يعد الفن التشكيلي أحد أهم أوجه التطور الحضاري لدى الأمم المختلفة، فإذا أردنا التعرف على أمة من الأمم ومدى تطورها في شتى النواحي فإننا ننظر إلى ما تركته تلك الأمم من فنون وإبداعات. في هذا السياق يتناول كتاب "الفنان سامي رافع والفن الجماهيري"موضوع الفن ورؤيته البصرية واتصاله بالجماهير، لأنه يحمل في طياته الاختلافات الجوهرية بين مفاهيم الجماهير بتعدد مستوياتهم المختلفة وتذوقهم للأعمال الفنية، كما يناقش موضوع الإبداع الشخصي للفنان هل هو مرتبط برؤية المتلقي في صالات المعارض الخاصة والمتاحف، أم مرتبط بوظيفة أخرى لها الرؤية الشاملة التي تستقبلها الجماهير على اختلاف ثقافتها في أماكن متعددة كالشوارع والميادين والمطاعم ومحطات المترو والمسارح وغيرها؟ويضم الكتاب صوراً لأعمال الفنان، منها: النصب التذكاري للجندي المجهول، الرسوم الجدارية لمحطات مترو الأنفاق وغيرها. وفي المقدمة تذكر المؤلفة د.مها فاروق عبد الرحمن: يعد سامي رافع فناناً جماهيرياً شاملاً، فهو مصمم ورسام ومثال ومعماري ومصور، تميز عالمه التشكيلي بالإبداع الرفيع في تنوع وثراء، من تصميم للنصب التذكارية وديكور المسرح والأوبرا والباليه، إلى طوابع البريد والعملات التذكارية والفنون الجرافيكية وفن الكتاب مع الملصقات الجدارية والشعارات، وحتى فن الخزف والتصوير الزيتي والنحت وأفلام الكارتون، إلى التصميم الداخلي للصروح المعمارية، ولعل من أهم أعمال الفنان سامي رافع النصب التذكاري للجندي المجهول بمدينة نصر. وتشير المؤلفة إلى بداية فكرة النصب التذكاري للجندي المجهول، يقول الفنان سامي رافع: قصة هذا العمل غريبة جداً، وجاءت عن طريق الصدفة، ففي عام 1974 كنت أتابع نشرة الأخبار بالتلفزيون المصري، ورأيت نصباً تذكارياً للجندي المجهول ببغداد، وهو منشأ على شكل قوس مأخوذ من أسس العمارة العراقية القديمة، ومن حضارة بلاد ما بين النهرين. وتذكر المؤلفة: كان هذا ما دفع سامي رافع لتصميم النصب التذكاري، وبالصدفة في عام 1975 ظهر في الجرائد إعلان عن مسابقة لهذا الغرض، وكان من المفترض عند التفكير في هذه المسابقة أن تقتصر على النحاتين، غير أن الفنان الراحل حسين بيكار – والذي كان أحد أعضاء لجنة وضع شروط المشروع – اعترض على قصرها على النحاتين وطالب بأن توجه الدعوة إلى المهندسين والفنانين التشكيليين والمصممين المعماريين بمختلف تخصصاتهم، من منطلق أن الفكرة المبتكرة هي البطل المنشود. أما عن تصميم الرسوم الجدارية لمحطات مترو الأنفاق (الخط الثاني)، فتذكر المؤلفة: لقد توخى الفنان في تصميم جداريات محطات مترو الأنفاق البساطة والعمق في الشكل والموضوع حتى يميز كل محطة عن الأخرى، ويتعرف عليها بسطاء الناس حتى الأطفال، وتلك رسالة تؤكد بالفعل علاقة الفن بالجماهير وكيفية الارتقاء بالذوق العام. وتعتبر محطة الأوبرا أكثر المحطات عمقاً في الأرض، حيث تتكون من ثلاثة أدوار، الدور السفلي يوجد فيه المترو، والدور الأوسط، ثم الدور العلوي في مستوى الشارع، أي على ثلاث مستويات، ويجب أن يكون بينها نفس العلاقة. ويقول الفنان سامي رافع: أخذت عازفة الهارب - وهي أشهر عازفة فرعونية - وقمت بوضعها وكأنها تشد الأوتار فيصدر عنها الصدى ECO الذي يبدو من خلال تكرار خط ولون الوتر، هذا بالنسبة للدور العلوي، وأظهرت خلفها الكورال الخاص بالأوبرا من خلال تكرار الخطوط والألوان، وكأن هناك عازفات خلفها، وقصدت من خلال هذا التكرار وهذا التكوين أن هناك علاقات تشكيلية، بين الموضوع وبين ما يحدث فوق الأرض في الأوبرا وهو الغناء الكورالي والأوبرالي، والذي يتميز بتعدد الأصوات والطبقات. وتتناول المؤلفة براعة الفنان سامي رافع في تصميم أغلفة الكتب، قائلة: يعتبر تصميم الأغلفة من الفنون التشكيلية، كما أن تصميم أغلفة الكتب من الأمور الهامة والحيوية للغاية، حيث يرتبط غلاف الكتاب بما يحتويه. وفي هذا الاتجاه نجح سامي رافع، وفي هذا السياق تتناول المؤلفة غلاف كتاب (عناقيد الغضب) لجون شتاينبك، فتذكر: كتاب عناقيد الغضب هو كتاب من جزئين، ويتحدث عن العنصرية في أميركا، وكفاح الناس لكي تأخذ حقها في الحياة، وهو كتاب مليء بالاضطهاد والديكتاتورية. يقول الفنان سامي رافع: قمت بدراسة علامات الغضب في الوجه، فوجدتها متمثلة في الفم والعين، فرسمت غلاف الجزء الأول للكتاب من خلال بريق في العينين، حيث الخوف والغضب والثورة، وفي غلاف الجزء الثاني مثلت الغضب صادراً من الفم والأسنان المشوهة، ولقد ترجمت كلمة عناقيد من خلال الدوائر المعقودة ببعضها البعض غير المنتظمة. أما عن الملصقات الجدارية تقول المؤلفة: يعد فن الإعلان من النتائج الهامة التي قدمها الفنان سامي رافع خلال رحلة عطائه الفنية، بتفرده وتميزه ببساطة التكوين وسخونة اللون وتعدده، وإثارته للبصر، وكذلك إمكان قراءته والتعرف على ما يقدمه ببساطة ودون تعقيد، أو تعالٍ على رجل الشارع. وتشير إلى ملصق فيلم (ينابيع الشمس) 1971 جون فيني، قائلة: وقصة الفيلم تحكي تاريخ نهر النيل من منبعه حتى مصبه، وقام الفنان سامي رافع بالتعبير عن فكرة ينابيع الشمس من خلال دوائر متكررة بألوان متباينة، وعبر عن الشمس بدائرة في منتصف الملصق باللون الأصفر تحيطها عدة شموس أو ينابيع متمثلة في الدوائر لتحقيق فكرة عنوان الفيلم. وفي مجال تصميم العملات التذكارية، فإن الفنان سامي قد قام بتصميمها ببساطة متناهية تصل مباشرة للمشاهدين، ومن ضمنها العملة التي صممها بمناسبة خمسة وسبعين عاماً على تأسيس كلية الفنون الجميلة بالزمالك عام 1938، والتي تساوي جنيهاً واحداً، فإننا نرى في الجبهة الأمامية أنه وضع شعار جامعة حلوان في المنتصف، وحوله وضع المعلومات أو البيانات الخاصة بهذه المناسبة، وفي الخلفية اتخذ رقم (75) الأساسي في تركيب أدوات الرسم والنحت رامزاً به إلى دور الفن وضرورته، حيث جعل رقم (5) متصلاً برقم (7) بطريقة فنية، فجعل رقم (5) عبارة عن بالته ألوان تخترقها فرشاة الألوان وعدة وأدوات النحت. الجدير بالاشارة أن كتاب "الفنان سامي رافع والفن الجماهيري" صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ويقع في نحو 253 صفحة من القطع الكبير .