يُزّين فستان لونه أحمر لافت ارتدته الفنانة المصرية الراحلة هند رستم في فيلمها الشهير "الجسد" إحدى زوايا معرض يضم مقتنيات شخصية تاريخية تستعرض حكايات لسيدات عربيات عشن تجارب ملهمة. وعبر ممر ممتد بإحدى القاعات الخاصة وسط العاصمة المصرية القاهرة يحتل فستان الراحلة رستم (1931: 2011) ركنا خاصا احتوى على صناديق زجاجية ضمت مقتنياتها الشخصية وأفيشاتها السينمائية (اللافتات الدعائية لأفلامها) إلى جانب إحدى زجاجات عطرها. المعرض الذي حمل عنوان "أنا بخير اطمئنوا" يستعرض حكايات 21 سيدة عربية عشن على مدار نحو قرن يسعى القائمون عليه إلى أن يكون أول متحف نسائي في مصر والمنطقة العربية. وانطلق المعرض قبل 3 أسابيع وينتهي 23 مايو/أيار الجاري "يروي لمحات من نضال وصمود نساء عربيات بعضهن لسن مشاهير، غير أن تجاربهن جميعاً ملهمة"، وفق ميسان حسن إحدى المشرفات على المعرض. وعن سر تسمية المعرض بهذا الاسم تضيف حسن وهي عضو مؤسسة المرأة والذاكرة المصرية (غير حكومية تأسست عام 1995): "أنا بخير اطمئنوا عبارة أخيرة في رسالة ورقية مؤرشفة كتبتها المناضلة اليسارية الراحلة بمصر شاهندة مقلد (1938-2016) لصديقتها أثناء اعتقالها بمصر (ديسمبر/كانون الأول1978)، وصارت هي مقدمة المعرض، وجزءا من مقتنياتها". وتضيف حسن: "إنه عنوان لافت وجيد وله دلالة جيدة وكانت جزءا من عملنا وتدل على النضال والرغبة في الاستمرارية فيه". ويتنقل المعرض بحسب حسن بين عدة مدن عربية منها بيروت وعمان بجانب أخرى أوروبية خلال الأشهر القادمة (لم تذكر موعداً محدداً) لرواية لمحات 21 سيدة تجاربهنّ ثرية". نريده متحفا وتمثل تلك السيدات أجيالاً وأزمنة مختلفة جاء اختيارهن وفق مقابلات شخصية لبعضهن أو ضمن مقتنيات محفوظة بالمؤسسة النسائية لديها أو ضمن أرشيفها الذي تجمعه، في إطار قصصي يتجاوز الحدود الجغرافية، كما تقول حسن. وتضرب مثلاً على إحداهن قائلة: "السيدة كوكب حنفي ناصف سيدة مصرية تعلمت وسافرت للخارج للدراسة في زمن لا يتصور الناس فيه أن هذا وارد أن يحدث لكن ناصف فعلتها". وتستدرك: "القصص تسير في رحلة زمنية تتجاوز 100 عام"، وتشير إلى أن لمحات قصص 21 سيدة تفرز للمتابع أثناء سردها قصصا أخرى لتجارب نسائية أخري محيطة بهن، مؤكدة أن المعرض يرتكز على قصص شخصية متنوعة في التجارب والعلاقات والتوجهات. ورسالة المعرض كما تتابع: "لا جملة تستطيع اختزال قدرة النساء في الصمود والنضال والتحكم في حيواتهن، فتجاربهن إنسانية ثرية". وفكرة إقامة معرض أرشيفي عن حيوات النساء خطوة نحو فكرة إنشاء متحف للنساء في مصر والمنطقة العربية سيكون هو الأول، كما يحلم القائمون عليه وفق حسن. غير أنها تستدرك: "لكن مثل هذه الأمور تأخذ وقتا طويلا وتحتاج لجهود وموارد كبيرة ولذا هي تفاصيل ليست خاضعة للشهور المقبلة ولكن تحت التنسيق مع الشركاء". وتتابع "المعرض أشبه بمتحف صغير وهو إرهاص للمتحف، ونرى أنه بوجود هذا المعرض يمكن أن نأخذ خطوات عملية". ويحتفل العالم في 18 مايو/أيار من كل عام باليوم العالمي للمتاحف. وتختم ميسان حسن حديثها بالقول "لا 21 سيدة أو حتى مائة يستطعن أن نحكى بهن عن حيوات وتجارب النساء التي تعد بالملايين. جراحة وفنانة ولاجئة وكنتاج عمل مشترك لمؤسسات عربية غير حكومية ظهر المعرض، منها مؤسسة المرأة والذاكرة (مصر)، ومتحف المرأة (الدنمارك)، والمعهد الدنماركي المصري للحوار (مصر/الدنمارك)، ومركز طراز (الأردن)، وورشة المعارف (لبنان). وفي إحدى زوايا المعرض ظهرت قصاصة لصحيفة مصرية قديمة خلف صندوق زجاجي تعرّف بكوكب حفني ناصف (1905: 1999)، والتي كانت أول طبيبة وجراحة مصرية، وتتحدث عن دراستها بلندن في وقت كان غريبا على التقاليد المصرية أن تسافر سيدة لتتعلم خارج البلاد. وفي ذات القاعة عُلقت 4 لمحات نسائية أخرى على حوائط المعرض، أولها تقدم نبذة عن وداد الأورفه لي، توضح أنها "من مواليد بغداد عام 1929، التي افتتحت أول قاعة عرض خاصة للفنون في العراق في ثمانينيات القرن الماضي وحين بدأت الحرب في عام 2003 (الغزو الأميركي) أجبرت على المغادرة تاركة وراءها معرضها ولوحاتها". وتحكي اللمحة الثانية عن المصرية رواية محمد من مواليد عام 1978، والتي تعلمت صناعة الأواني الفخارية عند بلوغها 12 عاما، بدلا من أن تتعلم "القراءة والكتابة. ومنذ ذلك الحين ألهمت محمد العديد من النساء للعمل بصناعتها مساهمة في تغيير صناعة الفخار في الفيوم (وسط مصر). وتصدرت ابتسامة الممثلة المصرية الراحلة هند رستم اللمحة الثالثة فسجلت عنها أنها "مثلت في سن 15 عاما وكانت تسافر في طفولتها بصحبة والدها كثير الترحال في أنحاء كثيرة بمصر التزاما بعمله، وجاء عملها الفني بعد ذلك ليأخذها إلى مزيد من الأماكن والعلاقات". أما إبراهيم (كما عرفها المعرض)، فهي فلسطينية (من مواليد 1927)، تقول اللمحة الرابعة والمخصصة عنها: "أجبرتها النكبة، حسب تسمية الفلسطينيين لها والتي قامت على إثرها دولة إسرائيل، على الفرار من بلدتها يافا إثر غزوها على يد الجنود الإسرائيليين العام 1948، ورغم فرارها سيرا على الأقدام حملت ملابسها المطرزة التي تعتبرها جزءا لا يتجزأ من كيانها ولم يكن بوسعها أن تتركها وراءها".