تُعتبر "الكنافة" من أبرز الأكلات والحلويات التي ترتبط بشهر رمضان الكريم، والذي بمجرد أن تظهر الرؤية تنتشر بالشوارع والمحلات آلات وأفران صناعة "الكنافة" التي يعشقها الملايين، ويبدع الكثيرون في طريقة عملها وحشوها، كأحد المظاهر الرئيسية للشهر الكريم. يأتي اسم "الكنافة" من الكنف، أيّ الرعاية والرحمة، ويرجع البعض اسمها إلى الكلمة الشركسية "تشنافة"، أيّ لون البلبل، وهو اللون الذي تتميّز به الكنافة. ويعود تاريخ نشأة الكنافة والذي يبلغ حوالي ألف عام تقريباً إلى عهد معاوية بن أبي سفيان، حيث صنعها أهل الشام في بداية عصره، ويُقال إن معاوية هو أول مَنْ صنع الكنافة من العرب، حتى إن اسمها ارتبط به وأصبحت تُعرف ب"كنافة معاوية"، وهناك مَنْ يرجع "الكنافة" إلى عصر المماليك، حيث عرفها المصريون قبل أهل الشام، وفي رواية أخرى قيل إنها صُنعت خصيصاً لسليمان بن عبد الملك الأموي. في البداية اقتصرت "الكنافة" على موائد الأمراء والملوك في عصر المماليك، ومع الوقت أصبح يشتهيها الفقراء، حيث كان الملوك يوزّعونها عليهم خلال الشهر الكريم وفي المناسبات، وأخذت في الانتشار، وظهرت مهنة "الكنفاني" التي كان مَنْ يمتهنها لا يتعامل سوى مع علية القوم والأغنياء، ولكن سرعان ما انتشر صنّاعها وعرف الكثيرون سرها، فأصبحت في متناول الجميع، وأصبحت الكنافة طعام الفقير والغني في رمضان. تُصنع الكنافة من الدقيق المخلوط بالماء، بالإضافة إلى الشعيرية في بعض الأنواع، وتحتوي على سعرات حرارية كبيرة تعوّض الجسم عما يفقده خلال فترة الصيام، وتنقسم إلى أربعة أنواع: النوع الأول "الكنافة الشعر"، وتُسمّى بهذا الاسم لخيوطها الرفيعة، والنوع الثاني "اليدوي"، والتي تعتمد على الطريقة التقليدية لصناعة الكنافة، والنوع الثالث "الآلية"، وتُستخدم في صناعتها الماكينات والآلات الخاصة بالكنافة. وتختلف طريقة صناعة "الكنافة" وتناولها من مدينة إلى أخرى، ففي سوريا يفضّلونها محشوة بالقشدة ومليئة باللبن، أما بالنسبة للسعوديين فيتناولون الكنافة بالجبن، وهناك الكنافة المحشوة بالموز أو القرفة أو المكسرات، وأنواع أخرى عرفها أهل الشام، منها المبرومة والبللورية والعثمالية والمفروكة. وتتوارث مهنة صانعي الكنافة اليدوي من الأجداد والآباء إلى الأبناء الذين يجدون فيها متعة وتراث، على الرغم من أن الكثيرين منهم لا يعملون سوى في شهر رمضان، لكن ستجد أن الآلة التي تُصنع بها "الكنافة" قد يعود تاريخها إلى أكثر من خمسين عاماً، حيث توارثها الابن من الأب والأب من الجد، وتنتشر تلك الصنعة في أزقة مصر القديمة وفي الأحياء الشعبية القديمة، في القاهرة والمحافظات. ومع تطوّر صناعة الكنافة وظهور الآلات والماكينات التي تُعتبر أكثر حرفية وإتقاناً وسرعة في صناعتها وأقل سعراً، ما جعل الجميع يتجه إليها، فتراجعت الصناعة اليدوية التي كانت تعطيها مزاقها الخاص ورونقها، كتراث رمضاني يجذب إليه الجميع، عندما يقف "الكنفاني" يلف شعيرات العجين بالسكر بشكل دائري ومتعاقب ليصنع الكنافة، ويلتف حوله الأطفال لمشاهدة أقدم مهنة عرفتها مصر، والاستمتاع بمظاهر رمضانية توشك على الاندثار، مع تقلّص عدد صانعي الكنافة مع الوقت والزمن وتطوّر الصناعة، للدرجة التي يخشى منها على انقراض المهنة واقتصارها فقط على المصانع ذات الآلات والماكينات. وهنا يقول فوزي كارم، أحد صانعي الكنافة: إن المهنة في مصر تضيق على أصحابها، وأصبح العاملون بها يشعرون بالإحباط، مع انتشار الآلات والكنافة الجاهزة في المحلات؛ مما أدى إلى تراجع الإقبال على الكنافة المصنعة يدوياً، في ظل ارتفاع أسعارها، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الخام، لافتاً إلى أن صناعة الكنافة في مصر أصبحت تعتمد بشكل شبه كامل على الماكينات، وهو ما جعل من النادر أن تجد صانعاً للكنافة اليدوية، فتلك الصناعة لم يعد يدخلها أشخاص جدد في الوقت الحالي، وهو ما يهدّد بانقراضها. ويوضح كارم طريقة صناعة الكنافة التي تتكوّن من دقيق يُخلط بالمياه ليتكوّن العجين، ثم يُصفى في أوعية، ومنها إلى الماكينة الخاصة، ليسوّى من خلال 3 شعلات بداخل الطبلية، ثم تجمع على صاج لتكون جاهزة للبيع، بينما يشترط في صناعة الكنافة البلدي وجود فرن لتسويتها، وتلك أصبحت قليلة في رمضان بسبب الفرن الذي تفرض عليه ضرائب تتجاوز الألف جنيه، لافتاً إلى أن هناك فرقاً بين الكنافة البلدي التي تُصنع بالسمن واللبن، وبين الكنافة الشعر التي تُصنع يدوياً، سواء في طريقة الصنع أو الطعم، مشيراً إلى أن عبارة "اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني" يُقصد بها تحديداً صانع الكنافة، لأنه يتميّز بالحنكة والمهارة مع الصبر، ومعرفة سر صنع الكنافة الذي لم يخرج خارج أبناء المهنة على مدار سنوات. خدمة ( وكالة الصحافة العربية )