معرض فني يضيء على الصور النمطية في أدب الأطفال والشبان في محاولة للبحث في جذور الصور النمطيّة، والإيكزوتيكيّة، والأوهام التي بنيت عن الآخر المجهول. لطالما شكلت بلاد “الآخرين” مادة دسمة للرحالة والمستكشفين، وكانت قصصهم وأخبارهم التي رووها عن تلك الأماكن، العنصر الأساسي في تكوين صورة الآخر الغريب عن القارة الأوروبيّة. الخطير أن هذه الحكايات يتداخل فيها المتخيّل مع الواقعيّ، إلى جانب الأحكام الأخلاقية والصور النمطيّة التي تحولت إلى حقائق، تُصنف الآخرين كبرابرة ومتخلفين، وأحيانا مجرد كائنات مهمشة لا تستحق الحياة، هذه الصور تسللت إلى مختلف المنتجات الثقافيّة، سواء الجدية منها أو الاستهلاكيّة، وأحيانا تحولت محرّكات للسياسات الإعلاميّة والتعليميّة الرسميّة. يشهد متحف برنالي في العاصمة الفرنسيّة باريس، معرضا بعنوان “متجر المستكشفين الصغار”، فالمتحف الذي عرف باهتمامه بالسكان الأصليين في مختلف أنحاء العالم والثقافات خارج أوروبا، يبحث في المعرض الحاليّ عن الطريقة التي جَسدت فيها الثقافة الفرنسية الشعوب الأخرى في قصص الشبان والأطفال منذ القرن التاسع عشر، في محاولة للبحث في جذور الصور النمطيّة، والإيكزوتيكيّة، والأوهام التي بنيت عن الآخر المجهول. يبدأ المعرض بأول التمثيلات الأوروبية عن الشرق، وكيف تسللت لها المتخيلات العنصريّة، إذ نرى صور وأيقونات السيد المسيح، التي يظهر فيها ناصع البياض، كما تحضر أيقونات وصور من القرن الرابع عشر تحوي المجوس الثلاثة أو الملوك الثلاثة الذين أتوا لمباركة ولادة المسيح. إلا أن المميز أنه في البداية كان الثلاثة ذوي بشرة بيضاء، ثم في رسومات لاحقة أطلقت عليهم أسماء، وظهر واحد منهم ببشرة داكنة، في إحالات واضحة إلى أنه ذو أصول أفريقية، وهذا ما لا يذكر في النص الأصليّ، وهذا جزء من الدعاية المسيحيّة التي تسعى لجعل كل الأقوام تتفق على نبوة عيسى حتى لو كانوا “عبيدا” من وجهة نظر تلك الفترة. ننتقل بعدها إلى رواية بول وفيرجيني المكتوبة في منتصف القرن التاسع عشر من قبل بيرنارد سانت بيير، والتي تحكي قصة طفلين يكبران في فردوس مفقود من نوع ما، الرواية مستوحاة من أفكار جان جاك روسو عن الطفولة والطبيعة بوصفهما انعكاسا للنقاء وتختزن حقيقة الروح البشريّة، لكن بالرغم من دعوة الرواية إلى تحرير العبيد. إلا أننا نجد فيها التفوق الدائم للرجل الأبيض، إذ نرى صورا من تلك الفترة مستوحاة من أحداث الرواية، تمثل أربعة عبيد يحملون كلا من بول وفريجيني على أكتافهم كوسيلة لشكرهما، في انعكاس للمفهوم الكولونيالي الذي يرى أن العبيد يخدمون الرجل الأبيض ولو طواعية. نشاهد في المعرض أيضا رسومات للرواية الشهيرة “حول العالم في ثمانين يوما” لجول فيرن، حيث تحضر 24 لوحة ضوئية شفافة كانت تستخدم كشكل من أشكال المسرح، وتصور رحلات فيلياس فوغ، يحيط به من قابلهم في رحلاته وهم يرتدون الثياب التقليديّة. كما تتبنى اللوحات الصورة النمطية الموجودة في الرواية، وتحكي كيف أُسر في أميركا الجنوبيّة وحاول السكان الأصليون التهامه، ثم كيف أسره الطوارق وحاولوا بيعه كعبد، وكأن رحلة الاستكشاف التي يقوم بها، ليست إلا رحلة لاكتشاف مخاطر الآخر المغاير ومقدار العنف الذي يمثله عبر عاداته “البربريّة” و”البدائيّة”. يحوي المعرض الكثير من النماذج والصور المختلفة، والتي كانت ذات أغراض تعليميّة للأطفال لاكتشاف العالم المحيط بهم، إلا أنها ترسخ التفوق الأوروبيّ الوهميّ، والذي يتسلل لاحقا إلى الوعي بوصفه حقيقة لا نقاش بها، فهذه الصور تمتد إلى المنتجات الثقافية كالأزياء والدمى والأقنعة، والتي تتيح محاكاة ذاك “الآخر البربري” ضمن ألعاب الأطفال، وتأدية دوره “الشرير” أو “المؤذي”، فهذه الحكايات تختزن مفاهيم البطولة الأوروبيّة الوهميّة والسياسات الاستعماريّة، وتخلق نوعا من الواجب الأخلاقي لدى “الأبيض” لتغيير هؤلاء “البرابرة” نحو الأفضل.