معرض يجعل من المؤثرات وسحرها أساس السينما، بوصفها تجاوزا للواقع، إلى جانب تحوّلها إلى شكل فنّي مُستقل، ومعترف به. ارتبط ظهور السينما- أو الصورة المتحركة على شاشة- بالسحر، بوصفها حدثا “لا يصدّق”، وبقيت هذه الدهشة مرتبطة بالفن السينمائيّ حتى الآن، وخصوصا أن تقنيات السينما التي تتطور بصورة سريعة تتجاوز حدود البشريّ، وتخلق عوالم متخيلة ذات شروط تتجاوز القدرات الإنسانيّة، وتترك المشاهد مذهولا في بعض الأحيان. فواقعيتها الفائقة تتجاوز إدراكنا كبشر، وتغير نظرتنا إلى الاحتمالات التي يحويها العالم من حولنا، فكما عروض السحر التي يطير فيها المؤدي خادعا الحاضرين في المسرح، أتاحت السينما للأبطال الخارقين أن يطيروا بين الأبنية، بل والدوران حول الكوكب بثوان، أمام الملايين من المشاهدين في الصالات حول العالم. تشهد مدينة العلوم في باريس معرضا باسم “المؤثرات الخاصة: ثقب من الشاشة”، وفيه يتاح للزائر أن يتتبع تاريخ الخدع والمؤثرات السينمائيّة منذ اختراعها حتى الآن، وكيف أتاحت لصناع السينما خلق عوالم بأكملها، دون أن يكون لها أي وجود واقعي، فالمعرض يجعل من المؤثرات وسحرها أساس السينما، بوصفها تجاوزا للواقع، إلى جانب تحوّلها إلى شكل فنّي مُستقل، ومعترف به، وذات جوائز خاصة بوصفها عنصرا هاماً من الصناعة السينمائيّة. القسم الأول: من المعرض بعنوان “المكتب”، ونشاهد فيه المراحل المختلفة لصناعة الفيلم قبل الانتقال إلى التصوير، من كتابة المقترح حتى السيناريو، ثم البدء بتنفيذ الstory board، الذي يتم على أساسه اختيار طبيعة الأزياء، والبناء البصري للعوالم التي سيتم بناؤها لتدور فيها أحداث الحكاية، إلى جانب آلية تنفيذها سواء واقعيا أو رقميا، وخصوصا أن هذه الخيارات ستنعكس لاحقا ضمن التصوير، وكيفية توزيع العمل ضمن موقع التصوير، وهذا ما نشاهده ضمن صور وملاحظات فيلم “Alien” لردلي سكوت أو فيلم “لوسي” للوك باسان، والتي يُعمل بها حتى بعد الانتهاء من التصوير، كونها الخطوط العريضة للمؤثرات السينمائيّة. القسم الثاني: من المعرض باسم “الخشبة”، وفيه نشاهد كيف يُدمج الواقعي مع المتخيل، وكيف يتم تصميم الفضاء أو الاستديو الذي يؤدي فيه الممثلون، ويتعاملون مع العناصر التي تستخدم لبناء المؤثرات الخاصة، كالخلفية الخضراء، والتي يتيح استبدالها رقميا بناء مساحات لا واقعيّة. كما تحضر الأزياء الخاصة وأدوات التنكّر التي تساهم ببناء الشخصيات المتخيلة، سواء كان التنكر كاملا، أم مجرد علامات تتيح لاحقا تحويل الفرد إلى وحش أو مخلوق فضائيّ، كما في فيلم كوكب القردة، إذ نشاهد الأزياء المستخدمة والأقنعة السيليكونيّة، ثم كيف تلاشت أجزاء من القناع في النسخ الحديثة، واستبدلت بحساسات للحركة، يتم رسم “الوجه” عليها أثناء عملية صناعة المؤثرات الخاصة. ننتقل بعدها إلى “post production”، وهي الجهود الفنية والتقنيّة المبذولة بعد الانتهاء من التصوير، والتي تتم خلالها إضافة ما لا يمكن تصويره حقيقة، كالانفجارات والعواصف والقصور الهائلة، إذ يقوم مصممو الغرافيك والمختصون من مختلف الفنون التشكيلية، ببناء العوالم المتخيلة رقميا، بحيث تمتلك خصائص تنتمي للواقع المُفترض سواء كان حقيقيا أو فانتازيا، إلى جانب حذف ما لا يراد من ظلال أو أشياء التقطتها الكاميرا دون قصد. نهاية، وفي القسم الأخير، يتوجه المشاهد نحو صالة العرض، والتي يُشاهد فيها نتيجة كل ما سبق، إذ تختفي وراء الشاشة جهود المئات من الفنيين التقنيين، ليبقى سحر الصورة السينمائيّة، وظلام الصالة الذي يتيح لنا التلصص على كينج كونج وهو يتسلق الإمباير ستايت، أو عوالم أفاتار الخلابة التي لا يمكن لمسها. يُتيح المعرض للمشاهدين مساحات من اللعب والاكتشاف، إذ يمكن استخدام الشاشة الخضراء، إلى جانب الحركة أمام الكاميرا، ضمن فضاء يختاره المشاهد، ليرى نفسه مرة في البحر ومرة أمام ديناصور من الحديقة الجورارسيّة، أو أفاتارا أزرق يتحرك في غابات مجهولة، فالمعرض يدفع الزائر لطرح التساؤلات عن طريقة بناء العوالم السينمائيّة، وكيف يمكن لها أن تخلق واقعا فائق الواقعيّة قد يستخدم لتمرير رسائل ثقافيّة وسياسيّة، ما يحوّل السينما إلى وسيلة للهيمنة الأيديولوجيّة.