رئيس مدينة إسنا ونوابه يتفقدون موقع حريق كنيسة السيدة العذراء مريم    ذبح 30 أضحية لصالح الأولى بالرعاية في كفر الشيخ    محلية نجع حمادي تواصل حملاتها لرصد مخالفات البناء ورفع الإشغالات خلال العيد    «لا تصادق ترامب ولا تعاديه» !    إيران تعلن عن "أكبر ضربة استخباراتية" ضد إسرائيل: وثائق حساسة ومنشآت نووية تحت المجهر    حركة فتح: مصر تؤدي دورًا محوريًا في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية    الرئيس السيسى يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس وزراء باكستان للتهنئة بعيد الأضحى    الصين توافق على تصدير بعض المعادن النادرة قبل المحادثات مع أمريكا    بعد وقف النار مع باكستان.. الهند وبريطانيا تبحثان توسيع تعاونهما في مكافحة الإرهاب    إمام عاشور قبل مونديال الأندية: بإمكاننا تحقيق إنجازا يليق بالأهلي وننتظر دعم الجماهير    محمد شوقي مديرا فنيا لزد في الموسم الجديد    إعادة هيكلة قطاع الكرة داخل الزمالك بخطة تطويرية شاملة.. تعرف عليها    هدية العيد    طقس ثالث أيام عيد الأضحي.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا الأحد    سيجارة أشعلت النيران.. مصرع أربعيني أثناء تعبئة البنزين في قنا    إجابات النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025.. مادة الفيزياء (فيديو)    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار فى البحيرة    مستقبل المسرح فى مصر    نائب الرئيس الأمريكي: إسرائيل تحاول تدمير حماس لأنها تلقت ضربة موجعة    ورش للأطفال وحكايات شعبية في احتفال «ثقافة الجيزة» بعيد الأضحى    سلمى صادق واندريا بيكيا وشريف السباعى فى أمسية ثقافية بالأكاديمية المصرية بروما    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    وكيل صحة الأقصر يتابع سير العمل بالمستشفيات في ثاني أيام العيد    "أكلات العيد".. طريقة تحضير الأرز بالمزالكيا    اللحوم بين الفوائد والمخاطر.. كيف تتجنب الأمراض؟    تعرف على أفضل طرق لطهى اللحمة    يتبقى التوقيع.. ريان نوري يجتاز الفحص الطبي مع مانشستر سيتي    لليوم الثاني.. أهالى الأقصر يذبحون الأضاحى لتوزيعها علي الأسر الاكثر احتياجا فى عيد الأضحى    بعد تخطي إعلان زيزو 40 مليون مشاهدة في 24 ساعة.. الشركة المنفذة تكشف سبب استخدام ال«ai»    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب اليونان    إعلام إسرائيلي يدعي عثور الجيش على جثة يعتقد أنها ل محمد السنوار    مجدي البدوي: تضافر الجهود النقابية المصرية والإفريقية للدفاع عن فلسطين| خاص    رونالدو يعلن موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية    مها الصغير: أتعرض عليا التمثيل ورفضت    تعرف على الإجازات الرسمية المتبقية فى مصر حتى نهاية عام 2025    وزارة النقل: الأتوبيس الترددى يعمل طوال أيام العيد فى هذه المواعيد    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو المقبل    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    "الزراعة": إزالة 20 حالة تعد في المهد بعدد من المحافظات    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    الأحزاب تستغل إجازات العيد للتواصل مع الشارع ووضع اللمسات الأخيرة على قوائم المرشحين    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    الداخلية ترسم البسمة على وجوه الأيتام احتفالا بعيد الأضحى| فيديو    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    اندلاع حريق داخل كنيسة العذراء مريم بالأقصر.. والحماية المدنية تتدخل    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    شعبة الدواجن تعلن هبوط أسعار الفراخ البيضاء 25% وتؤكد انخفاض الهالك    لقاء توعوي يجمع الواعظات والمكرسات في كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    إجابات النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025.. مادة الكيمياء (فيديو)    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    أعمال فنية ل حلمي التوني ومقتنيات أخرى نادرة.. محمد سلماوي يستعرض كنوزه الفنية    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل حياتي
نشر في نقطة ضوء يوم 26 - 06 - 2017

في الغرفة العلوية، الغرفة الواسعة ذات الأثاث الفخم، أجلس أمام زجاج نافذتها الممتدة على طول الجدار، تنزل من أعلاها ستائر من الدانتيلا العسلية المخرمة، مُزاحة نحو الجانبين بشريط أبيض لمّاع.. أمامي شارع طويل عريض، تصطف على جانبيه أشجار نخيل تتدلى من قلوبها عذوق الرطب المضيئة بفعل انعكاس آخر خيوط الشمس عليها.
قلبي يخبرني أن شيئاً ما سيحدث... ما الذي سيحدث؟
عيناي تتابعان حركة سعف النخيل وهي تتمايل بفعل الرياح، لا أحد يمر، ولا أحد يخرج من البيوت ليسير في الشارع أو في الشوارع الفرعية المجاورة، كأن الناس هجروا البيوت والشوارع... إلى أين ذهبوا؟
فجأة أراه، رجل حياتي، يهم مسرعاً كأنه على موعد تأخر عليه، لا يرفع رأسه ناحيتي لكي يراني، كما لو أنه لا يعرف أنني أعيش في هذا البيت الفخم.. فكرتُ أن أناديه.. في اللحظة التالية هربت الفكرة من رأسي، خيل لي بأنه يسرع ليلتقيني في زاوية ما من الشارع كما كنّا أيام كان الحب ثالثنا.
الوقت قبيل الغروب بقليل.. أسرعتُ للنزول على السلالم لكي ألحق به، ثوبي الحريري الطويل يتجاوز أصابع القدمين، رفعت ذياله لكي لا أتعثر وأنا أهبط السلالم، قلبي يضرب صدري بشدة، السلالم لا تنتهي كأنها ممتدة بين السماء والأرض، أسمع أصواتاً لا أدري من أين تأتي، أفرزن صوتاً ينادي باسمي من داخل البيت يأمرني بالرجوع، لا أتراجع، ولا ألتفت، أعرف أنني أعيش وحدي في البيت منذ أمد بعيد.
أخيراً تحط قدماي على الأرض، وأهرع نحو الباب الخارجي لأصل الى الشارع بأنفاس لاهثة... لا أحد في الشارع حتى نهايته، لم أرَ سوى ظلال النخيل تمتد وتُخرّم إسفلت الشارع.
ركضت.. لابد أن يكون رجل حياتي قد وصل الى نهاية الشارع واختفى في منعطفٍ ما وعليّ اللحاق به لكي لا أخذله.. منذ زمن طويل لم أره، زمن يمتد على طول السنين الفارطات من عمري.
عند منتصف الشارع خرج رجل طويل ضخم بطريقة ملفتة، أضخم رجل يمكن أن تقع عليه عين، بيده سوط يحركه في الهواء كأنه يضرب شيئاً ما.. دوّم صوته في فضاء الشارع صارخاً بي:
الى أين؟
اختض بدني وارتجفت كلماتي:
أريد أن أمضي الى نهاية الشارع.
اقترب مني وهز سوطه بعنف، وبدا لي أشبه بحيوان خرافي:
ممنوع السير في هذا الشارع.
لكنني رأيت من يسير فيه.
ربما خُيل لكِ.
أنا متأكدة.
لا شيء مؤكداً في هذا العالم.
دعني أرجوك، رجل حياتي ينتظرني في نهاية الشارع.
ازورّت عيناه وأبرقت بألوان الغضب، ثم رفع سبابته الى الجهة الأخرى من الشارع وهدر صوته:
انظري.
نظرت حيث أشار:
أترين ذلك الدرب؟ سيقودك الى بستان، ادخليه واخرجي من الجهة المقابلة وستكونين في نهاية الشارع.
الجدل لا ينفع مع هذا المخلوق، فالليل قد هبط وليس لدي متسع من الوقت.. عبرت مسرعة، دخلت الدرب، درب متعرّج ضيق، أركض على ترابه فتثير قدماي خلفي غباراً كثيفاً، أسمع عواء ذئاب بعيدة وضجيجاً لا أعرف مصدره.. ينتهي الدرب بانفتاحه على بستانٍ مزدانٍ بالشجر، شجر نخيل ورارنج وتين وبرتقال وليمون وكروم عنب، مضاء بمئات المصابيح، المماشي بين صفوف الأشجار مكسوة بالثيّل، وهمس طيور يتسلل من بين الأغصان، وأنا أركض لألحق برجل حياتي.
ينتهي البستان عند شريط من شجيرات الآس، يضوع عطرها في الأرجاء، أجتازها الى ساحة عريضة مُسفلتة، وأرى نهاية الشارع، أتلفت في الاتجاهات جميعها قبل أن أصل الى تلك النهاية، فلعل رجل حياتي يكون واقفاً في زاوية ما.
لا أحد يسير، ولا ظل يلوح، ولا يمكنني أن أعود الى الشارع، فالظلمة امتدت إليه وغطس كل شيء في سواد دامس، وعواء الذئاب يلاحقني، وليس أمامي الا العودة من حيث أتيت، ممسكةً بآخر أمل خطر ببالي للتو: ربما يكون رجل حياتي قد اكتشف أنه أخطأ الطريق بالوصول الى بيتي فعاد أدراجه، وقد أجده حين أعود واقفاً عند باب البيت.
أركض متراجعة الى البستان المضيء، متسائلة: أين الناس؟ لقد كانوا يموجون في آخر الليالي، ويقيمون الأفراح حتى الصباح، أين تراهم هاجروا؟، ولماذا أنا وحدي في هذه العتمة؟
ألهث، يكاد قلبي يتوقف.. وحين أصل البستان لا أرى له مدخلاً، أرى سياجاً عالياً من الكونكريت مدعوماً بشبكة من القضبان الحديدية الصدئة، متى سيّجوه، ألم أخرج منه قبل قليل؟ ماذا يحدث لي؟ أتلفت لعلَّ أحداً يخرج من جهة ما... لا أحد.
الذئاب تدنو، عيونها تقذف خيوط ضوء تتقاطع في الظلمة، أشعر بفزع يشل أقدامي، لكنني أنتزعها بقوة من بين الشلل، وأدور حول السياج فلربما أجد باباً أو نافذة أو ثغرة يمكنني المرور منها... لم أجد.
امرأة ما خرجت من بين هلام الليل، هرعتُ نحوها:
بربك، هل يوجد مدخل لهذا البستان؟
صوتها الجاف الذي يشبه قصبة تصفر فيها الريح قال:
كلا.
لكنني خرجت قبل قليل منه ولم يكن مسيجاً.
حدجتني بعينين متشككتين، وقالت:
هذا السور موجود قبل ولادتي.
ثم تلاشت في العتمة الكثيفة..درت حول السور، وصلت الى باب حديدي، هممت بطرقه، إلا أنني تراجعت لكي لا تستدل عليّ الذئاب، سرتُ بمحاذاته لوقت طويل، حتى عثرت على الطريق المتعرج الضيق الذي جئت منه، بينما هاجت أصوات الذئاب بشراسة واقتربت أكثر فأكثر، وبنصف ظلمة ونصف ضوء شحيح من قمر معلّق في المدى البعيد، وجدتني أمام البيت، لا أحد ينتظرني.. دخلته، وصعدت السلالم التي لم تعد بين السماء والأرض، وإنما بين طابقين فقط، صعدتها وأنا أنهت... أنهت... أنهت.
واستيقظت متعرّقة، تكاد أنفاسي تتوقف، كمن كان في ماراثون لا ينتهي عند نقطة محددة، وبغرفة متواضعة، لها نافذة صغيرة لا تطل على نخيل ولا على شارع بل على أطلال بيوت هجرها أصحابها ذات حرب، أحاول استعادة أنفاسي وأنا على السرير الذي أنام عليه كل ليلة، وأحلم برجل حياتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.