ثمة تأثير أكيد للرواية يستمد عنفوانه من عدة تشكيلات، من أبرزها شكل الرواية ومضمونها، والمتلقي وطبيعة التلقي، وهناك التناص والتأويل وغيرها مما يتدخل في تشكيل الرواية. فالرواية هي إعادة تشكيل لمفردات الحياة اليومية أو الواقع المعاش، وبكل ما يحيط بالكاتب من فضاءات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأيضا ثقافية.. وكله في إطار رؤية خاصة للكاتب الروائي، حيث الخيال على قمة التناولات الابداعية في السرد.. كل ذلك داخل ثقافة عامة معاشة في الزمان والمكان. وقد أوجز الناقد «شوقي بدر يوسف» في كتابه «الرواية.. التأثير والتأثر» الصادر عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة، معالم هذا التأثير في مجال الفن الروائي من خلال الاطلاع على آداب الآخر (كما الروايات العالمية والعربية) ذات التأثير الخاص الفاعل للكتاب: (بروست- جيمس جويس- فرجينا وولف – وليم فوكنر- ديستوفيسكي- تولوستوي- ماركيز..) ومن العرب (نجيب محفوظ- الطيب صالح- يوسف ادريس- عبدالرحمن منيف- إبراهيم الكوني.. وغيرهم). كما أوضح الكاتب بأن الفن الروائي لا يخلو من التيارات الأدبية المشتركة في دول العالم، وتأثير ذلك على التجريب والتجديد في المنجز الروائي. ربما لأن الرواية هي الجنس الأدبي القادر على التعبير عن مختلف الرؤى، كما أن الروائي الذي يكتب الرواية لا بد أنه يسعى لتقديم شريحة ما في المجتمع، تأثر بها الكاتب سلفا. بينما يبدو تأثير الرواية متناسبا مع قدرات الروائي وطاقته الابداعية وقدرته على التحليل والتخييل.. وفي هذا قدم الكاتب العديد من القراءات لبعض الكتاب الروائيين. .. «نجيب محفوظ» ورواياته: «ثرثرة فوق النيل»، «السمان والخريف». أوجز الناقد رؤيته حول رواية «ثرثرة فوق النيل» بكونها أوجزت جهد محفوظ في تحويل الواقع من أفراد وشخصيات وحوادث وأماكن إلى أسئلة سردية بديلا عن الأسئلة الفلسفية المجردة.. أي تحولت القصص والروايات إلى تأكيد فكرة فلسفية وإبرازها. أما «السمان والخريف» فيشير الكاتب أنها جاءت معبرة عن «الاغتراب»، وهو الظاهرة المعبرة في تلك الفترة والمفسرة لفهم وتحليل ظواهر قائمة وتزداد (فترة الستينيات وما قبلها بقليل) حيث نشرت الرواية في عام 1962م. .. «يوسف إدريس» وروايته «الحرام».. اعتمد الكاتب في تناول «إدريس» مقولة الروائي أنه مهموم بمستويين في أعماله، مستوى الفكرة والرؤيا ثم مستوى التلقي وكيف يستقبل القارئ العمل. ولعل تلك الرؤيا وراء شكل الرواية التي هي قالب القصة الطويلة «نوفيلا» عند إدريس. .. «فتحي غانم» وروايته «حكاية تو». تعبر الرواية عن تجربة حقيقية، وهي مقتل أحد زعماء اليسار المصري في السجن، بعد ليلة تعذيب له.. وهو ما كان له من الأصداء الكثير سياسيا. إلا أن العمل الفني تناول السؤال، هل التمرد يولد العنف أم العنف يولد التمرد؟ .. عبدالوهاب السواني وروايته «النمل الأبيض». لقد أوجز الكاتب عالم الاسواني بالبعد الأنثولوجي في روياته، حيث هيمنة الموروث من أفكار وأعراف مع الشخصيات التي تعيش القرى، وقرى جنوب الصعيد تحديدا. وهو بذلك تناول بعض روايات الاسواني ثم توقف طويلا مع رواية «النمل الأبيض». .. «محمد البساطي» ورواياته القصيرة. تتميز الرواية القصيرة يالتكثيف في الأحداث وعدد الشخصيات مع عمق الرؤية ووحدة الانطباع، وحدود الزمان والمكان واللغة المكثفة.. وهي بذلك تجمع بين خصائص القصة القصيرة والرواية. وإن كتبت تلك الرواية القصيرة في أجيال مختلفة فإنها تميزت مع جيل الستينيات (جيل البساطي).. ولعل أغلب رواياته تتسم بالمناخ الريفي والبعد الاسطوري، على تعدد الروايات التي نشرها البساطي. .. محمد جبريل وروايته «صيد العصاري»، عبرت تلك الرواية عن مجمل ملامح روايات جبريل، حيث البحث عن الهوية والانتماء والعلاقة بين الأنا والآخر.. وكلها عبرت عنها أعمال الروائي، ووضح ذلك في رواية صيد العصاري أيضا.. حيث كان الأنا السكندري بمنطقة بحري، والآخر الأرمني الوافد اليها خلال فترة زمنية وتاريخية التقطها الروائي ووثقها للأجيال القادمة وللباحثين في العلاقة بين الأدب والتاريخ. .. «لنا عبدالرحمن» ورواية أغنية ل«مارغريت»، وهي الرواية التي تتناول علاقة إنسانية في تجربة الحب، تتسم بالندره، حيث تعلق ثم تزوج أديب شاب «يان اندريا» الذي يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاما، تزوج من الأديبة الفرنسية الراسخة «مارجريت دوراس» صاحبة الستين.. وقد تزوجا وعاشا معا 16عاما.. كتب بعد رحيلها كتابه الشهير «هذا هو الحب». وتلك العلاقة العاطفية الخاصة هي ما تناولته الكاتبة «لنا عبدالرحمن» في روايتها «أغنية لمارغريت». .. «أمينة زيدان» ورواية «شهوة الصمت». تأتي أسئلة النص من خلال تيمتين، الأولى هي لذة الصمت، وتجليات وقائعه على الواقع المتأزم ابان عام نكسة 67.. والثانية تيمة اشكالية الموت التي بدت طاغية في الرواية كلها. وهو ما يثير السؤال عن مبررات الصمت؛ هل بسبب الحروب والقهر بأنواعه، أم شهوة الموت التي تحيل المواقف إلى صمت مطبق. .. يوسف عزالدين عيسى ورواية «عواصف»: تبدو شخصيات الرواية نمطية، ولكن بنزعات مختلفة، تبحث عن نفسها بواقع خاص وتتأرجح بين الخير والشر، والخوف والقلق ونزعة الاغتراب الكامنة في أحداث الرواية.. يذهب النص إلى تأزمات نفسية متتالية داخل العمل ولمختلف الشخصيات.. وهو ما عبر عنه الروائي بقوله: «إن أقسى العواصف هي تلك التي تجيش في النفوس». .. «يهود الاسكندرية» والتناص: تعد ثلاثية «يهود الاسكندرية» للروائي مصطفى نصر، من تلك الروايات التي توصف بروايات الأجيال والرويات النهرية. ومع مجمل أعمال «نصر» كان الزمان والمكان الاسكندرية، وكان المنظور الاجتماعي على قدر من البعد الآيديولوجي والنفسي والاجتماعي. وهو عبر عنه ب: شخصيات من قاع المجمع - الجنس - استغلال النفوذ- بل والموبقات المتناثرة في المجتمع. .. النزوع إلى التجريب و«محمود عوض عبدالعال». بعد نكسة 67 لم يعد الروائي مهتما بالبناء الكلاسيكي للرواية من الصعود من أسفل إلى أعلى، بل أصبح أكثر شاعرية، وصاحب رؤية عميقة للمجتمع.. هنا شكل عوض عبدالعال وجيلة تأرجحت الروايات والقصص عنده بين رصد الواقع والتجريب.. وربما المغامرة الفنية أيضا.. حيث كانت رواياته: سكر مر - عين سمكة - قارئ في الشارع - الزجاج في دمي. بتلك الاطلالة السريعة لفصول الكتاب، تتبدى المؤثرات على عناصر تشكل العمل الابداعي أو الروائي نفسه.. وربما تعكس أيضا قدرا ما من تأثير الرواية، كل بحسب نمطه وما يحمله من مؤثرات.. وهي رؤية وتناول نقدي لم يقتحمه النقد الأدبي إلا مؤخرا، وللناقد «شوقي بدر» السبق فيه. .... [email protected]