سعر جرام الذهب، عيار 21 وصل لهذا المستوى    صحه قنا تعلن موعد انطلاق الحملة التنشيطية لتنظيم الأسرة ضمن مبادرة بداية    انفجار غاز يهز حيا سكنيا بكاليفورنيا ويتسبب في دمار واسع وإصابات    نائب رئيس الزمالك يكشف عن تحرك جديد في أزمة أرض أكتوبر    عمرو أديب ينتقد إخفاق منتخب مصر: مفيش جدية لإصلاح المنظومة الرياضية.. ولما نتنيل في إفريقيا هيمشوا حسام حسن    إنريكي: عثمان ديمبلي يمر بحالة مؤسفة    جنة صليح بنت القليوبية تحصد البرونزية في قذف القرص بدورة الألعاب الأفريقية بأنجولا    بعد واقعة تحرش فرد الأمن بأطفال، مدرسة بالتجمع تبدأ التفاوض مع شركة حراسات خاصة    ياسمين عبد العزيز تكشف ضريبة الشهرة على حياتها الشخصية والعائلية    خبراء الإعلام: البرنامج يُعيد مجد البرامج الدينية ويعزز الانتماء الوطنى    الإسعافات الأولية لنقص السكر في الدم    "الزراعة" توضح أفضل طريقة للتعامل مع كلاب الشوارع الضالة    الجيش الأمريكي ينفذ طلعات جوية بمقاتلات وقاذفات ومسيرات فوق ساحل فنزويلا    مفتي الجمهورية يشهد افتتاح مسجدي الهادي البديع والواحد الأحد بمدينة بشاير الخير بمحافظة الإسكندرية    المطربة أنغام البحيري تشعل استوديو "خط أحمر" ب أما براوة.. فيديو    الرئيس الروسي يبحث مع نظيره العراقي علاقات التعاون    شتاء 2025: لماذا لا ينجو أحد من نزلات البرد هذا العام؟    التحقيق في 12 بلاغا ضد فرد أمن مدرسة دولية بالتجمع بتهمة التحرش    غلق مزلقان مغاغة في المنيا غدا لهذا السبب    السودان بين العواصف الدبلوماسية وتضييق الخناق الدولي على المليشيات وتصاعد الأزمة الإنسانية    الحلقة التاسعة من برنامج «دولة التلاوة».. الاحتفاء بالشيخ محمود على البنا    الأرصاد تعلن انحسار تأثير المنخفض الجوي وارتفاع طفيف في الحرارة وأمطار على هذه المناطق    حجز تاجر بتهمة النصب على المواطنين بزعم حصولهم على شهادات علمية    لجنة المحافظات بالقومي للمرأة تناقش مبادرات دعم تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي    «تموين القليوبية» يحرر 40 مخالفة بالمخابز اليوم الجمعة 12 ديسمبر    تسليم "كنز صوتي" نادر لأحفاد الشيخ محمد رفعت بعد عقود من الغياب    نجوم الفن يتألقون في ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 | صور    "الست".. عن إعطاء الحرية وإطلاق الأيدي    ليفربول ضد برايتون.. تفاصيل إنهاء الخلاف بين محمد صلاح وسلوت    تعرف على نتائج مباريات اليوم بالدوري الممتاز لكرة السلة    محافظ الإسكندرية: الدولة المصرية ماضية في مشروع التأمين الصحي الشامل    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    إصابة 3 أشخاص فى حادث تصادم وانتشار فرق الطب العلاجي بمستشفيات سوهاج    انطلاقة قوية للمرحلة الثانية لبرنامج اختراق سوق العمل بجامعة سوهاج |صور    علي ناصر محمد يكشف جهود بناء علاقات جنوب اليمن مع دول الخليج    محافظ أسوان يأمر بإحالة مدير فرع الشركة المصرية للنيابة العامة للتحقيق لعدم توافر السلع بالمجمع    محافظ الغربية يتابع كسح مياه الأمطار ويؤكد استمرار العمل على مدار الساعة    اسعار الفاكهه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    الدورة 9 من المسرح الصحراوى تنطلق بمسرحية "البراق وليلى العفيفة"    ضبط المتهمين بتقييد مسن فى الشرقية بعد فيديو أثار غضب رواد التواصل    هشام طلعت مصطفى يرصد 10 ملايين جنيه دعمًا لبرنامج دولة التلاوة    سويلم: العنصر البشري هو محور الاهتمام في تطوير المنظومة المائية    ناشيونال جيوجرافيك: الدعاية للمتحف الكبير زادت الحجوزات السياحية لعام 2026    الخارجية اللبنانية: تلقينا تحذيرات من عملية عسكرية إسرائيلية واسعة    باسل رحمي: نعمل على استفادة كافة مشروعات الشباب الصناعية من خبرات جايكا    نقيب العلاج الطبيعى: إلغاء عمل 31 دخيلا بمستشفيات جامعة عين شمس قريبا    "الحلبسة" مشروب شتوى يمنح أسرتك الدفء ويقوى المناعة    بتوجيهات الرئيس.. قافلة حماية اجتماعية كبرى من صندوق تحيا مصر لدعم 20 ألف أسرة في بشاير الخير ب226 طن مواد غذائية    الزمالك يصرف جزءا من مستحقات اللاعبين الأجانب لينهى أزمة الإنذارات    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    تحالف جديد تقوده واشنطن لمواجهة الصين يضم إسرائيل و4 آخرين    عاجل- الحكومة توضح حقيقة بيع المطارات المصرية: الدولة تؤكد الملكية الكاملة وتوضح أهداف برنامج الطروحات    حمزة عبد الكريم: وجودي في الأهلي شرف عظيم.. وطموحاتي كبيرة في الفترة القادمة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أنت صوفى ?!    أبرزها الأهلي أمام بيراميدز.. انطلاق منافسات الجولة الثانية عشرة من دوري الكرة النسائية    أمريكا تغرق.. فيضانات عارمة تتسبب في عمليات إجلاء جماعية بولاية واشنطن    الأعلى للجامعات يجري مقابلات للمتقدمين لرئاسة جامعة بني سويف    كيف أصلي الجمعة إذا فاتتني الجماعة؟.. دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل حياتي
نشر في نقطة ضوء يوم 26 - 06 - 2017

في الغرفة العلوية، الغرفة الواسعة ذات الأثاث الفخم، أجلس أمام زجاج نافذتها الممتدة على طول الجدار، تنزل من أعلاها ستائر من الدانتيلا العسلية المخرمة، مُزاحة نحو الجانبين بشريط أبيض لمّاع.. أمامي شارع طويل عريض، تصطف على جانبيه أشجار نخيل تتدلى من قلوبها عذوق الرطب المضيئة بفعل انعكاس آخر خيوط الشمس عليها.
قلبي يخبرني أن شيئاً ما سيحدث... ما الذي سيحدث؟
عيناي تتابعان حركة سعف النخيل وهي تتمايل بفعل الرياح، لا أحد يمر، ولا أحد يخرج من البيوت ليسير في الشارع أو في الشوارع الفرعية المجاورة، كأن الناس هجروا البيوت والشوارع... إلى أين ذهبوا؟
فجأة أراه، رجل حياتي، يهم مسرعاً كأنه على موعد تأخر عليه، لا يرفع رأسه ناحيتي لكي يراني، كما لو أنه لا يعرف أنني أعيش في هذا البيت الفخم.. فكرتُ أن أناديه.. في اللحظة التالية هربت الفكرة من رأسي، خيل لي بأنه يسرع ليلتقيني في زاوية ما من الشارع كما كنّا أيام كان الحب ثالثنا.
الوقت قبيل الغروب بقليل.. أسرعتُ للنزول على السلالم لكي ألحق به، ثوبي الحريري الطويل يتجاوز أصابع القدمين، رفعت ذياله لكي لا أتعثر وأنا أهبط السلالم، قلبي يضرب صدري بشدة، السلالم لا تنتهي كأنها ممتدة بين السماء والأرض، أسمع أصواتاً لا أدري من أين تأتي، أفرزن صوتاً ينادي باسمي من داخل البيت يأمرني بالرجوع، لا أتراجع، ولا ألتفت، أعرف أنني أعيش وحدي في البيت منذ أمد بعيد.
أخيراً تحط قدماي على الأرض، وأهرع نحو الباب الخارجي لأصل الى الشارع بأنفاس لاهثة... لا أحد في الشارع حتى نهايته، لم أرَ سوى ظلال النخيل تمتد وتُخرّم إسفلت الشارع.
ركضت.. لابد أن يكون رجل حياتي قد وصل الى نهاية الشارع واختفى في منعطفٍ ما وعليّ اللحاق به لكي لا أخذله.. منذ زمن طويل لم أره، زمن يمتد على طول السنين الفارطات من عمري.
عند منتصف الشارع خرج رجل طويل ضخم بطريقة ملفتة، أضخم رجل يمكن أن تقع عليه عين، بيده سوط يحركه في الهواء كأنه يضرب شيئاً ما.. دوّم صوته في فضاء الشارع صارخاً بي:
الى أين؟
اختض بدني وارتجفت كلماتي:
أريد أن أمضي الى نهاية الشارع.
اقترب مني وهز سوطه بعنف، وبدا لي أشبه بحيوان خرافي:
ممنوع السير في هذا الشارع.
لكنني رأيت من يسير فيه.
ربما خُيل لكِ.
أنا متأكدة.
لا شيء مؤكداً في هذا العالم.
دعني أرجوك، رجل حياتي ينتظرني في نهاية الشارع.
ازورّت عيناه وأبرقت بألوان الغضب، ثم رفع سبابته الى الجهة الأخرى من الشارع وهدر صوته:
انظري.
نظرت حيث أشار:
أترين ذلك الدرب؟ سيقودك الى بستان، ادخليه واخرجي من الجهة المقابلة وستكونين في نهاية الشارع.
الجدل لا ينفع مع هذا المخلوق، فالليل قد هبط وليس لدي متسع من الوقت.. عبرت مسرعة، دخلت الدرب، درب متعرّج ضيق، أركض على ترابه فتثير قدماي خلفي غباراً كثيفاً، أسمع عواء ذئاب بعيدة وضجيجاً لا أعرف مصدره.. ينتهي الدرب بانفتاحه على بستانٍ مزدانٍ بالشجر، شجر نخيل ورارنج وتين وبرتقال وليمون وكروم عنب، مضاء بمئات المصابيح، المماشي بين صفوف الأشجار مكسوة بالثيّل، وهمس طيور يتسلل من بين الأغصان، وأنا أركض لألحق برجل حياتي.
ينتهي البستان عند شريط من شجيرات الآس، يضوع عطرها في الأرجاء، أجتازها الى ساحة عريضة مُسفلتة، وأرى نهاية الشارع، أتلفت في الاتجاهات جميعها قبل أن أصل الى تلك النهاية، فلعل رجل حياتي يكون واقفاً في زاوية ما.
لا أحد يسير، ولا ظل يلوح، ولا يمكنني أن أعود الى الشارع، فالظلمة امتدت إليه وغطس كل شيء في سواد دامس، وعواء الذئاب يلاحقني، وليس أمامي الا العودة من حيث أتيت، ممسكةً بآخر أمل خطر ببالي للتو: ربما يكون رجل حياتي قد اكتشف أنه أخطأ الطريق بالوصول الى بيتي فعاد أدراجه، وقد أجده حين أعود واقفاً عند باب البيت.
أركض متراجعة الى البستان المضيء، متسائلة: أين الناس؟ لقد كانوا يموجون في آخر الليالي، ويقيمون الأفراح حتى الصباح، أين تراهم هاجروا؟، ولماذا أنا وحدي في هذه العتمة؟
ألهث، يكاد قلبي يتوقف.. وحين أصل البستان لا أرى له مدخلاً، أرى سياجاً عالياً من الكونكريت مدعوماً بشبكة من القضبان الحديدية الصدئة، متى سيّجوه، ألم أخرج منه قبل قليل؟ ماذا يحدث لي؟ أتلفت لعلَّ أحداً يخرج من جهة ما... لا أحد.
الذئاب تدنو، عيونها تقذف خيوط ضوء تتقاطع في الظلمة، أشعر بفزع يشل أقدامي، لكنني أنتزعها بقوة من بين الشلل، وأدور حول السياج فلربما أجد باباً أو نافذة أو ثغرة يمكنني المرور منها... لم أجد.
امرأة ما خرجت من بين هلام الليل، هرعتُ نحوها:
بربك، هل يوجد مدخل لهذا البستان؟
صوتها الجاف الذي يشبه قصبة تصفر فيها الريح قال:
كلا.
لكنني خرجت قبل قليل منه ولم يكن مسيجاً.
حدجتني بعينين متشككتين، وقالت:
هذا السور موجود قبل ولادتي.
ثم تلاشت في العتمة الكثيفة..درت حول السور، وصلت الى باب حديدي، هممت بطرقه، إلا أنني تراجعت لكي لا تستدل عليّ الذئاب، سرتُ بمحاذاته لوقت طويل، حتى عثرت على الطريق المتعرج الضيق الذي جئت منه، بينما هاجت أصوات الذئاب بشراسة واقتربت أكثر فأكثر، وبنصف ظلمة ونصف ضوء شحيح من قمر معلّق في المدى البعيد، وجدتني أمام البيت، لا أحد ينتظرني.. دخلته، وصعدت السلالم التي لم تعد بين السماء والأرض، وإنما بين طابقين فقط، صعدتها وأنا أنهت... أنهت... أنهت.
واستيقظت متعرّقة، تكاد أنفاسي تتوقف، كمن كان في ماراثون لا ينتهي عند نقطة محددة، وبغرفة متواضعة، لها نافذة صغيرة لا تطل على نخيل ولا على شارع بل على أطلال بيوت هجرها أصحابها ذات حرب، أحاول استعادة أنفاسي وأنا على السرير الذي أنام عليه كل ليلة، وأحلم برجل حياتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.