يقدّم الروائيّ والناقد السوري المقيم في بريطانيا هيثم حسين في روايته الجديدة "عشبة ضارّة في الفردوس" حكايات متداخلة من واقع يبدو عبثيّاً في تفاصيله، يتبادل فيه الضحايا نظرات الاتّهام والانتقام في ما بينهم، يبحثون عن سبل لتفريغ أحقادهم المتنامية على بعضهم البعض. تبدأ بطلة الرواية المهمّشة لعبتها المفضّلة ببناء الحكايات اعتماداً على تفاصيل تلملمها من هنا وهناك لتعيد مواجهة العالم بها. تتحدّى الاستلاب بالتذكّر وبناء الحكايات. تعدّها وسيلتها للاستمرار وسط ذاك الجحيم الذي يظنّه كلّ نزيل من نزلائه أنّه فردوس أسطوريّ، وأنّ الآخر يعكّر صفوه، ويبرز فيه كعشبة ضارّة ينبغي اجتثاثها وتطهير فردوسه منها. تستعيد الرواية، الصادرة أخيرا بالاشتراك بين دار "مسكيلياني للنشر" و"دار ميارة" في تونس، تركيب الحكايات المتداولة والرائجة عن المحيطين بها؛ والد بطلة الرواية أعمى يتخيّل نفسه قائداً، ويبدأ بتصميم بلدته المتخيّلة على أطراف العاصمة، أمّها التي تعيش وهم الفرادة والتميّز، المساعد الأوّل الذي يهندس الخراب ويؤسّس له، بريندار التائه بين الحدود والباحث عن ذاته في حقول ألغام موقوتة. تحاول الرواية بناء حكاياتها عنهم. تسند لأبطالها أدواراً معيّنة وتسلبها منهم في الوقت الذي تريد. تهدّئ من براكينها المتفجّرة. هنا تمنح نفسها سلطة القرار وتكون حرّة في اللعب بالحيَوات والمصائر. تعتقد أنّ الحكايات وحدها ميادين الحرّيّة في هذا العالم المعتم. في الرواية كما جاء على غلافها، يتداخل الحب مع القهر، مع الضياع، ومع الأسى في عالم من التناقضات والنقائض، يقع عدد من الشخصيات فرائس للخيبة والهزيمة والجنون. يبحث القتلة عن تبرير يتقنّعون به، في حين يمضي الضحايا في رحلتهم إلى المجهول. تقتفي الرواية أثر الأكراد الذين نزحوا من مدنهم وقراهم البعيدة في الشمال السوري إلى ضواحي العاصمة دمشق بعد سنة 2004، السنة التي شهدت أحداثاً دامية وقع ضحيتها العشرات من الضحايا، وتم سجن الألوف، وقد عُرفت في الأدبيات الكردية بانتفاضة 12 آذار. كما تتقصّى الرواية التغيّرات التي طرأت على تفكيرهم وشعورهم المتعاظم بالاغتراب بعد أن أصبحوا نازحين في بلدهم، وقد أفضت بهم محاولات الاستقرار والعمل والتمكّن إلى عقد مصالحة مع المكان وأهله والحاضر ومتغيراته. ولكن سرعان ما صدمتهم الحرب التي دوّت طبولها في الغوطة الشرقية وضواحي دمشق، وذلك إثر نشوب الاشتباكات بين النظام والجماعات المسلحة المعارضة له، فوجد أولئك النازحون أنفسهم ضحايا نزوح آخر، وتهجير جديد إلى وجهات مختلفة هذه المرّة، عادوا إلى ضياع مختلف أكثر شراسة وإيذاء. هذه الرواية قطعة من الذاكرة الكرديّة ومن أحلام جيل تهافتت كلّها تحت سطوة الاستبداد والتهميش، قطعة من الذاكرة يرفعها الكاتب في وجه النسيان، حتّى لا يتكرّر ما حدث. نذكر أن هيثم حسين كاتب وروائي سوريّ، من مواليد الحسكة، عامودا 1978، مقيم في المملكة المتحدة/ إدنبرة. عضو في جمعية المؤلّفين في بريطانيا، وفي نادي القلم الإسكتلنديّ، وفي رابطة الكتاب السوريين. كان مدرّساً للغة العربيّة لسنوات قبل مغادرته سوريا 2012. يكتب في كبريات الصحف والمنابر العربيّة. مؤسّس ومدير موقع “الرواية نت”. نشر حسين عددا من الأعمال الروائية مثل «آرام سليل الأوجاع المكابرة»، و«رهائن الخطيئة» التي ترجمت إلى اللغة التشيكية، وصدرت ترجمتها التشيكية في براغ 2016، كما تم تحويلها إلى عمل مسرحيّ باللغة التشيكية، و«إبرة الرعب» منشورات ضفاف بيروت، الاختلاف، الجزائر 2013. أما في باب النقد الروائيّ فللكاتب أيضا مؤلفات مهمة نذكر منها "الرواية بين التلغيم والتلغيز" و"الرواية والحياة"، و"الروائيّ يقرع طبول الحرب"، دار ورق، دبي 2014. و"الشخصيّة الروائيّة.. مسبار الكشف والانطلاق"، دار نون، الإمارات، 2015. في حقل الترجمة لهيثم حسين كتاب نقدي بعنوان "مَن يقتل ممو..؟".