نائب رئيس جامعة أسيوط يتفقد مركز النيل للتنوير والإشعاع الثقافي    نائب محافظ بنى سويف يستعرض توصيات مهرجان النباتات الطبية والعطرية    البورصة المصرية تسجل قمم تاريخية خلال جلسة تعاملات الأحد.. تفاصيل    عاجل- الرئيس السيسي يتطلع لتعزيز التعاون مع النرويج في التحضير لمؤتمر إعادة إعمار غزة    عاجل- إسرائيل تقرر وقف إدخال جميع المساعدات إلى قطاع غزة وإغلاق المعابر    فوز ثمين لفريق زد على بتروجيت في الدوري المصري    موعد مباراة الشرطة ضد الاتحاد السعودي والقنوات الناقلة في دوري أبطال آسيا للنخبة    مباشر مباراة ريال مدريد وخيتافي اليوم (0-0) في الدوري الإسباني    مقتل شاب برصاص صديقه في شبرا الخيمة إثر مشاجرة بالمنشية الجديدة    الثلاثاء.. انطلاق الملتقى الدولي للفنون العربية المعاصرة ضمن فعاليات مهرجان دي-كاف    عرض مسلسلات قلبى ومفتاحه وظلم المصطبة وجودر على القاهرة والناس    أسامة السعيد ل الحياة اليوم: الرئيس السيسي أكد أهمية الإعلام فى حروب الوعى    أسماء جلال ويسرا اللوزى وأروى جودة بإطلالات جذابة على ريد كاربت فيلم كمان وكمان    «بيعتبروه لغة الحب».. 5 أبراج تعشق الأكل    إصابة 5 أشخاص باشتباه تسمم إثر تناول وجبة رز وخضار بقرية دلجا بالمنيا    أستون فيلا يقلب الطاولة على توتنهام في الدوري الإنجليزي    بنك saib يطلق حملة لفتح الحسابات مجاناً بمناسبة اليوم العالمي للادخار    زيادات مرتقبة في أسعار السجائر.. و«الشرقية للدخان» تعلن السعر الرسمي للمستهلك    لجنة تطوير الإعلام تشكل 8 لجان فرعية والاجتماعات تبدأ غدًا    نائب رئيس المؤتمر: كلمة الرئيس السيسي تجسد ثوابت الدولة في الصمود والتحدي    أول تعليق للرئيس السيسي على الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود    هل يجب إخراج الزكاة عند بيع المحصول أم قبل الحصاد؟.. الدكتورة إيمان أبو قورة توضح    هل يمكن العودة للصلاة بعد انقطاع طويل؟ .. أمين الفتوى يجيب    مشروبات مهمة تحسن سكر الدم بالجسم    ما بعد حازم.. 3 بدائل لمساعدة فيريرا.. والبلجيكي يتمسك ب«الوحدة»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-10-2025 في محافظة قنا    بتهمة القتل.. تأجيل محاكمة خفير وعاطل أطلقا الرصاص على شخص بشبين القناطر    فيديو.. نقيب الإعلاميين يكشف لأول مرة رأيه في التناول الإعلامي لقضية إبراهيم شيكا    مستثمرو السياحة يتوقعون زيادة التدفقات السياحية بعد وقف الحرب على غزة    مشروب طبيعي قبل النوم، يساعد على تهدئة الأعصاب وتحسين المزاج    وفاة الإعلامية فيفيان الفقي بعد صراع مع المرض    إنجاز جديد.. مصر تتوج بلقب بطولة العالم للأساليب التقليدية برصيد 54 ميدالية    كشف ملابسات مشاجرة بالشرقية بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي    البحوث الزراعية ينظم المنتدى الثقافي العلمي الثاني| الثلاثاء المقبل    رئيس البرلمان العربي يهنئ المستشار عصام الدين فريد بمناسبة انتخابه رئيسًا لمجلس الشيوخ    الثلاثاء.. محمد الحلو وريهام عبدالحكيم على مسرح النافورة    جامعة المنوفية والتأمين الصحي يبحثان الإرتقاء بالمنظومة الصحية    شعبة الذهب تقدم نصيحة للمتعاملين.. شراء الذهب الآن أم التأجيل؟    اللواء محيى نوح: الرفاعي استشهد على تبة الصواريخ بعد تدمير دبابات العدو    المتهمون بسرقة متحف اللوفر فتحوا علب مجوهرات نابليون باستخدام منشار كهربائى    تعرف على نصيحة توروب ل تريزيجيه بعد أول مباراة مع الأهلي    لماذا يُعد الاعتداء على المال العام أشد حرمة من الخاص؟.. الأوقاف توضح    عصابة العسكر تنتقم…حكومة الانقلاب تعتقل صحفيا بتهمة الكشف عن سرقة أسورة فرعونية من المتحف المصرى    «الخارجية» و«الطيران» تبحثان توسيع شبكة الخطوط الجوية مع الدول العربية والأفريقية    التعليم تعلن مقررات امتحان شهر أكتوبر 2025 لطلاب الصف الثاني الثانوي العام شعبة علمي    أول ملتقى توظيفي لدعم شباب الأطباء وتأهيلهم لسوق العمل بطب الإسكندرية    الاستخبارات التركية تساهم في وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    اندلاع حريق في مصفاة نفط روسية بعد هجوم بطائرات مسيرة    يشم ويمضغ العشب.. زميل رونالدو يكشف عاداته في التدريبات    تحمل مساعدات لغزة.. سفينة الخير التركية السابعة عشر تفرغ حمولتها بميناء العريش    توقيع وثيقة استراتيجية التعاون القُطري بين مصر ومنظمة الصحة العالمية    حالة الطقس بالمنيا ومحافظات الصعيد اليوم الأحد 19 أكتوبر    الرعاية الصحية: إنشاء إطار إقليمي موحد لدعم أداء المنشآت الصحية مقره مدينة شرم الشيخ    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    المشدد 15 سنة لمتهمين بحيازة مخدر الحشيش في الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود درويش يستعيد شاهدة قبره من نيتشه
نشر في نقطة ضوء يوم 21 - 06 - 2016

على قبر محمود درويش شاهدة تتزين بعبارته الشهيرة: (على هذه الأرض، سيدة الأرض… ما يستحق الحياة)، ولا أعرف أذية أسوأ من أن يتم اتهامه بسرقة هذه العبارة بالذات، وتجريدها من اسمه بعد أن اختارها لترافق نومه الأبدي، لتصبح بذلك محلّ جدل بين المدافعين عنه والمتحاملين عليه.
قال المدافعون عن درويش بأن تطابق العبارتين بينه وبين نيتشه، ما هو إلا توارد خواطر أو نوع من الاقتباس المشروع، ولا أعرف لماذا لم يبحثوا عن دليل البراءة، فهم يعلمون بأنها حجة واهية ولا يمكن أن تبرر اقتباسا حرفيا من ملكية فكرية غير مشاعة. أما المهاجمون فكان دليلهم الوحيد هو وجود العبارة في كتاب «ديوان نيتشه»، ترجمة محمد بن صالح وصدر عن منشورات الجمل عام 2009، ضمن نص حمل عنوان «أغنية للشرب»، ورد في الصفحة 244 وجاء فيه: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة: يوم واحد قضيته مع زرادشت علمني أن أحب الأرض».
لكن… هل هذا دليل كافٍ لإدانة شاعر بحجم محمود درويش وتداول خبر تجريده من أخلاقيات الموهبة وتحويله إلى لص، ثم نشر القضية على نطاق واسع حتى بات كثيرون يذيلون جملته باسم الشاعر الألماني؟ بالنسبة لي على الأقل..لم يكن الأمر كافيا.
فبحكم معرفتي بأن ما يتم ترجمته غالبا إلى اللغة العربية لا علاقة له بالنص الأصلي بعد أن قارنت مئات النصوص المترجمة بأصولها وأصبت بالصدمة من هول المجزرة، قررت البحث بنفسي عن الحقيقة الموجودة في الكتاب الأصلي لنيتشه، لأعثر أخيرا على نسخة منه، صدرت عن مطابع س.ج نومان عام 1891 في مدينة لايبزيغ، أي أثناء حياة نيتشه الذي توفي بتاريخ 25 أغسطس/آب عام 1900، وهو بالمناسبة ليس ديوانا شعريا، بل رواية فلسفية من أربعة أجزاء (لا أعرف كيف تحوّل إلى ديوان )، وبعد بحث دقيق وجدت النص الأصلي في الجزء الرابع، الصفحة 119 (التي تم إرفاق صورتها مع المقال)، وجاء فيها ما يلي:
Und dass ich so viel bezeuge, ist mir noch nicht genug. Es lohnt sich auf der Erde zu leben: Ein Tag, Ein Fest mit Zarathustra lehrte mich die Erde lieben.
الكلمات واضحة لمن يتقنون الألمانية، لكن حرصا على استحضار روح الحقيقة، أرسلت المقطع إلى مسقط رأسه، واتصلت بالشاعر نورس ابراهيم في ألمانيا وكلفته بالتدقيق الحرفي لكل كلمة في النص، وقد حصل ما توقعته تماما وجاءت ترجمته الحرفية كالآتي : «ومع أنني شهدت الكثير، ولكن مع ذلك لم يكن هذا كافيا لي، نعم.. لقد اكتشفت بأن الحياة تستحق أن تُعاش فوق هذه الأرض.. يوم واحد مع زرادشت احتفال واحد، علمني كيف أحب هذه الأرض».
وللتأكيد أكثر على أن هذه الترجمة لا تمت للعبارة الدرويشية بصلة، ولمن لا يتقنون الألمانية، يمكن الاستعانة بشاهد آخر، إنه كتاب «هكذا تكلم زرادشت» الصادر عن دار الجمل نفسها عام 2007، للمترجم علي مصباح الذي يبدو جهده أفضل من غيره، وجاء في الصفحة 587: «الحياة فوق هذه الأرض أمر جدير بالعناء، يوم واحد، حفل واحد، مع زرادشت، علمني كيف أحبّ هذه الأرض» . فكيف تحوّلت العبارة ذاتها إلى عبارة درويش في الترجمة الجديدة لمحمد بن صالح؟
وفوق كل هذا سأضيف دليلا أخيرا يقدمه لنا المترجم هنري ألبير الذي قدم ترجمة فرنسية للأعمال الكاملة لفردريك نيتشه، عام 1903، والصادرة عن مؤسسة «الزئبق الفرنسي»، حيث نعثر على المقطع المطلوب في الصفحة 459، وجاء مطابقا لترجماتنا:
Il vaut la peine de vivre sur la terre
في حين أن ترجمة عبارة درويش الحرفية إلى الفرنسية تكون كالتالي:
Sur cette terre…il y a ce qui mérite de vivre
إن الفرق إذن واضح جدا بين العبارة التي وردت في الرواية الألمانية وبين العبارة المقتطعة من النص الشعري العربي، ما يؤكد أن محمود درويش بريء من سرقة نيتشه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، ولا علاقة بينهما مطلقا إلا في استخدام كلمات متشابهة لقول عبارتين مختلفتين في المعنى، ففي حين يقول نيتشه بأنه اكتشف أن الحياة تستحق أن نعيشها بمعنى أن نخوض تجربتها وأن نمارسها، فإن درويش يرى أن على هذه الأرض – أرضه، سيدة الأرض- ما يستحق أن يعيش وما يستحق أن تكون له حياة وما يستحق أن يظل حيّا، بل تجاوز ذلك في نصه إلى ذكر هؤلاء المستحقين للحياة: تردد إبريل، رائحة الخبز، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس، أول الحب، عشبٌ على حجر، هتافات شعبٍ… وغيرها.
بالمختصر: الحياة في عبارة نيتشه هي التي تأخذ استحقاق «أن نعيشها» وأن نمارسها، أما في عبارة درويش فإن ما عدده من أشياء على هذه الأرض هي المعنية باستحقاق «أن تعيش» وأن تمارس وجودها، إن الفرق بينهما في المعنى لا يحتاج إلى دار إفتاء.
وأضيف أيضا، أن عبارة نيتشه جملة متداولة جدا في السياقات الثقافية والفكرية، والقول بأن درويش نقل عبارته عن نيتشه، قول باطل، لأن العكس هو ما حدث فعلا، فالمترجم هو من اختلسها من درويش بعد موته ونسبها إلى نيتشه، واستند المهاجمون على العبارة المزيفة لصنع عاصفة داخل فنجان، غرضها تحطيم صورة الشاعر الكبير وهزّ ثقة القارئ في منجزه مما سيجعل كثيرين يستحلّون السرقة من غيرهم (أسوة بكبيرهم الذي علّمهم الشعر) ولو كانوا يبحثون عن الحقيقة كما يدّعون لكلفوا أنفسهم عناء البحث عنها وكشف مصدرها كما فعلنا أعلاه، قبل الهجوم عليه.
إن هذه الحادثة تكشف في النهاية هشاشة المنظومة الثقافية والفكرية واستسهال التدمير والتدليس والتخريب، كما تكشف خطورة جرائم الترجمة على تاريخنا، فلن يتوقف الأمر عند العبث بالنصوص الأجنبية، بل يمكن لأي مترجم غدا أن يستنسخ قصيدة أي شاعر ضمن ترجمة ما، ثم يدعي هو أو أي قارئ عابر أن صاحب العبارة الحقيقي هو من سرقها، وسنجد كثيرين يتداولون المعلومة الكاذبة… لكن من سيعترض؟ لا أعرف .كل ما أعرفه هو أننا جميعنا في خطر ضمن هذه الفوضى، ولا عزاء لنا في النهاية وسط كل هذا الضياع الذي نعيشه، سوى أن العبارة الفلسطينية الضائعة عادت اليوم لأرضها و لصاحبها، وآن لدرويش أن ينام في قبره مطمئنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.