تتناول الروائية الإيطالية إلينا فيرانتي في روايتها "صديقتي المذهلة" الصادرة عن دار الآداب في بيروت مؤخرا مدينة نابولي في خمسينيات القرن الماضي. وفي الرواية التي ترجمها إلى العربية المترجم السوري معاوية عبدالمجيد تعيش صديقتان، إيلينا وليلا في حي عمالي بائس وتكبران وتتبدلان وتتساعدان وتتخاصمان في حياة متوازنة نوعا ما، فدروبهما تلتقي وتفترق مثل أي علاقة طبيعية. وتقود المؤلفة الإيطالية التي أشيع أن اسمها مستعار وأنه لا أحد يعلم من هي فيرانتي رحلة مذهلة في دواخل البطلتين حيث يوجد عالمان مختلفان. والروائية بحسب الصحف الأجنبية ذات نظرة ثاقبة، سردها جارف، وصفها متجدد لحياتنا اليوميّة؛ لحياة نحتاج أن ترويها لنا امرأة بهذه الطريقة البديعة. وقد ذكرت صحيفة الايكونومست أن فيرانتي ربما هي أفضل كاتبة عرفتها الرواية الحديثة. أدبها شفاف كالبلّور، حكاياتها غرائزيّة وعميقة في آن واحد. كما ذكرت صحيفة الاندبندنت أنها قبل كل شيء، ماهرة في صناعة الحبكات والمكائد، وقالت كاتبة إيطالية عن فيرانتي إنه لا يوجد مَن كتب عن إيطاليا وأحاسيسها وأحيائها ومذاقاتها وعواطفها العنيفة مثلما فعلت فيرانتي. وأضافت "تحفة بكل ما في الكلمة من معنى... قرأت كل الكتب وأنا في حال من الانغماس؛ ووقعت في سحرها، لم أرغب إلا في ملاحقة حياة ليلا وإيلينا حتى النهاية. ومن أجواء الرواية نقرأ: "أصرّت ليلا، لا أعلم من أين كانت تستمد تلك الشجاعة: أنتم، أنتم من أخذهما. لقد رأيناكم هبط الصمت على تلك اللحظة.هل تقصدينني أنا؟" سأل الدون آخيل، أجل. وقد وضعتموهما في حقيبتكم السوداء. قطب الرجل حاجبيه مستاء حين سمع تلك الكلمات الأخيرة. لم أكن أصدق أننا كنا هناك، قبالة الدون آخيل، وليلا تتحدث اليه بتلك النبرة وهو يرمقها بنظرة مرتبكة، وخلفه كان ألفونسو وستيفانو وبينوتشا، والسيدة ماريا تحضّر مائدة العشاء. لم أكن أصدق أنه كان شخصا عاديا، ربما أصلع وقصير القامة وأطرافه غير متناسقة، لكنه عادي. ولهذا، كنت أنتظر أن يتحول الى كينونة أخرى بعد لحظات. كرر الدون آخيل، كأنه يحاول أن يفهم جيدا معنى تلك الكلمات: أنا؟ أنا أخذت دميتيكما ووضعتهما في الحقيبة السوداء؟، شعرتُ أنه لم يكن غاضبا، ولكنه مضطرب، كما لو كان يبحث عن تأكيد لأمر يعرفه مسبقا. تفوّه بشيء ما بالعامّيّة لم أفهمه. صرخت زوجته: العشاء جاهز يا آخيل، سآتي حالا، مدّ الدون آخيل يده الغليظة إلى جيوب سرواله الخلفية، فأحكمنا الشدّ على يدينا، إذ توقّعنا أنه سيستلّ سكينا. لكنه أخرج محفظته، فتحها، ونظر الى داخلها، وأعطى ليلا بعض النقود.. لا أذكر كم بالضبط. اذهبا لشراء دميتين، قال أخذت ليلا النقود، وسحبتني الى السلالم. فغمغم وهو يطلّ برأسه من السياج: وتذكرا أنني أهديتكما دميتين، فقلت بالإيطالية، وأنا أخذر من الوقوع على السلالم:مساءً سعيدا وشهيّة طيّبة". ولا يزال الغموض يحيط بإيلينا فيرانتي وبشخصيتها الحقيقية، ولم يكشف عن هويتها حتى الآن، وتتعقب روايات فيرانتي بشكل عام العلاقات الانسانية بين الناس في ايطاليا وخصوصا الفقرالذي أصاب مدينة نابولي في أعقاب الحرب، وصولا إلى التغيرات السياسية والاجتماعية التي جرفت إيطاليا في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين حتى الأيام الحالية.