وزير الدفاع: حماية أمننا القومي مهمة مقدسة تتطلب الإستعداد القتالي الدائم    رئيس الوزراء يؤكد دعم مصر لمجالات التنمية بالكونغو الديمقراطية    محافظ القاهرة يقرر النزول بدرجة الحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 20 أغسطس 2025    تطوير التعليم الفني والتدريب المهني.. تعاون بين التعليم وحكومة طوكيو    رئيس الوزراء يشارك في قمة «تيكاد 9» بمدينة يوكوهاما اليابانية    بوتين يخطط للقاء رئيس الوزراء الهندي بحلول نهاية العام الجاري    عبور شاحنات مساعدات إلى غزة عبر معبر رفح    الصحف العالمية تحتفى بثلاثية محمد صلاح الذهبية    غياب صفقة الفريق.. تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام القادسية بنصف نهائي السوبر السعودي    «مفيش مؤامرات ومحدش يدخل الأهلي».. تعليق ناري من شوبير بعد سحب أرض الزمالك    رسميًا.. اعتماد نتيجة الشهادة الإعدادية الدور الثاني 2025 في الإسكندرية بنسبة نجاح 98.2%.    «روكي الغلابة» ل دنيا سمير غانم يحقق 40 مليون جنيه في 20 يوما    "لا ترد ولا تستبدل".. دينا الشربيني وأحمد السعدني يشعلان الدراما مجددًا    اليوم.. افتتاح معرض السويس الثالث للكتاب    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    «القاتل الصامت».. خبير تغذية يحذر من أضرار «النودلز» بعد وفاة طفل المرج    وزير خارجية ألمانيا: هدف الجميع هو حل الدولتين وهذا يعني دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام مع إسرائيل    مصر ترحب بالجهود الدولية لإحلال السلام في أوكرانيا    وزير الخارجية يؤكد لرئيس الوزراء اللبناني دعم مصر الكامل لاستقرار لبنان    وزير الري يتابع إجراءات إزالة التعديات والمخالفات على المجاري المائية والخزانات الجوفية    الإسكان: إجراء القرعة رقم 16 لتسكين حائزي أراضي العبور الجديدة    قرية الشرقاوية بكفر الشيخ تستعد لتشيع جثمان والد كابتن محمد الشناوى    اليوم.. الزمالك ينهي استعداداته لمواجهة مودرن سبورت    «بداية من 4 سبتمبر».. تغيير اسم مطار برج العرب الدولي ل مطار الإسكندرية الدولي    طلاب الدور الثاني بالثانوية العامة يؤدون اليوم امتحان الرياضيات البحتة    تنفيذ حكم الإعدام فى قتلة المذيعة شيماء جمال.. انفوجراف    ضبط شخص يستغل طفلين في أعمال التسول واستجداء المارة بالجيزة    إصابة 16 شخصًا في تصادم سيارتين بسفاجا    إحباط محاولة 4 عناصر جنائية جلب وتهريب مواد وأقراص مخدرة ب350 مليون جنيه في مطروح    لطلاب المدارس والجامعات.. «النقل» تفتح باب التقدم لاشتراكات الأتوبيس الترددي 1 سبتمبر (تفاصيل)    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 عبر موقع التنسيق.. وخطوات الاستعلام فور إعلانها    للمرة الثالثة.. محافظ المنوفية يوافق على النزول بدرجات القبول في بعض المدارس الفنية    اليوم بروض الفرج.. انطلاق المهرجان الختامي لشرائح ونوادي مسرح الطفل في دورته الأولى    إعلان موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 الثانوية العامة خلال ساعات.. الكليات والمعاهد المتاحة (رابط)    20 أغسطس 2025.. أسعار الذهب تتراجع بقيمة 20 جنيها وعيار 21 يسجل 4520 جنيها    رئيس هيئة الرقابة الصحية: مستشفيات جامعة الإسكندرية شريك رئيسي لنجاح التأمين الصحي الشامل    هل يمكن لمريض السكري تناول الأرز الأبيض دون مخاطر؟ (تفاصيل)    دعما للمنظومة الصحية.. إطلاق حملة للتبرع بالدم بمشاركة رجال الشرطة في الوادي الجديد (تفاصيل)    حمزة نمرة: حلمي بالكمال كان بيرهقني جدًا    سلامة الغذاء تفحص شكوى ضد أحد المطاعم الشهيرة وتتخذ الإجراءات القانونية ضدها    بعد تداعيات الجراحة الثانية.. شقيق أنغام يدعو لها بالشفاء    محافظ الفيوم يترأس اجتماع اللجنة العامة لحماية الطفولة    سنقاتل لتحقيق بكأس.. محمد صلاح يعلق على فوزه بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج    فانتازي يلا كورة.. انخفاض سعر عمر مرموش    أحمد ياسر: زيزو لا يستحق الحصول على 100 مليون وإمكانياته أقل من ذلك    "حياة كريمة" تقدم خدماتها الطبية المجانية ل 1200 مواطن بالمنيا    رعاية القلوب    ذات يوم 20 أغسطس 1953.. إذاعة صوت العرب تحرض المغاربة ضد نفى الاحتلال الفرنسى للسلطان محمد الخامس.. و«علال الفاسى» يبكى أثناء تسجيل كورال أطفال نشيد «يا مليك المغرب»    ويجز يحيي حفلا بمهرجان العلمين الجمعة 22 أغسطس (اعرف شروط الدخول)    أول تعليق من محمد صلاح بعد التتويج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي    مصطفى قمر ينشر صورًا مع عمرو دياب في الساحل.. ويمازحه بهذه الطريقة    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025 بالصاغة بعد آخر انخفاض    الإليزيه: ربط الاعتراف بفلسطين بمعاداة السامية مغالطة خطيرة    مصدر أمني ينفي تداول مكالمة إباحية لشخص يدعي أنه مساعد وزير الداخلية    السيطرة على حريق بأسطح منازل بمدينة الأقصر وإصابة 6 مواطنين باختناقات طفيفة    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي بدر: الرواية هى البديل الحقيقى للعلوم الإنسانية
نشر في نقطة ضوء يوم 26 - 12 - 2011

يعتبر الكاتب والروائى العراقى على بدر من الجيل الجديد للكتاب العراقيين، انه الجيل الذى عاصر الحروب والمنافي، التحولات السياسية والاجتماعية ليس على مستوى العراق فحسب بل على صعيد الواقع العربى ككل. لذا وبحكم معاصرته لهذه الحقبة كان من الطبيعى جدا وجود انعكاساتها فى كتابته لتنتج تجربة خاصة ومختلفة، فجاءت أعماله الروائية تضج بصخب واضطراب على مستوى الشكل والمضمون، هو الذى يعتبر نفسه كاتب جيل وينتمى للجيل الأخير من المثقفين العرب يرى أن لا وجود للنخبة الحقيقية فى العالم العربي. حول رؤيته لواقع الثقافة فى العالم العربى ودور المثقف وحول آخر اعماله "الطريق الى تل مطران"، و"صخب ونساء وكاتب مغمور"، و"رحلة ماسنيون" كان معه هذا الحوار.
* فى عملك "الطريق إلى تل مطران" تتضح معالم مختلفة فى كتابة الرواية وهذا ما ظهر أيضا فى عملك الروائى "صخب ونساء وكاتب مغمور"، كيف تفسر للقارئ هذا الأمر ؟ أى لم انتهجت هذه الطريقة فى الكتابة؟
- نعم .. نبهتنى إلى هذا الأمر. هنالك مجموعة من الأفكار والخطط بعضها تقنية والأخرى فكرية، فمن جهتى كنت أعاين النظام أو "السستم" الذى يخضع له الكلام ويحوله إلى تسلية ممتعة، فنحن على الدوام أمام ساردين أو أكثر لواقعة واحدة، أحدهما يجبرنا على الإصغاء، والآخر يضجرنا، والسبب هنا هو الشكل، أو الوعاء، أو الطريقة، سّمهِ ما شئتِ، وبالتالى على السارد أن يبذل جهدا كبيرا وشاقا بصورة خفية وغير ظاهرة فى جذب القارئ من الصفحة الأولى إلى الأخيرة، بالنسبة لى أنا كان الجذب والإغواء يخضعان لمجموعة من الحيل السردية اللافتة، منها: تلقين السر، الإخفاء والإظهار، ومجموعة من الحكايات التى تؤدى دورا مساعدا فى دفع الحدث الرئيسى وإسناده، هذا من جهة الفكرة. أما من جهة الخطاطة فهى محاولاتى العنيدة والفاشلة لابتكار شكل سردى جديد ومغاير للطرق الشائعة والمختزلة فى الرواية ولا سيما فى إنتاج الرواية العربية، والتى تأثرت إلى حد مشوه بالتجارب العالمية، وهذا ليس نقدا فاضحا أوجهه إلى الرواية العربية بقدر ما هو شك فاضح فى قدرتى على تمثل تجارب الآخرين، وهنالك أسباب عديدة لهذا الفشل، منها: تجربة الحرب، فقد خضت حربين ضاريتين، وعشت تجربة القتال والخنادق، وكان القتال يبرز بصمت يصعد الضمير المتأمل لواقعة الموت، ويصعد من الشعور بالحنان المذيب لحياة عصية على التحقق والإنجاز، وهكذا كنت أمام ضمير ممزق ومطالب بجعل كل ما كنت أقرأه أمام ما كنت أراه شيئا من الهراء، وهكذا أخذت أجرب كتابة نصوص ذات مبتكرات آنية. وهذه المبتكرات خاضعة لحسى الشخصى ولحياتى ولمشاعرى وتجاربى أكثر من خضوعها لنظرية أو فكرة، وأكثر من خضوعها للتاريخ وهذا العامل مهم من وجهة نظري، ذلك لأنى كنت مقيدا بجسدى وأسيرا لنفسى ولكينونتى بسبب شعورى بدنو الموت، وبالرعب الكاسح الذى كان يشلنى لفكرة أن يتحول جسدى إلى أشلاء، أو الموت احتراقا فى المواضع، كل هذا جعلنى أخضع جميع الأفكار التجريدية مثل الوطن والأمة والتاريخ إلى اختبار حسي، فصار لدى إصرار كامل على كتابة شكل سردى يتفجر من اللحظة الأولى إلى اللحظة الأخيرة بلغة حية ونابضة وعفوية، وأن يأخذ السرد شكله القريب من تلقين السر، مع تضاريس ممتعة وغير منفرة، وهذا السر أقرب ما يكون إلى كشف سر لصديق أو حبيب، أو ربما الاعتراف قبل دنو الموت. ثقافة زائفة
* أنت من جيل المثقفين الشباب العرب، الذين عاشوا مجال الحروب المتكررة، ومجال الثقافات المحتدمة وصراعاتها، إلى أى مدى أثر هذا الأمر على خياراتك فى الكتابة؟
- نعم.. نعم هذا الأمر مهم جدا بالنسبة لي. أنا كاتب جيل إن صح التعبير. جيلى .. اليوم وهو الجيل الأخير من المثقفين العرب، له تجربة مختلفة عن كل تجربة سابقة، وربما على نحو آخر له تجربة مشابهة لجيل المثقفين العرب بداية القرن الماضى الذين عاشوا تجربتين متكافئتين فى المقدار ومختلفتين فى الاتجاه، تجربة الحرب العالمية الأولي، والاستعمار الإمبراطورى الغربي، وتجربة تكوين الدولة الحديثة، أو ما يطلق عليه "الدولة الأمة" وهى بمعنى آخر الحداثة، ومن هذين الخيارين انشبكوا بنقاش محتدم وصريح مع الثقافة الغربية، من جهة أخرى فإن جيلى هو وريث هذه الثقافة الزائفة أو الجيل الذى فشل فى تكوين الدولة الحديثة أو أفشل "الأمر سيان" وانكفأ على شروط ومنجزات الحداثة، واليوم معاناته تفاقمت بسبب انهيار الدولة الوطنية أمام الغيتوات الطائفية والدينية والعرقية، وبسبب الانهيار الشامل للأفكار أمام الأصولية المتحجرة، والشلل التام أمام الصنمية الغربية، لذا أنا أعتقد أن المهمة أمام هذا الجيل صعبة جدا وتقوم على أساسين، الأول المراجعة الشاملة لكل ما أنتجته الثقافة العربية الحديثة وفرزه وتفكيكه وتغييره، أى اعتماد نقد تدميرى لشروط الحداثة الكاريكاتورية والمهلهلة التى أنتجتها الأجيال السابقة، هذه الأجيال الفاقدة للضمير والتى أورثتنا فسادها وغباءها ونقص وعيها وجبنها وانحطاطها، لنقلها بصراحة لقد ورثنا من الآباء ثقافة منحطة وجبانة وخائرة ومتحللة، فما الداعى للتمسك بها، هذه الثقافة هى التى أوصلتنا إلى الدولة البوليسية، والمقابر الجماعية، والاحتلال، والإرهاب، والخروج من التاريخ، والفقر، والفاقة، والدعارة، والعشوائية، والغيبية. فما هو ضرورة التمسك بها، أو تغطيتها، أو تبريرها؟ الأساس الثانى هو إنتاج وعى حقيقى وقادر على فهم الأزمة، ومن خلال شروط الأزمة ذاتها، والأزمة لا تتعدى ثلاث قيم أساسية: الديمقراطية وحقوق الإنسان، محاربة الفساد والتوزيع العادل للثروات، وإنتاج ثقافة عربية متنورة فى ارتكازها على تراث صلب وقدرة على التحاور مع ثقافة الآخر ونتاجه. وهذه هى ذاتها الشروط التى قدمها المثقفون العرب فى عصر النهضة، لذا أعتقد أن جيلى هو جيل عصر النهضة الجديد، وعصر التنوير، وهو قادر على خوض هذه التجربة لأسباب عديدة، منها: أصبحت أدواته ووسائله أكثر طواعية من أدوات ووسائل الأجيال السابقة بسبب شروط العصر الجديدة والانفتاح، كما أنه قادر على إنتاج وعى نقدى بسبب تجربته القاسية فى ظل الأنظمة الجاهلة والفاسدة، ومن جهة أخرى أهليته فى فهم الآخر والتحاور معه، والذى سيبرز بالضرورة التمسك الواعى بالهوية كسيرورة قابلة للتحول والنمو والتطور. أصولية وعولمة!
* يحتدم الصراع فى العالم العربى بين الأصولية المتشددة التى تنتهج العنف وبين العالم الرأسمالى المتعولم الذى يقتحمنا ويفرض شروطه علينا، فى حين يقف المثقف العربى أعزل من أى قدرة على الفعل والتغير، كيف تنظر إلى هذا الأمر، خاصة وأنك تطرقت لهذه التغيرات عبر روايتك "صخب ونساء وكاتب مغمور" حيث كل الأشياء تصل إلى الهاوية فى نهايتها؟
- بالتأكيد الأمر بالغ التعقيد. فمن جهة هنالك الأصولية المتشددة التى تحاول اختزال التراث العربى الإسلامى فى مقولات من إنتاجها هي، وتحتكر تمثيل الحقيقة الدينية والثقافية والتراثية للإسلام المتنوع والمتجدد، وهنالك الرأسمالية المتوحشة التى تحاول اختزال الغرب فى منتوجاتها وتحتكر تمثيله الثقافى والإنسانى والعلمى فى الماكدونالد والبورنو والتسليع المهين للإنسان وتشييئه، وهنالك الحكومات المحلية التى تحاول اختزال الشعب بأدواتها البوليسية وتحتكر تمثيله بسلطتها، وهذه الأقطاب الثلاثة كانت فى حلف متين أيام الحرب الباردة بالضد من التنوير العقلى والفكرى والاجتماعي، وبعد أن اقتسمت الحكومات المحلية مع الرأسمالية المتوحشة ثمرة نهاية الحرب الباردة تركت العصابات الأصولية المتشددة بلا حصة، فشنت الأخيرة حربها ضد هذه الحكومات وبالضد من الرأسمالية المتوحشة، وطالما أن الحكومات تختزل الشعب أصبحت الحرب ضد الشعب، وطالما الرأسمالية المتوحشة تختزل الغرب أصبحت هذه الحرب ضد الغرب، وكان أحرى بصاموئيل هنتغتون أن لا يسمى هذه الصراع صراع حضارات، إنما صراع عصابات، فهى عصابات تحالفت واختلفت على حصصها من السرقة. أما المثقفون الذين تتحدثين عنهم، فهم دور وليسوا وظيفة، المثقفون فى العالم العربى إما مدافعون متشدقون عن الرأسمالية المتوحشة، أو مدافعون متشدقون عن الأصولية المتحجرة، أو مدافعون متشدقون عن الحكومات الفاسدة، لا وجود لإنتاج عقلى متنور وشجاع مثل الإنتاج اللامع والمتميز لنصوص نصر حامد أبو زيد، أو محمد أركون، أو الجابرى أو غيرهم، فهذا الإنتاج لا تهتم به إلا طائفة صغيرة لا صوت لها. الصوت العالى هذه الأيام للرعاع والغوغاء، والقوى الحكومية الفاسدة والمرتدة، وللنخب المتاجرة بالكلمة، والتى تباع وتشترى بأقل الأثمان. لا وجود لنخبة حقيقية فى العالم العربي. وهذا أكثر ما يشعرنى باليأس والإحباط والعجز. حول ماسينيون
* كتابك البحثى الذى صدر مؤخرا بعنوان "ماسينيون فى بغداد" يتناول الجدل الحضارى بين الشرق الروحانى والغرب المادي، ماذا كان الدافع وراء اختيارك الكتابة فى هذا الموضوع؟
- بعضها دوافع شخصية، وبعضها دوافع موضوعية حتمتها اللحظة التى نعيشها اليوم كأمة خارج التاريخ، ومع ذلك وجدت نفسى فى عمق هذا الموضوع، فى جوفه وفى أسفله، ولنقل فى قاعه، من الأسباب الشخصية هى طبيعة حياة ماسينيون المتحركة والجذابة والمغامرة وهى إلى حد بعيد شبيهة بتجربتى الشخصية وحياتي، فقد عشت مثل ماسينيون فى التاريخ، وعشت المغامرة الحياتية فى أقصى حدودها، عشت تجارب سياسية طاحنة، وتجارب فى الحب والوجد، وعشت فى السفر والرحلات إلى تخوم آسيا وأفريقيا، وعشت تجارب الحرب والقتال فى المواضع والخنادق، ثم أجبرت على الهجرات والرحيل، ثم كان اهتمامى بالثقافات البائدة والمندثرة شبيه باهتمام ماسينيون بالثقافات الشرقية، ثم جمعنى معه الإيمان بالشخصيات الثانوية والمهمشة والعائمة فى التراثين الشرقى والغربى مثل الحلاج، والحسن الوزان، وهويسمان، وشواب، وغيرهم، أما الأسباب الموضوعية فكثيرة بطبيعة الأمر، وأهمها إدراك ماسينيون على خلاف جاك بيرك، أن العالم الإسلامى سيصل إلى حداثته الخاصة به، على خلاف جاك بيرك الذى كان يعتقد أن الأمة الإسلامية ستترك تراثها وراءها وتندمج فى الحداثة الغربية، وكانت هذه الفكرة اللامعة والمتميزة ترن فى ذهنى منذ زمن بعيد، وهو ما بينته الوقائع السياسية والاجتماعية اليوم. تجربة ثقافية خاصة
* كيف تقيم الإبداع العراقى على مستوى الكتابة النثرية، أعنى من جيل الكتاب الشباب، هل هناك أسماء معينة تلفت انتباهك وتحرص على قراءة أعمالها؟
- بالتأكيد، علينا أن نقر أولا بأن هناك تجربة سياسية وتاريخية خاصة فى العراق، وبالضرورة ستكون هناك تجربة ثقافية خاصة ومختلفة أيضا، ومن شروط الحرية اليوم أن تكفل مراجعة حقيقية لما ورثناه من الماضي، وإن كانت هذه المراجعة متعثرة بسبب عدم النضج السياسى للتجربة الحالية، وعدم نضج التجربة الديمقراطية، وإخفاق النخب الدينية فى الوصول إلى تعايش مع الوضع الجديد ولكنى متفائل لسببين، الأول: تتشكل الثقافة فى العراق عبر نتاج اجتماعي، أى أنها ليست ثقافة معزولة أو إطارية كما هى فى أغلب المجتمعات العربية، أو تنحصر فى التكوين المؤسسى للدولة، إنما هى من داخل الفئات والتكوينات الاجتماعية، من رجال الدين فى النجف والكاظمية وأبو حنيفة والكيلاني، وهى من داخل التكوينات الأثنية والاجتماعية من العرب والأكراد والسريان والتركمان، ومن التكوينات الطبقية للأرستقراطية المتدهورة، والبرجوازية الناشئة، والطبقة الوسطي، ومن المعوزين أيضا، ومن أحزمة الفقر حول المدن، ويمكننا ببساطة تمييز الأدب الريفى عن المدنى عن البدوي، وهكذا. كما تخوض هذه الفئات صراعات دائمة يجعلها تطور آليات ثقافية تمكنها من المنافسة والمحاورة والرد، ويعزز هذا الأمر التقليد الخاص للقراءة الدائمة وللاستهلاك الفكرى فى العراق. كما أن التحولات السياسية المنفتحة ستجبر قيما ثقافية جديدة على البروز، وأهمها النقد الجذرى للدولة وللحكم وللمجتمع، وهنالك أيضا تجارب حقيقية ستجبر هذا الجيل على كتابة نصوص مختلفة مثل تجربة الاستعمار والاحتلال، وتجربة الدياسبورا والشتات، أما الأسماء التى أقرأها فكثيرة بعضها من الجيل السابق وبعضها من الجيل الحالي، بعضها فى الدياسبورا وأخرى فى الداخل. وأخشى أن أعدها وأنسى أحدا. بيد أن ما أعترف به حقيقة فهو أن الأسماء التى تجذبنى وأتأثر بها وبنصوصها كثيرة جدا. وأنا إلى حد ما نتاجها. ولم أخرج هكذا فجأة?
* ألا تخشى أن يزاحم العمل البحثى والترجمة الإبداع؟
- لا أخشى هذا. فأنا أعد العمل الإبداعى بحثا أيضا. أنا أكتب الرواية مثل أطروحة علمية، أقرأ المصادر، وأضع الهوامش، وأهيء المقولات، وأبدأ بالفرضيات، وأنتهى إلى النتائج، أنا أعد الرواية هى البديل الحقيقى للعلوم الإنسانية، واستخدم كل الأدوات والآليات اللازمة لتدعيم الأفكار أو تهديمها والإطاحة بها، هكذا استخدمت علم الاجتماع والتاريخ والفلسفة فى رواياتى جميعها من "بابا سارتر" إلى "الوليمة العارية"، ولكنى أستخدم طريقة خفية فى تمويه الطرف العلمى فى النص، وإفاضة التهكم الفلسفى بدلا منه، فهو أقرب إلى النص الأدبي، وأكثر إنعاشا للنص السردي، بطبيعة الأمر.
* كيف تصف لحظة العجز أمام الورقة البيضاء؟
- لا وجود لهذه اللحظة، لأنى لا أجلس أمام الورقة البيضاء من فراغ، حينما افكر برواية وهى فى الغالب تأتينى إما أثناء البحث، أو أثناء السفر فى الأقاليم والبلدان، أنشغل مباشرة فى البحث عن مصادر الفكرة فى التاريخ والاقتصاد والسياسة والمجتمع، بعد ذلك أبدأ بتوصيف الشخصيات، ثم أضع معجمها الخاص تحت تصرفى من كلمات وجمل وأفكار، ثم أقوم بتأثيث ملابسها وحاجاتها، ثم أثبت المكان. والذى يتطلب المعاينة والوصف والربط، ويتطلب الخرائط أحيانا "وأنا مولع بالخرائط منذ أن كنت جنديا فى الحرب"، وحين أشرع فى الكتابة لدى على الأقل ثلاث طرق أو أربع أجربها، ومن ثم أختار أفضلها. ثم أشرع بالكتابة حيث أواصل الليل مع النهار حتى أصل إلى مرحلة معينة ثم أتركها وأشرع فى عمل آخر، وأحيانا بعمل ثالث، ومن ثم أعود لأكمل ما أريد إكماله حسب التوقيت أو حسب الوضع والشروط التى أفكر بها فى تلك الفترة، وهكذا لدى الآن مجموعة من الروايات غير مكتملة. اختار منها ما أريد إكماله، ومن ثم تأتينى أفكار جديدة لعمل جديد وأكتب جزءا منه وهكذا. فأنا أكتب على الدوام بالرغم من السفر الذى أحبه، والصداقات التى لا يمكننى أن أعيش دونها، والأحاديث الليلية التى تسحرني، والحب الدائم للنساء فى كل مكان، وبين الكلمات المتبادلة، والآمال الكبيرة أكتب وأنغمر فى لجة ندية وصاخبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.