أسعار الفاكهة في سوق العبور ثاني أيام عيد الأضحى المبارك 2025    أسعار اللحوم الحمراء بالأسواق ثاني أيام عيد الأضحى المبارك    مجانًا خلال العيد.. 13 مجزرًا حكوميًا بأسوان تواصل ذبح الأضاحي    الأسهم الأمريكية ترتفع بدعم من بيانات الوظائف وصعود «تسلا»    هل ترتفع اسعار اللحوم بعد العيد ..؟    5 مشروعات تنموية جديدة فى الأقصر بالتعاون مع هيئة تنمية الصعيد.. صور    17 شهيدا جراء هجمات الاحتلال على محافظتي خان يونس ورفح الفلسطينية    وزير العمل يهنئ فلسطين بمنحها "عضو مراقب" بمنظمة العمل الدولية    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب بابوا غينيا الجديدة    الشناوي: الأهلي يُحارب لعدم التتويج بثلاثية الأبطال تواليًا.. ونهائي الوداد علامة استفهام    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    رسميًا.. جون إدوارد مديرًا رياضيًا لنادي الزمالك    ثاني أيام عيد الأضحى.. مقتل شاب بطلق ناري في نجع حمادي    إجابات النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025.. مادة الأحياء (فيديو)    محافظ أسيوط يشارك المواطنين احتفالات عيد الأضحى بنادي العاملين بالمحافظ    في ثاني أيام العيد.. إصابة 4 أبناء عمومة خلال مشاجرة في سوهاج    «الداخلية»: ضبط 363 قضية مخدرات و160 قطعة سلاح وتنفيذ 85690 حكما قضائيا خلال 24 ساعة    ننشر أسماء 7 مصابين بانقلاب ميكروباص ببنى سويف    القبض على المتهم بقتل والدته وإصابة والده وشقيقته بالشرقية    أسما شريف منير: اخترت زوج قريب من ربنا    إيرادات ضخمة ل فيلم «ريستارت» في أول أيام عيد الأضحى (تفاصيل)    أواخر يونيو الجاري.. شيرين تحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان موازين بالمغرب    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الأزهر للفتوى يوضح أعمال يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. أول أيام التشريق    "البحوث الإسلامية": عيد الأضحى مناسبة إيمانية عظيمة تتجلى فيها معاني التضحية    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    الصحة: أكثر من 1.4 مليون قرار علاج على نفقة الدولة في 5 أشهر    10 نصائح لتجنب الشعور بالتخمة بعد أكلات عيد الأضحى الدسمة    الصحة تنظم المؤتمر الدولي «Cairo Valves 2025» بأكاديمية قلب مبرة مصر القديمة    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 7-6-2025    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 7-6-2025 في مصر بعد آخر ارتفاع    محافظ الإسماعيلية يوجه بفتح الأندية لنزلاء دور الرعاية والمسنين (صور)    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    صدام ترامب ونتنياهو بسبب إيران.. فرصة تاريخية لدى رئيس أمريكا لتحقيق فوز سياسي    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    إيلون ماسك يخسر 35 مليار دولار من ثروته بعد خروجه من الحكومة الأمريكية    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    مبالغ خيالية.. إبراهيم المنيسي يكشف مكاسب الأهلي من إعلان زيزو.. وتفاصيل التعاقد مع تركي آل الشيخ    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    زيزو: جيرارد تحدث معي للانضمام للاتفاق.. ومجلس الزمالك لم يقابل مفوض النادي    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    ترامب يأمر بدعم تطوير الطيران فوق الصوتي وتوسيع إنتاج المسيرات الجوية    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوية وجدل الجمال والقبح في قصص الخيال العلمي العربية
نشر في نقطة ضوء يوم 14 - 08 - 2017

لقصص الخيال العلمي جمهورها عبر العالم، وفي الساحة العربية تحظى بنسبة من المتابعة إبداعاً وتلقياً. وسواء غلب على القصص طابع الخيال في تصوّر حصول أمور غريبة أو عجيبة، أو طابع العلم في إيجاد تفسيرات معقولة أو منطقية لما يجري من أحداث محيّرة، فإنّ العنصر الأدبي هو الذي يجمع بين هذين المكوّنين. فالمهم هو وجود شخصية أو شخصيات لها موقف مما يجري حولها، إعجاباً أو معاناة، أو محض تأمل، ولا بدّ من أحداث وصراع يدور في زمن ومكان حقيقيين أو متخيّلين.
وفي نظرة إلى القصص المؤلَّفة عربياً ذات طابع الخيال العلمي، فإننا نجد قواسم مشتركة تعود بها إلى الأصول السابقة لهذا الخيال، كالسفر عبر الفضاء ومواجهة الآخرين الغرباء لدى لوقيان السميساطي الكاتب السوري القديم في قصّته "قصة حقيقية"، وتجاور الواقعي والأسطوري وصراع القوى في الإلياذة والأوديسة الملحمتين اليونانيتين، واختراق المكان واكتشاف طبائع الكائنات لدى السندباد، أو كشف المستقبل والمفاجآت المخبوءة في ألف ليلة وليلة من المرويات العربية، وصولاً إلى العصر الحديث حيث لقاء الغرباء ودهشة الأماكن لدى كتّاب عديدين منهم على سبيل المثال راي برادبري، وه. ج. ويلز.
ومن خلال نموذج معاصر هو القصص المنشورة في مجلة "الخيال العلمي" التي تصدر عن وزارة الثقافة السورية في دمشق، نرصد سمات ناظمة لتجربة كتابة قصة الخيال العلمي العربية، وذلك من خلال القصص ما بين العددين الأول والأربعين إذ نجد:
1 إنّ الأسلوب الأقرب إلى الحكاية هو الأنسب لنوع الخيال العلمي، من حيث تدرّج الأحداث من بداية الظاهرة حتى نهايتها مروراً بالصراع وانتهاء بإيجاد حلّ لها أو استشراف مستقبلٍ ما. وبما أن أسلوب الحكاية شائع في كل من قصص الأطفال والأساطير، فإن قصص الخيال العلمي العربية تلتقي مع قصص الأطفال في التباين الحاد بين مفهومي الخير والشر، وهذا لا يعني أنهما مفهومان واضحان كل الوضوح داخل القصة، فخير الإنسان قد يكون شراً لسكان الكواكب الأخرى، أو لخصومه من الرجال الآليين مثلاً. كما أنها تلتقي مع قصص الأطفال في مفهوم "البطل" الذي يتحول في قصة الخيال العلمي إلى نموذج جمالي يسعى إلى الانتصار لقيمة الجمال في مواجهة القبح، سبيلاً أساسياً للوصول إلى الخير العام، وبغير هذا لا يكون بطلاً يقدّم الفائدة للمجتمع الذي ينتمي إليه، وهذا يرتبط بتحقيق مفهوم الهوية كما سيظهر من خلال نماذج مختارة من هذه القصص.
2 أما التقاء أسلوب قصص الخيال العلمي العربية مع الأساطير، فيظهر بشكل رئيسي من خلال التعرُّض للظواهر الخارقة التي قد يتمّ تفسيرها علمياً داخل القصة، أو تركُها مسرحاً للدهشة، ومن خلال محاكاة المفارقة بين مفهومي النقص والكمال من جهة، والجدلية بينهما من جهة أخرى، ففي الأساطير ثمة الإنسان، والآلهة، وأنصاف الآلهة، وتتداخل مجالات النفوذ والصلات بين هذه المفاهيم، فقد تنشب بينها حروب أو علاقات حب أو مكائد وصراعات، والأمر ذاته حاصل في القصص بين مفهومات مقابلة، هي: الإنسان، والإنسان الآلي، أو الإنسان الكائن نصف الآلي، مع ملاحظة أن العلاقات بين هذه المكوّنات مضطربة، والغالب أن كلاً منها يبقى في مكانه يخطط وينظر إلى الآخر.
3 إن أسلوب الحكاية ذاته يسمح ببعض الثغرات داخل الطبيعة الأدبية لقصص الخيال العلمي العربية، من بينها الانسياق في الأساليب الإنشائية، كوصف الأحاسيس أو جمال المكان أو قبحه ضمن تيار الوعي، إلى درجة تُنسي المتلقي الموضوع الأساسي للقصة. ويبرز أيضاً طول الحوار على حساب الحدث، إذ يتمّ تلخيص الماضي والحاضر من خلال حوار الشخصيات وهي في مكانها لا تتحرك، وقد يحتوي الحوار على سرد من العبارات التقريرية حول النظريات والعلوم مما يُضجر القارئ. ويلجأ المؤلّف أحياناً إلى ابتكار نهاية مبتورة في خاتمة القصة، ناجمة عن الحيرة في إيجاد مخرج بَعد التعقيد العلمي الحاصل داخل النص. وقريب من ذلك أيضاً جنوح النص القصصي نحو الخرافات، وامتزاج القضية العلمية الأصلية بخوارق لا يتقبّل القارئ المعاصر وجودها من دون تفسير منطقي.
4 تُجمع شريحة واسعة من قصص الخيال العلمي العربية على أهمية مفهوم "الهوية"، وغالباً يرتبط هذا المفهوم ببطل القصة الذي يرغب في إثبات ذاته، ويكون إما منتمياً إلى جماعة أرضية كوكب الأرض أو راغباً في اكتشاف أصوله نظراً لحيرته حول حقيقة أصله، وقد يقع في مأزق تحديد الهوية حين تثمر تساؤلاته عن مفاجأة كونه رجلاً آلياً من أحفاد البشر.
القوي والضعيف
يعزز وعي بطل القصة بكونه ضعيفاً من تمسكه بهويته ومحاولة الاطمئنان إلى هوية الآخر الخصم، أو الآخر المجهول الذي يبرز داخل الأحداث، وقد يضطر إلى الصراع معه. وتنصّ كل من قصة "في بطن الجبل" للدكتور طالب عمران، و"قارئ الأفكار" للدكتور فواز سيّوف على كلمة "الهوية". ففي قصة "في بطن الجبل" يقول زياد إنه سيحتفظ بالولاّعة في الكيس الذي يحتوي بطاقة هويته، وفي "قارئ الأفكار" يتم استخدام تقنية "لصق الهوية" لمعرفة هوية طرفي الاتصالإن الهدف في القصة الأولى هو حفاظ زياد وزينة على حياتهما، ورغبتهما في الخروج من المكان الخطر الذي علقا فيه. ثمة مفارقة بين العناصر القبيحة التي تحيط بهما كالخفافيش والمياه القذرة، والراحة التي حصلا عليها فجأة حين ظهر الشيخ الغريب ذو اللحية البيضاء، ومن ثمّ تبدّى حوله أتباعه وزوجته العجوز. ويجدر بالذكر أن الصورة التقليدية للشيخ بلحيته البيضاء تظهر أيضاً في قصة "حذار إنه قادم" لنهاد شريف، إذ إن هذا المظهر التقليدي للشيخ ملازم للصورة الجمعية المتخيلة له عبر محكيّات التراث وصولاً إلى العصر الحالي، وهذا ما يتصل بالتساؤل التقليدي كذلك حول هوية هذا الكائن، إذ إنّ زينة في قصة "في بطن الجبل" تسأل الشيخ عن هويته، فيؤكد لها أنه ليس من الجان.
في كل من القصتين "في بطن الجبل" و"قارئ الأفكار" لا يعاني الأبطال من خطر حقيقي يتهدد هويتهم، فزياد وزينة في قصة "في بطن الجبل" ضعيفان ولكن أهل بطن الجبل يساعدونهما من دون مقابل، ويقدّمون لهما أطايب الطعام والشراب، بما يوافق الصورة التقليدية لنعيم الجنة، وما يوافق الحلم الذي رآه زياد أثناء غيبوبته. ويستمر الواقع الجميل والمريح إلى نهاية سعيدة حيث يخرج زياد وخطيبته زينة إلى سطح الأرض ويعودان إلى أسرتيهما بعد أن حُسبا من الأموات بسبب السيول التي تسببت في انهيار المبنى الذي كانا فيه.
أما قصة "قارئ الأفكار" فهي تُقابل بين إمكانيات القوة والضعف، التي تتوافق مع احتمالات السعادة والشقاء، والجمال والقبح في واقع الحياة. فمع البرنامج المسمّى "نمر صوت" يمكن لمستخدميه أن يقرؤوا أفكار بعضهم بعضاً، ومشاعرهم، ويؤدّي هذا داخل القصة إلى كشف المطامع حيناً، ونيّات العمل الصادق حيناً آخر. ويكاد الصراع الخفي ينشب بين خبيري البرنامج الأجنبيين والمديرين المحليين الذين ينوون شراء نسخة من البرنامج وتشغيله على نطاق واسع، ولكن يتم استدراك ذلك وتعود الحياة إلى مجراها الذي ينحو إلى الجمال على حساب القبح، ويتم تعديل بعض فقرات البرنامج، فتحُول سياسة الطرفين دون الانقسام الواضح إلى قوي وضعيف.
يبرز صراع القوة والضعف على نحو كبير في قصتي "الإنسان الفوتون" للدكتور عمار سليمان علي، و"الحجرات الرقمية" لسامر أنور الشمالي. إذ إنّ بطلي القصتين يرغبان في تحدّي الكائنات الفضائية أو العجيبة غير الأرضية، واختراق مجال نشاطها، إما للسفر عبر الفضاء المكاني غير المرئي كما في "الإنسان الفوتون"، أو للعودة إلى كوكب الأرض كما في "الحجرات الرقمية".
إنّ بطل "الإنسان الفوتون" يعي ضعفه أمام الطبيعة ولكنه يتحدّاها ويقدّم أمام الجمهور فتحاً علمياً جديداً بناءً على تجربة اختبرها بنفسه عدة مرات في أوقات سابقة. إذ يتصوّر راوي القصة وجود قبيلة من الفوتونات، ويقوم بطل القصة بانتحال شخصية أحد الفوتونات ليبدو كأنه من أفراد القبيلة، وبهذا التنكّر يمكنه الحصول على مزايا الفوتون بالتنقل السريع غير المرئي عبر طرفي اتصال؛ فيذهب مثلاً من موقع مدينة أوغاريت السورية القديمة إلى المكسيك. إنه يرغب في تحقيق تجربة علمية وفق مبدأ "الكمال" جمالياً، فيمتلك الأسباب التي تجعل الحياة أسهل وأجمل في الانتقال حيثما يريد وما يتبع ذلك من إمكانيات واسعة. ولكن مفارقة القصة أن قوة البطل تتحول إلى ضعف، فقبيلة الفوتونات اكتشفت الحيلة، وامتلكت زمام القوة واحتجزت البطل لديها بلا رجعة، وانهارت أحلام الحياة الجميلة.
ولا يغيب استخدام تقنية الفوتونات عن بعض القصص المعاصرة كما في "أبي حزمة من الضوء تجوب الأكوان" لياسر محمود، حيث يختفي الرجل أثناء محاولته السفر عبر الزمن ويرجّح العلماء أنه تحول إلى طيف من الفوتونات.
إنّ السفر بهذا الشكل يذكّرنا إلى حدّ ما بقصة الدكتور عبدالسلام العجيلي "زيلوس كوكب الغيرة"، مع فارق أنّ بطل العجيلي تحوّل إلى فوتون أثناء عملية السفر، لكنّ خللاً في الإرسال جعله يتحول في نقطة الوصول إلى تابع جديد لكوكب زحل.
في قصة "الحجرات الرقمية" يتأخر البطل في التساؤل عن هويته وهدف وجوده، فهو يركن إلى حياة الدعة والراحة التي تحيل كل ما حوله إلى جمال. إنّه يتحكم في نوع الطقس في الحُجرة التي يقطنها الحُجرة الرقمية وهي نموذج لحجرات الكوكب الغريب الذي يعيش فيه، ويعدّل الإضاءة كما يشاء، وتأتي الأماكن إليه بدلاً من أن يسافر إليها. ولكنه يفطن إلى عزلته وقد استبدّ به الملل، ويوقن بأنه مجرد إنسان ضعيف يقبل بأن يكون حقلاً لتجارب يجريها عليه سكّان الكوكب الغريب، فيتساءل للمرة الأولى بما ينمّ على حنينه إلى هويته. يرغب في لقاء بشر مثله، ومغادرة المكان الرقمي إلى مكان حي، وكأنه يستوعب ثقل واقعه الممل الأقرب إلى القبح في رتابته وافتقاره إلى حركة الحياة.
غير أن مفارقة النهاية تكون في أن كوكب الأرض نفسه تحوّل إلى حجرات رقمية، أي إن الزمن المتسارع جعل حضارة الأرض تضمحلّ وتُختصر إلى ما سبقها إليه الكوكب الغريب، فضاعت الهوية المثالية التي كان البطل ينتمي إليها. وهذه النهاية العودة إلى نقطة البداية وتبادلية الأدوار أو السير على منوال الكواكب المنكوبة تَلوح في عدة قصص معاصرة، منها على سبيل المثال "أنقذوا هذا الكوكب" لصلاح معاطي، إذ يضحك العلماء من رسالة تصلهم يستنجد فيها سكان كوكبٍ بعيد فقدَ شروط الحياة لانحرافه عن مساره حول نجم مجموعته الشمسية، والسبب هو جنوح السكان عن القيم والفضائل، ليتحوّل الضحك إلى ألم حين يُعلن أحد العلماء عن اكتشافٍ يقول بأن الأرض نفسها بدأت بالخروج عن مسارها.
الرجل والمرأة
من اللافت أن الأسرة تؤدي دوراً مركزياً في قصص الخيال العلمي العربية، إذ لا تكاد قصة تخلو من أفراد الأسرة الذين يقفون إلى جانب البطل في تجاربه، كما هي زوجة بطل قصة "الإنسان الفوتون"، وزينة خطيبة زياد في قصة "في بطن الجبل"، أو يكونون جزءاً من التجارب أو متلقّين لها كما هم أفراد عائلات العلماء والطلاب في قصة "قارئ الأفكار". غير أن بعض القصص يركز على علاقة الرجل بالمرأة في كونها المحفز الأساسي لوعي البطل بمفهوم الهوية وسعيه إليه والاختلاف عن الآخر الخصم. ففي قصة "المرقوم" ل لينا كيلاني، يستوقف بطلَ القصة المرقوم وجهُ سلمى الذي يَلوح له فجأة بين الحشود، فيضيع تركيزه على الأرقام ويفقد وظيفته في السيرك، وهو في انتقاله إلى عمل آخر يتّسم بالخطورة، يَشترط أن يتركّز في إحدى راحتيه جهاز يُنبئه بالعثور على سلمى حين يمكن ذلك. لقد كان المرقوم متخبّطاً في الحياة لا يفرّق بين طموحه الشخصي وأطماع الآخرين من الساحر إلى مدير السيرك إلى قبطان السفينة إلى مديري المركز العلمي السرّي، ولكن وجود سلمى في مخيلته أيقظ شرارةً من جمال الحياة وسط رتابة الآلات وشرائح الإلكترونيات الرقمية الأقرب إلى القبح.
ويتّضح هذا القبح لاحقاً حين يكتشف المرقوم أنه عبارة عن آلة كبيرة زُرعت بالشرائح بهدف التجسس، لا بهدف تحسين حياة الناس. وتزداد الصورة قبحاً وسوداوية حين يكتشف أيضاً بأنه مراقَب. لقد قرر أن الطريقة الوحيدة لإثبات هويته الخيّرة المنفصلة عن الآخرين هي أن يقضي على نفسه، ولكن هذا الخيار لم يكن في يده.
وتشبه نهاية "المرقوم" إلى حد كبير النهاية في قصة "حذار إنه قادم" لنهاد شريف، فبطل "حذار إنه قادم" يدرك متأخراً بأنه عبارة عن رجل نصف آلي، هدف العلماء هو تحويله إلى إنسان. ويقترن مفهوم الإنسان بالمتوحشين الذين دمروا كوكبهم فيما سبق من الزمان. لذا فإن البطل يرغب عن هذه التجربة، ويهرب بعيداً إلى الغابة، ليكتشف بقايا "المتوحشين" ويعجب بفتاتهم "سوها" وتكون منفذاً له إلى إدراك الجمال والإحساس به. وهنا يدرك البطل الفارق الآلي بينه وبين المتوحشين، وصعوبة معيشته بينهم، ولذلك يقرر الانتقام من صانعيه، الذين يرمز مركزهم العلمي النووي إلى القبح مقابل جمال الحياة في وحشيتها، ويذهب إلى المركز وفي نيته تفجير نفسه فيه. إنه في هذه القصة يمتلك أسباب الفعل التدميري لذاته وللآخرين، بشكل يختلف عن "المرقوم".
وتتميز قصة "أقنعة" لصلاح معاطي بأن أحداثها تدور في بيئة بشرية خالية من الآلات. إنّ البطل الشاب "أحمد عبدالفتاح" يتمرّد على الواقع الذي لا يبصر منه سوى القبح والنفاق والزيف في سلوك الناس وأفعالهم، فيحصل على قناع جديد لوجه عجوز، يحتوي على "مادة سحرية" كما يصفها الطبيب، ويغيّر اسمه إلى "رشاد"، ويتطبّع بطباع رجل عجوز. وينخرط في حياة جديدة لا أحد يعرفه فيها، وينفصل عن كل واقعه القديم، ولا تشير القصة إلى أنه بات واقعاً أقل قبحاً. ويصادف أن يقع حادث لرشاد، إذ تصدمه سيارة فتاة ووالدها، فيقبع في المستشفى ويتعرف هذين الشخصين ويعجب بالفتاة. وهنا يرغب في تغيير واقعه إلى الأجمل والعودة إلى الشخصية القديمة حيث "أحمد عبدالفتاح" الشاب، ولكن يسقط في يده، وتنتابه الخيبة والرعب حين لا يسفر خلع القناع عن شيء، فقد اكتسى وجهه الشاب القديم سمات القناع الجديد، وتشرّبها فصارا شيئاً واحداً، ليكون إنكاره هويته وسعيه إلى التخلص منها نافذة على شقاء وقبح جديد لا جمال فيه كما كان يعتقد.
.....
د. علياء الداية قاصة وأكاديمية في جامعة حلب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.