«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كازو ايشيجورو: عالم مستنسخ وابطال يريدون خداع الموت بالحب
نشر في نقطة ضوء يوم 27 - 05 - 2011

في رواية الكاتب البريطاني من اصل ياباني كازو ايشيجورو ابدا، لا تدعني اذهب (2005)، صراع وتنافس في الحب بين اصدقاء ثلاثة يعيشون في عزلة اصطناعية عن العالم، اثنان منهم يحاولان خداع الموت.
ومركز اللقاء هو مدرسة داخلية قديمة تذكر بتلك المدارس الداخلية المعروفة في بريطانيا لكنها مدرسة وليست مدرسة، فطلابها ايتام بلا آباء او نسب معروف، فهم لا يعرفون انهم موجودون ويعرفون انهم موجودون، يقال لهم ولا يقال لهم. ففي ملمح نحسدهم على الحياة التي يعيشونها، كل شيء جميل وابداعي، وكل الحياة عن الفن والجمال والطبيعة التي تحيط بمدرسة هيلشام.
في حياة الاطفال الذين يكبرون ولا يكبرون يحضر الموت كقدر- شرير يخيم على كل شيء في الحياة فهم يعيشون لكي يموتوا ولكي يستخدموا كقطع غيار انسانية لكن الموت في حضوره الرهيب يعبر عنه باطار رقيق. في مركز الرواية التي تشبه عالم الخيال العلمي، ثلاثة اصدقاء يبحثون عن اسئلة تتعلق بوجودهم ومصيرهم وعندما يعرفون الحقيقة يتركون البيت بأدب ولياقة ويحضرون لنهايتهم. الرواية تحولت لفيلم انتج العام الماضي من اخراج مارك رومانيك، ولا يزال يعرض في دور العرض السينمائية في لندن منذ نزوله لشباك التذاكر بداية العام الحالي، وقد كتب نصه اليكس غارلاند واخرجه مارك رومانيك. والفيلم مخلص للنص والحوار يبدو مقتضبا ومقتصدا حيث تتكشف احداث الفيلم شيئا فشيئا لتصل الى نهايتها المثيرة الاكتمال. فالفيلم كما الحكاية الروائية عن كاثي (كيري موليغان) راوية الحكاية وتومي (تشارلي راو/ اندرو غارفيلد) وروث (كييرا نايتلي) الذين يتربون في المدرسة التي وصفناها، وما يجمع الثلاثة هو ما يجمع ابطال ايشيجورو من حس الاقتلاع من الجذور والاحباط والرغبة في الثورة والتي تنتهي بالتسليم بالمكتوب، ويبدو ابطال حكايات ايشيجورو يعكسون طبيعة الكاتب الذي يحمل في داخله تقاليد الانضباط اليابانية والتي يعكسها على الحياة الرتيبة والكئيبة احيانا في بريطانيا. وتبدو حيوات الابطال والحالة هذه خالية من العطف والحنان وتصور اللقطات الجميلة للفضاء هذا الحس. فلقطة بيتية جميلة تنتهي بضحكات كاذبة. وحتى مشاهد الصداقة تبدو منزوعة من الحب والدفء، ففي مشهد تسير كاثي في ممر من ممرات المستشفى مع روث حيث تصل الاخيرة مرحلة الاكتمال بعد ان تبرعت اول مرة وتعرف ان المرة الثانية ستكون النهاية، ومع انهما لم تلتقيا منذ سنوات، يبدو الحديث عاديا كأنهما غريبتان ومن دون تسليم. وعندما تصل روث الى نهايتها وتتحول الى مجرد قطع فالمخرج كما الروائي يقدم المشهد الينا باعتباره عاديا وان مصيرها المحتوم او المحدد ما هو الا مصيرها وعلينا ان نتقبله تماما كما تصبح الحروب وحالات القتل امورا روتينية مقبولة لمن يعيشونها يوميا. فهذا الحس من غياب العطف والتعاطف ايضا هو كل ما يدور حوله عالم ايشيجورو، لان ابطال الرواية يجرون الى قدرهم كالنعاج من دون صرخة او تمرد على القدر المكتوب. وفي داخل هذا الفهم هو معنى الحياة، التي تبدو في صورة الابطال وكأنها على محك التجربة وما علينا الا القبول بشروطها، قدرية. وكما يقول ايشيجورو ان روايته ليست عن اشخاص يخرجون من بيوتهم ولا عن ابطال يهربون، لانها عن الجمال في السرد، والمشكلة التي تطرحها الرواية والمعنى هنا هي عن معضلة الحياة والانسان، ولان فكرة الرواية مجردة وتتعامل مع اشخاص يعيشون حياتهم بطريقة مصطنعة ويتصرفون بطريقة آلية، فقوة الكلمة او السرد هو ما يعطيها اثرها وقوتها في ذهن القارئ. وعليه فعندما تتحول الى المعالجة السينمائية فهي تعاني مثل كل الاعمال الادبية االجميلة من مسألة التفسير وقولبة الصورة الادبية وتحويلها من صورة ذهنية الى صورة فوتوغرافية. ومهما كان الوضع فالكاتب والمخرج وان حاولا تقديم صورة عادية عن حياة الابطال وطريقة تصرفاتهم فان هذه المحاولات تنم عن اسلوب تم فيه كبت لمشاعر هؤلاء الذين يولدون كي يموتوا. فمع كل محاولات الكاتب تقديم فضاء من الجمال والابداع، حيث تعتبر دروس الرسم امرا مهما في حياة الاطفال، ومع ان الفن او الرسم يعني الدفء والتماهي مع الطبيعة الا ان الاطفال الذي يتعاملون مع وضعهم الذين يعرفونه ولا يعرفونه لا يشعرون بهذا التماهي حتى عندما يظهر ان مدرسة من العالم، العالم الخارجي، اقتربت كثيرا من الاطفال. ولكن بعض الاطفال يعبرون احيانا عن نوع من التمرد او عدم القبول للعبة التسليم والاذعان التي هي جزء من الحياة او القدر.
الواقع المصطنع
ومع ان هناك نوعا من التضاد في الحياة مما يشي بالتمرد فانه يظل في مجال الرتابة والثورة المذعنة فعندما يستبعد تومي الطفل الضعيف دائما والمركز على ابداعه الفني - من الدروس ويخرج الى الملعب الاخضر الذي يقف فيه وحيدا، وينظر الى السماء يخلو المشهد من التوتر وهو ما نراه عندما يسترجع تومي المشهد نفسه هذا بعد اعوام، حيث كان مع كاثي وهما يحاولان تأجيل موتهما. ولكن في هذه المرة يبدو تومي وكأنه يعيد تمثيل مشهد قديم. ولان الحياة في المدرسة هي عن العزلة والاعتيادية الغير عادية، فان ما يدور داخلها يؤدي الى احداث نوع من التخبط والتشوش في عقول الاطفال الذين يكبرون فهم لا يفرقون في مرحلة قادمة بين الحب العاطفة والحب الجسدي الجنس. لكن الابطال الثلاثة وعلاقاتهم هي ما تجعل من الرواية والفيلم مثيرين للاهتمام. فالعلاقة بين الثلاث تخلق عنصرا من التوتر، لان المشكلة ان كاثي تحب تومي والاخير يحبها، لكن روث تدخل على الخط وتختطف تومي من الاولى، مع ان علاقة كاثي وتومي تبدو اكثر حميمية. و حتى يخلق المخرج هذا الحس من التنافس ومستوياته، يستخدم رومانيك الضوء والظلام كي يعطي حسا عن هذه العلاقة بين الابطال الثلاثة. فمن خلالها تحرص الرواية في عالمها المرعب وكوابيس الحياة التي تطمح إلى تقديمهاعلى تذكيرنا بقصر الحياة كما في المشهد الاخير حيث تذكرنا كاثي اننا اكتملنا جميعا وتعيدنا الى واقعنا لتقول لنا ان الحياة غير عادلة وقاسية. ولكن ما يعوض كل ذلك هو تلك الاشياء التي يرى ايشيجورو انها عابرة للزمن وتتجاوزه وتأخذنا نحو الخلود: الفن والحب وبهما يصبح للحياة معنى.
الهوية
يرى الكثيرون في الرواية - الفيلم تأطيرا من الكاتب وفهما معادلا لمفهوم الهوية وان القصة وفكرة هندسة البشر واستنساخهم، لاغراض اخرى او للتضحية بهم من اجل توفير الاحتياجات الاخرى للحياة المعقدة، هي صورة عن الهوية البريطانية والحياة البريطانية. فعالم هيلشام بديل عن عالم بريطانيا في نهاية القرن العشرين. وتعكس الرواية ما جرى في العالم من تطور علمي حيث اصبح بمقدور العلم اطالة حياة البشر. فالناس تتجاوز اعمارهم السبعين ولا يزالون في نشاط، مما دعا عدد من الحكومات الغربية إلى التفكير في تغيير سن التقاعد من الستين الى السبعين. وما يجعل من الرواية معادلا عن الحياة اليوم هو ان المعهد الذي تربى فيه الاطفال هو جزء منه مدرسة داخلية (تأكيد على التعليم) والجزء الاخر ميتم (الرحمة والرعاية ). وهما امران يعكسان اهتمام الحكومات بالتعليم والرعاية الاجتماعية، وكما يتحول الناس في مجتمعات اليوم الى مجرد رموز وارقام واشارات فالاطفال في المدرسة محبوسون يشار الى عائلاتهم بالحروف (كاثي اتش) وتراقب حركاتهم بالاجهزة الالكترونية، وكما اشرنا فحياتهم من دون مشاعر. في الرواية تظل الحياة عادية ورتيبة حتى تحضر مدرسة تقطع الرتابة وتثير انتقاداتها للحياة الغريبة غضب مديرة المدرسة ويطلب منها الخروج من المدرسة. ومع ان الرواية تعكس في اجوائها عوالم كافكاوية لكنها في صورة منها خيالية علمية تتمرد على هذا الشكل لاحقا لتدخل عالما آخر من الاسئلة المعقدة ومعنى الحياة وفلسفة الوجود والخلود والجبر والاختيار مواجهة القدر ام التسليم به. فراوية الحكاية كاثي تنقل التنازع في داخل الابطال - طفولتهم وشبابهم وغياب عنصري الابوة والامومة فيها.
عالم الرواية
القارئ لرواية ايشيجورو يلاحق الابطال الثلاثة الذين استمرت علاقتهم منذ الطفولة والشباب وما يمنح الرواية طابعها المثير هو اننا امام ثلاث شخصيات مختلفة في المشاعر والسلوكيات. كاثي مثلا تقبلت دورها في الحياة وهو الوقوف والمراقبة وهذا هو سبب اختيارها لتحكي القصة، اما تومي فضعفه يكمن في ان بقية الاطفال يتحرشون به وهذه النقطة تجعله مركز اهتمام كاثي التي توفر له الحماية والعطف، اما روث فشخصيتها تتميز بالانبساط والانفتاح على الاخرين، ولها رأيها في ما يحدث ومع انها تعطينا صورة بقوتها لكن هذا ملمح مخادع. تظل كاثي وتومي ملتصقين ببعضهما بعضاً طوال الدراسة لكن عندما يخرج الاثنان من المدرسة للعالم الخارجي ويعيشان في بيت كوخ تبدأ العلاقة بين تومي وروث بالتطور فيما تبدأ كاثي رحلتها العاطفية وحيدة وتجربها عبر علاقات متعددة. وتصبح كاثي في اطار العلاقة الجديدة بين روث وتومي مجرد وسيطة او مقربة لوجهات النظر بينهما حيث تتميز علاقتهما بنوع من التوتر والتقلب. وبعيدا عن الواقع الداخلي اي العلاقة بين الثلاثة فانهم يواجهون معركة تكمن في طريقة تعاملهم مع العالم الخارجي وجعل الاخرين يتقبلونهم، في وقت يأخذ تومي فيه بالحديث عن نظريات مفادها انهم - اي مخلوقات هيلشام - مصممون على أن يلعبوا دور النفايات الارضية. فهم يقومون بدور المتبرع ويعرفون كما يحدث مع تومي وروث انهم سينتهون بعد جولة او جولتين من التبرع بأعضائهم. وفي مرحلة من الرواية تزور كاثي روث التي انهت اول جولة من التبرع وتحضر نفسها للجولة الثانية حيث تعني نهايتها، ومن هنا تتحول كاثي الى ممرضة لها. وفي اثناء هذا تقترح روث على كاثي القيام برحلة. وتقرران اخذ تومي معهما. ويركب الثلاثة قاربا. وفي اثناء ذلك تعتذر روث الى كل منهما لانها فصلت بينهما وتقول ان السبب كان هو خوفها من الوحدة. ويعرف الجميع في هذه الرحلة ان المدرسة اغلقت وان هناك امكانية لتأخير اكتمالهم ان وقع ابناء المدرسة في الحب. وعليه تعطي روث كاثي رسالة لهما وفيها عنوان مدام ماري كلود التي كانت تزور المدرسة وتجمع اعمال الاطفال الفنية.
زيارة المدام
وبعد وفاة او اكتمال روث، تتطور العلاقة بين كاثي وتومي حيث تصبح ممرضته وحبيبته. وبناء على نصيحة روث يقرران البحث عن المدام. وكدليل على حبه للمدام يأخذ تومي معه بعض اعماله الفنية، ولكن المدام تقودهما الى السيدة ايملي - مديرة المدرسة القديمة والصارمة. وفي هذه الزيارة يعرف تومي من المدام ان تأكيد المدرسة على الفن كان من اجل اقناع المجتمع الخارجي على ان ابناء المدرسة لهم ارواح اي بشر. وتعتبر السيدة ايملي ان فكرة الوقوع في الحب قد تؤخر عملية التبرع والموت مما يصيب تومي بالدهشة وكاثي بالتسليم. وتنتهي الرواية بنهاية تومي حيث تتحول كاثي هي الاخرى كمتبرعة وتحضر نفسها للاكتمال. جاء عنوان الرواية من اغنية على شريط امريكي لمغنية خيالية جودي بريدجووتر. وفيها تقول حبيبي، ابدا لا تتركني اروح. في النهاية فان اجواء الفيلم وعالمه الذي يدور في ماض كان ينظر للمستقبل تذكر بفيلم المخرج جوزيف لوزي الملعونون و الجزيرة ميكائيل بي وكذلك القرية نايت شايلامان لكن هذه المقارنة يجب ان تقوم على المفارقة.
في عالم ايشيجورو
قلنا ان حس الملاحقة والاحباط ومحاولة التمرد التي تنتهي بإذعان هي من علامات الكتابة عند ايشيجورو، فالثلاثي كاثي وتومي وروث في الفيلم الحالي تذكير بأبطاله الاخرين، كما في روايته فنان العالم العائم (1986)، والتي تحكي عن فنان عجوز يفشل بالتوصل لمصالحة مع نفسه كفنان ودعائي في اليابان اثناء الحرب. ومثل ستيفنز في بقايا اليوم التي عولجت هي الاخرى سينمائيا، نواجه خادما - سفرجيا وهو يفكر بوضعه كخادم، ويصارع نفسه بين عواطفه نحو السيدة كينتون، سيدة البيت، ومسؤوليته كخادم، فالعواطف والواجب يتواجهان في معركة داخلية.
اما عازف البيانو- رايدر في روايته المستعصي على العزاء (ترجمة قريبة) التي يراها البعض من احسن اعماله، حيث يصل رايدر الى مدينة في وسط اوروبا كي يحيي حفلة موسيقية فيها ليواجه قلقا يشعر فيه بنسيان موسيقاه ويصارع نفسه والوقت كي يحضر نفسه لحفلة يوم الخميس. ولا بد من الاشارة هنا إلى ان ايشيجورو معني في رواياته بالكشف عن ضعف وماضي ابطاله، عبر اسلوب يعطيهم الحق بالحديث عن انفسهم. وتترواح ازمنة واماكن ابطاله بين المدن والارياف، لكن الريف والمدينة يظلان ملغزين ومن دون علامات واضحة فالمدن غير معروفة او في بيوت تقليدية بريطانية او احيانا في مدينته التي ولد فيها. ويلحظ ان رواياته ذات نهايات مفتوحة، ويظهر اسلوب ايشيجور محاولة مقصودة منه لاظهار التجارب المخفية في الماضي لدى ابطاله ويسمح لهم والحالة هذه للتوصل والكشف عن مكامن ضعفهم. وكما شاهدنا في ابطال الفيلم فان الابطال ينتهون بعد المعركة الداخلية وعلى الرغم من التعاطف معهم لتقبل ماضيهم والتسليم بما جرى لهم.
ولد ايشيجور في ناغازاكي في عام 1951 وانتقلت عائلته الى بريطانيا عام 1961، درس كاتبنا في جامعة كينت وتخرج منها عام 1978 . وحصل منها على بكالوريس في اللغة الانكليزية والفلسفة. واثناء دراسته قرر اخذ عام اجازة من الدراسة وسافر الى امريكا وكندا واثناءها كتب يوميات عن رحلاته. وكان ممن درسوا في المساق المعروف في جامعة ايست انجليا والذي تخرج منه عدد من المواهب الابداعية البريطانية. في عام 1982 حصل على الجنسية البريطانية. ويعتبر مع ماكيوان وايميس وغيرهم من اهم الكتاب الروائيين البريطانيين اليوم ورشحت اعماله مثل بقايا اليوم لجائزة بوكر. وبحسب صحيفة التايمز فقد جاء ايشيجورو في المرتبة رقم 33 من بين اهم خمسين كاتبا بريطانيا. من اعماله الاخرى منظر شاحب من التلال (1982)، عندما كنا ايتاما (2000).
-------
Never Let Me Go
Production year: 2010
Runtime: 103 mins
Directors: Mark Romanek
Cast: Andrew Garfield, Carey Mulligan, Charlotte Rampling, Keira Knightley,


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.