يقدم كتاب "أقباط مصر" معلومات وفيرة ومتلاحقة في كل جانب من جوانب الحياة المصرية للأقباط، شاملا الجوانب التاريخية والسياسية والدينية والاجتماعية والفنية لفترة طويلة من تاريخ مصر، بداية من العصر الإغريقي وحتى الآن. والكتاب يتكون من ثمانية فصول، بالإضافة إلى قائمة المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها المؤلفة بربارة واترسون، وقد أضاف المترجم إبراهيم سلامة إبراهيم فهرسا أبجديا لأسماء الأعلام، وتنوعت فصول الكتاب إلى حد كبير بداية من الفصل الأول الذي اشتمل على عرض للوضع السياسي للإغريق في مصر، وهي حقبة طويلة جمعت أحداثها المؤلفة، وتناولت خلالها صدامهم مع الفرس، ووصول الأسكندر الأكبر إلى مصر، وما كان من أمره وقيامه بتخطيط مدينة الإسكندرية، ثم حروبه ومغادرته للإسكندرية، ثم الأحداث السياسية التي أعقبت وفاته حتى آلت مصر إلى حكم البطالمة، ثم الرومان. وأبرز الفصل الثاني من الكتاب أوضاع المسيحية في مصر حتى سنة 303، وكانت هذه الفترة مليئة بالاضطهاد الديني في كل أرجاء الامبراطورية الرومانية عامة، وفي مصر بصفة خاصة، حيث قاسى المصريون الذين اعتنقوا المسيحية أهوالا عظيمة، لأن الرومان اعتبروا أن الانخراط في المسيحية يعد جريمة كبيرة في كافة أنحاء الامبراطورية، وشهدت هذه الفترة استشهاد جموع كبيرة منهم في سبيل العقيدة الجديد، وأشارت المؤلفة في هذا الصدد إلى دخول المسيحية لمصر على يد القديس مرقس الإنجيلي. أما الفصل الثالث من الكتاب، فقد أفردته المؤلفة لأحوال العقيدة المسيحية في مصر حتى سنة 444، بداية من عصر الامبراطور دقلديانوس بأحداثه السياسية واضطهاده الديني الكبير للمسيحية ومعتنقيها، حيث فاق الاضطهاد الذي قام به هذا الامبراطور للمصريين الذين اعتنقوا المسيحية كل حالات الاضطهاد التي ظهرت من قبل في عهد حكام رومان آخرين، حتى سمي عصره بعصر الشهداء نظرا لسقوط أعداد كبيرة من الشهداء بسبب أعمال القتل والاضطهاد والتعذيب التي مورست ضد كل من تشك سلطات الاحتلال الروماني في أنه قد اعتنق المسيحية من المصريين، فقد دمرت الكنائس، بالإضافة إلى جمع وحرق الكتب المقدسة وسجن قيادات الإكليروس القبطي، وتنوعت عقوبة الارتداد عن الديانة الوثنية الرومانية بين القتل والاسترقاق والسجن والتعذيب، واستشهد عدد كبير في هذه الأحداث من الوطنيين المصريين الذين كانوا يرفعون فكرة الحديث باللغة القبطية واعتناق المسيحية المصرية التي تميزت فيما بعد عن المسيحية في الغرب. تقويم قبطي خاص وبداية من تاريخ هذا الاضطهاد اختار المسيحيون في مصر اسما لهم يكون علما عليهم ليميزهم عن باقي المسيحيين في العالم وهو اسم (الأقباط) كما وضع الأقباط بداية من هذا العام التقويم القبطي الخاص بهم الذي يخالف التقويم الروماني، وتشير المؤلفة إلى أن أحداث الاضطهاد الديني ضد الأقباط في مصر بدأت تتراجع مع تولي الامبراطور قسطنطين الكبير، ثم بدأ الأمر يستقر بشكل ما للمسيحيين، إلا أن هذه الفترة أيضا شهدت آراء مختلفة خلقت نوعا من الشد والجذب بين الكنيسة القبطية المصرية وبين الكنيسة الرومانية الغربية التي نشأت لتوها. وفي الفصل الرابع تناولت المؤلفة المسيحية في مصر حتى سنة 642، وذلك من خلال الحديث عن بطاركة مصر، وما جرى من عقد مجامع دينية، وما صادف ذلك من خلافات في العقيدة بين الكنيسة المصرية والكنيسة الرومانية، ثم عقد مجامع دينية أدى في النهاية لانفصال الكنيسة المصرية عن الكنيسية المسيحية الأم، بسبب حالة الجدل حول طبيعة السيد المسيح. نشأة الأديرة وتناولت المؤلفة في الفصل الخامس حركة نشأة الأديرة في مصر، حيث يعتبر الأقباط المصريون هم أول من أنشأ الأديرة في العالم من خلال حركة الرهبنة التي انطلقت من الأراضي المصرية، وعرض من خلال هذا الفصل للقيم الأساسية التي قامت عليها حركة الرهبنة، وما قدمه آباء هذه الحركة من رجال الدين المصريين الأقباط من أفكار، كما عرض لأسس ونظم الحركة الديرية من خلال بدايتها وتطورها مع الوقت، وطريقة حياة الرهبان الأقباط والقواعد التي تحكم حياة الرهبان. وتعرضت المؤلفة في الفصل السادس لمناهج الكنيسة القبطية المختلفة وإبراز بعض النصوص القبطية المهمة، وعادت مرة أخرى في الفصل السابع لتعرض بالتفصيل الأديرة لأشهر الأديرة العامرة في القاهرة وفي الوجهين القبلي والبحري، وبصفة خاصة دير الأنبا انطونيوس وملحقاته والمغارات التي ترتبط به، ودير المحرق، بالإضافة إلى أديرة وادي النطرون كدير البراموس ودير القديس مكاريوس ودير الأنبا بيشوي ودير السريان، ثم دير الأنباء صموئيل في الفيوم ودير أبو مينا غرب مدينة الإسكندرية. الفنون والعمارة القبطية وفي الفصل الثامن من الكتاب قدمت المؤلفة معلومات وافرة عن اللغة والفنون والعمارة القبطية، وقد شملت هذه المعلومات جوانب اجتماعية من حياة أقباط مصر، مثل عقود الزواج ووثائق المعاملات التجارية، كما تحدثت المؤلفة عن المنسوجات القبطية والمنحوتات ونماذج من أشهر الكنائس القبطية وطرزها وعناصر بناء الكنائس المنفردة، وكذلك التكوينات المعمارية لكنائس الأديرة، حيث كشفت الوثائق التي عثر عليها حول تاريخ الكنيسة القبطية عن أن الكنيسة القبطية قد تحولت إلى مؤسسة يديرها سلم وظيفي مكون من الأساقفة والقسوس والشمامسة الذين اعتبروا أنفسهم حراسا على العقيد المسيحية الصحيحة. ومن النصوص التي عرضتها المؤلفة في هذا الصدد نصوص قبطية لسفر هوشع وسفر عاموس، حيث يعود أقدم نسخ مكتوبة باللغة القبطية لأسفار من العهدين القديم والجديد، بالإضافة إلى كتابات الهراطقة الغنوصيين والمانويين باللغة القبطية، والتي ظهرت في القرنين الثالث والرابع، كما عرضت المؤلفة أيضا لكتابات القديس أنطونيوس والقديس باللغة القبطية القديمة، والتي تعتبر من أقدم المصادر المسيحية في العالم عن سير القديسين والقواعد السلوك المسيحي وقواعد الحياة اليومية داخل نظام الأديرة . يشار إلى أن كتاب "أقباط مصر"، للكاتبة بربارة واترسون، ترجمة: إبراهيم سلامة إبراهيم، صدر في طبعة خاصة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في نحو 221 صفحة من القطع الكبير. (خدمة وكالة الصحافة العربية)