشرية المدروسة، مع تلمّس ملامح هذا المنجز والتعريف بالأنماط العامة للرواية، وما تجاور منها، فضلاً عن الروائيين الذين تحقق ظهورهم بعد العام 2000، وأبرز الأصوات النسائية في الرواية الأردنية، كما سوّغ الباحث في التمهيد لاختياره للنماذج المدروسة، مبرزًا أسس اختيار كلّ نموذج بما يمثله من أنماط الرواية الأردنية. الفصل الأوّل، وقفه الباحث على الحدث الروائي، معرّفًا بالحدث، وفق المرجعيّات النقدية الأساسية، معطيًا فهمه الذي يعتمده للحدث، معالجًا الحدث في الروايات المدروسة، رابطًا بين بناء الحدث والثيمة المركزية في الرواية، أو نمط الرواية. أما الفصل الثاني، فقد وقفه على بناء الشخصية الروائية، معرّفًا بالشخصية الروائيّة، مبرزًا أهميّة دراستها في العمل السردي، محلّلا الشخصيات الروائية في الروايات المدروسة، رابطًا بين أنماط الشخصيّات وكيفيّة ظهورها أو تصويرها وعلاقة ذلك بالرواية: نمطها، وموضوعها، والرؤية السردية فيها. الفصل الثالث، كان موضوعه بناء الزمان والمكان في الرواية الأردنية، وقدّم الباحث فيه عرضًا نقديّا لمفهومي الزمان والمكان الروائيين، والعلاقة الجدليّة بينهما، ثم استعرض هذين العنصرين في الروايات المدروسة، مبيّنًا الاختلاف في تجلّيات المكان والزمان بين رواية وأخرى، محاولاً الربط بين نمط الرواية وأسئلتها وتجليات المكان والزمان فيها. كما وقف الفصل الرابع على بناء السرد في الرواية، معرّفًا بالسرد، والمفردات التي يدرس من خلالها، دارسًا هذه المفردات وتجلّياتها في الروايات المدروسة، رابطًا ذلك بفرضيّة الدراسة في العلاقة بين عناصر البناء الفني وتجلّياتها والثيمة المركزية في الرواية أو نمطها. أما الفصل الخامس، فقد وقفه الباحث على بناء النسيج اللغوي في الرواية، معرّفًا باللغة الروائية في آراء النقاد، وفهمه لها، واقتراحه بطريقة تناولها بالربط بينها وبين الشخصيّة الروائيّة، محلّلا لغة الروايات من حيث التنوّع والتعدّد اللغوي، وتعبير اللغة عن متكلّمها في الرواية، رابطًا بين اللغة الروائية وأسئلة الرواية. وفي الخاتمة استعرض الباحث النتائج التي توصّل إليها من خلال الدراسة، وهي نتائج يمكن التأسيس عليها في دراسات لاحقة، أو اختبارها في دراسات أخرى، يمكن أن تبطلها أو تؤيّدها، وهذا ديدن الدراسات في الأفق الإنساني الناقص دائمًا، الذي يستمد حيويّته من هذا النقص المقيم. يقول النوايسة إنّه أفاد في كل ما سبق من الدراسات النقدية، وإنجازات علم السرد، في تحديد المصطلحات، والعناصر المكونة للبناء الروائي، لكنّه اجتهد في أن تبقى الدراسة في إطار النقد الأدبي، مستفيدًا من الملاحظات القيّمة التي قدمها د. شكري عزيز الماضي في كتابه (من إشكاليات النقد العربي الجديد) والخلاصة التي توصّل إليها بعد استعراضه المستفيض للفرق بين علم الأدب والنقد الأدبي. كما أفاد الباحث في التأطير الحاضن للدراسة من الدراسات المهمّة للدكتور إبراهيم السعافين التي جاءت في كتابه (الرواية العربيّة تبحر من جديد)، والوصف العلمي الذي كان يربط به بين الرواية وسياقها في تناوله للروايات التي درسها، مستفيدا من تفسيره لبعض الملامح الروائية في الرواية العربية الجديدة.