أبرز الفنان التشكيلي الدلفين في فنه علاقة الفن بالسلام وظهرت إبداعاته في التعاطي مع البيئة والزياتين والرمان ومختلف غلال الوطن القبلي وأشجارها. الزيتونة من عوالمه التي تخيرها في فنه وقد رسمها كأبهى ما يكون نشدانا للإبداع وللهوية وصيانة البيئة والطبيعة والشجرة وفق رؤية فنية انسانية حضارية. وفي هذا السياق؛ الطبيعة والفنان الزيتونة شجرة الزيتون، هي حكاية السنوات حيث الفنان الذي تشرب من معين الفنون التشكيلية والحياة والسفر والهجرة والقراءة من روايات وأشعار. إنها الخلاصة الكبرى التي تمدح الزيتونة هذه الشجرة المباركة. نعم للفن قول عميق، الفلاسفة والعلماء والمفكرون والسياسيون وقبلهم الأنبياء، وما ورد في القرآن الكريم بخصوص الزيتونة جعل من الفكرة مجالا شاسعا للقول بالألفة والمحبة والسلم والتسامح. هكذا كانت العلاقة بين "دلفين الحمامات" وشجرة الزيتون.. الزيتونة التي هي من أسرته وبينه وبينها علاقة وجد وحياة. إنها فلسفة الفن والطبيعة لدى الفنان التشكيلي عم الهادي فنينة الذي يرسم مثلما يتنفس. هكذا حدثنا الفنان عن تجربته هذه اذ يقول: "أذكر الآن بداياتي مع رسم الزيتون حيث قدمت امرأة ايطالية وعمرها يراوح بين 65 و 70 سنة لتقول لي إنها ولدت تحت شجرة زيتون في سيسيليا، وقضت طفولتها وحياتها في الزيتون، وهي تجيء لتونس تقصدا للراحة، وحين رأت لوحتي قالت لي حلمي الآن أن أنام تحت اللوحة (بمناسبة عيد ميلادها) وأضافت أنها تريد أن تعلق اللوحة في غرفة نومها حتى تفتح عليها عينها. وكان لها ذلك حيث اشترى لها زوجها هذه اللوحة التي رسمتها في ذلك الوقت وكانت عملية الاقتناء من غير(بيع وشراء) تفتوض على الثمن. هذه أول حكاية بخصوص الزيتونة في معرض لي كان ذلك في سنة 2005. من تلك الفترة صرت أريد رسم الزيتون وهذه المرأة قادتني الى شيء مهم في حياتي حيث إن شجرة الزيتون دخلت في حياتنا الاجتماعية، وهذا ما يذكرني بقوانين الألمان التي تحترم الطبيعة وتجرم من يقطع شجرة أو يقتلع زيتونة وغيرها. الزيتونة عندي هي تونس الخضراء ومن هنا ألح على ضرورة التكثيف من زراعة الأشجار في محيطنا وحماية الزيتون، وأتساءل أين الكم الهائل من الأشجار التي زرعت في أعياد الشجرة كل هذه السنوات السابقة؟ والزيتونة هي الأم التي تحمينا من الشمس والبرد وهي في شكلها كالمنزل وأوراقها صغيرة الحجم تعطينا الدفء والحرارة. كما أن انعكاس النور والضوء على الورقة يمنحنا لمعانا .. أنا أحضن الشجرة وهنا أتذكر أغنية نجاة الصغيرة من أشعار نزار قباني: "حمل الزهور الي كيف أرده". فالزيتونة تقول لنا كيف أرد الانسان الذي يحضنني ويحبني. أنا اقعد بجانب الزيتونة وأحدثها وأطلب منها العفو. فالإنسان قد يخطئ مع الأشجار ويهملها وهي مخلوقات. ان بين الفنان والشجرة علاقة حميمة. ومثلما قال الفنان العالمي الكبير سيزان: لدي مشاكل منها كيف أعبر عن اللون والشكل لدى الزيتونة في لوحاتي. أمي رحمها الله أوصتني اذا حلت بي الحيرة أن أذهب الى الطبيعة. أنا ذهبت الى الزيتونة والناس يشترون لوحاتي وقد منحني ذلك طاقة وصارت الزيتونة وغاباتها موضوعا للوحاتي. الحمامة تحمل في منقارها الغصن الزيتوني والصبايا يغنين "آش قربك للواد يا زيتونة". إن الزيتونة مباركة مثلما ذكرها الله تعالى في القرآن. ففي بلدان البحر الأبيض المتوسط حيث غابات الزياتين تقل الأمراض، وصار استهلاك زيت الزيتون منتشرا في العالم، وفي الصين الآن يستهلكون بكثرة الزيت والزيتون، الفقير كان طعامه خبزا وزيتا وزيتونا. والآن صار ذلك غذاء الأغنياء. الثقافات العالمية تغذت من الزيتونة ونذكر ثقافات الاسبان والطليان. من الكارثة إعلان الحروب في العراقوفلسطين وسوريا وليبيا واليمن وقلع الأشجار والاعتداء عليها وإغلاق المدارس. هذه حرب ضد الهوية والحياة. بالنسبة لي هناك فلسفة أمام هذه الكوارث فكلما اقتلعوا أشجارا وزيتونا في فلسطين، أرسمها في لوحاتي. أنا أزرع الزيتونة في لوحاتي. الألمان ينصحون شعبهم بالزيت وترك شحوم الحيوانات وهي اشترت الزيوت من إسبانيا، فالاقتصاد عندهم مبني على توعية الشعب وثقافة الغذاء لتقليل الأمراض والأدوية وهذا مهم ومعمول به منذ 30 سنة. نعم لا بد من التوعية، وبدون ذلك لا معنى للكلام عن تونس الخضراء. لا بد من المحافظة على الأمكنة المشجرة والمزروعة بأشجار الزيتون. اذن لا بد من العودة الى هوية المجتمع والتي منها حكاية العلاقة مع الزيتون لتقريب الناس من ذلك. فهذه هي القيم العميقة والأصيلة. أدعو الى تعميق وتجذير الاحتفال بالشجرة ولمس واحتضان الأشجار فالألمان لديهم عيد البطاطا، والتلاميذ هناك يعينون عائلاتهم على استخراج البطاطا من الأرض. هناك من الناس بيننا لا يعرفون الشجرة، وهناك من لم يلمس شجرة في حياته...." هذه حكاية الدلفين الحمامي مع الشجر والبيئة والتي تصلح لأن تدرس للناشئة من قبيل العلاقة الثقافية والانسانية والحضارية بين الفنان والبيئة.