احتضنت مكتبة الأمير بندر بن سلطان بمدينة أصيلة مساء 29 يونيو/حزيران 2012 انطلاق فعاليات مهرجان أصيلة الدولي في دورته 34، وألقى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة محمد بن عيسى كلمة افتتاحية تحدّث ضمنها عمّا تشهده المملكة المغربية من خطوات متسارعة وواعية نحو تأسيس واقع سياسي وثقافي واقتصادي جديد ينهض على احترام حقوق جميع الساكنة وترسيخ مبادئ السلم الاجتماعية بينهم، مشيدا في الغرض بالتعديلات الدستورية الأخيرة التي رعاها الملك محمد السادس وراعت تطلّعات المواطن المغربي إلى العيش الكريم في وطن ينتصر فيه الحقّ والقانون وتعلو فيه مقامات الواجب. والظاهر من مجموع الندوات المبرمجة خلال هذه الدورة من المهرجان هو احتفاؤها بالفعل الثقافي، وهو ما نرى فيه إشارة دالّة على قيمة الفكر في تحقيق نهوض الشعوب والترقّي بحاجاتها مراقي الفعل الإبداعي وتحقيق انتقالها إلى مرحلة جديدة من الحوكمة الدّيمقراطية، وهو انتقال، على حدّ رأي الفنانة نادين ديسوندر "ليس مجرّد تغيير من جانب واحد في النظام السياسي، وإنما هو تغيير عميق في التبادلات الاجتماعية والفنية والاقتصادية وفي العلاقات الإنسانية، إن الأمر يتعلّق بالمرور من مرحلة تطور تاريخي إلى أخرى، ويظل الإبداع في خلال ذلك متوقفا على السياق الذي تتبلور فيه طفراته الحالية". وفي السياق ذاته، تميّزت أغلب الكلمات التي ألقيت في افتتاح هذه الدورة من المهرجان، وخاصة في ندوته الفكرية الأولى التي حملت عنوان "الهجرة بين الهوية الوطنية والهوية الكونية", وشارك فيها رئيس جمهورية غانا السابق جون كوفور، بتأكيد المتدخّلين فيها أنّ نجاح الفعل السياسيّ لا يمكن أن يتحقّق إذا هو أغفل تثمين الفعل الثقافي، من جهة أنّ المجريات السياسية التي تشهدها بعض الأقطار العربية فتحت الأعين على كثير من الأسئلة التي وجب على السياسيّ أن ينتبه إليها ويعي حقيقتها ويسعى إلى الإجابة عنها بأدوات تحليلة جديدة لا تكتفي بالظاهر من الوقائع بل تغوص إلى عمقها حيث تتنازع الحاجات السياسية للمواطن حاجاته الثقافية. وفي هذا الشأن، أكّد وزير الإعلام الكويتي، الذي تحلّ دولته ضيف شرف على هذه الدورة من المهرجان، أن العلاقات السياسية الوثيقة بين الكويت والمغرب، وبينها وبين باقي الدول العربية، محتاجة إلى أن تُترجم على المستوى الشعبي حتى لا تظلّ بعيدة عن اهتمامات الناس، ورأى أن هذه الترجمة لا تجد سبيلها إلى التحقّق بقرارات سياسية فقط، وإنما أيضا عبر تفعيل أدوار المثقّفين والأدباء والمفكّرين والفسح لهم في المجال لإبداء آرائهم وتقديم خبراتهم الفكرية في الوعي بقيمة التواصل بين الشعوب وكذا بين السياسات والثقافات. وذكّر الوزير أنّ وعي دولة الكويت بقيمة الفعل الثقافي متأصّل فيها منذ بداية القرن الماضي، وهي تروم، من خلال المشاركة في مثل هذه الفعاليات، تقديم صورة عن أنّ الكويت لا تتوفّر على ثروة النفط فقط، بل هي أيضا ذات ثروة ثقافية وفكرية هائلة.