"غبار الترجمة" هو عنوان أحدث كتب الشاعروالمترجم العراقي المعروف عبد الكريم كاصد. صدر مؤخرا عن مؤسسة "أروقة" للطباعة والنشر والترجمة، التي أصدرت لكاصد خلال مدة وجيزة أكثر من سبعة كتب بين شعر ونثر وترجمة. يأتي كتاب "غبار الترجمة" ضمن حمي أخذت بالشيوع وهي حمي حميدة باعتبار حسن النوايا واعني بها اعتكاف عدد من المترجمين المعروفين علي إعادة النظر وتقييم ما ترجم من أعمال أدبية لكبار كتاب العالم منذ مطلع الخمسينات، تلك التي قرأناها بالعربية وكأننا نقرؤها بلغتها دون أن نفكر فيما إذا كان هناك خطأ ما في نقل جملة أو معني من عبارة أرادها كاتبها غير ما أرادها أو غير ما فهمها المترجم. ثمة ضمن موجة حمي التقييم تلك، أفكار مختلفة منها إعادة ترجمة شعراء عالميين عرفهم العالم العربي وفق تلك الترجمات القديمة، وقد ابتلعت معاني نصوصهم كتب ودراسات ومناهج وبحوث أكاديمية، من أمثال رامبو وبودلير واليوت وشكسبير وسواهم.. وتأتي الترجمات الجديدة لتتحدث بصمت عن سوء أو عدم فهم الترجمات القديمة، لكن هناك كتب تحدثت بشكل واضح وكشفت من خلال مقارنات كم أن الترجمات القديمة كانت غير صحيحة وأنها حوت أخطاء بعضها يعد كارثيا وقد أعطت معاني مخالفة وغير دقيقة عما أرادها كتابها العالميون. ومن الكتب التي تناولت تلك المشكلات، كتاب الشاعر عبد الكريم كاصد الذي نحن بصدده. يبدأ الكتاب بمقدمة يذكر فيها الكاصد كم أن مهمة الترجمة صعبة إلي الحد الذي يُمزج فيها الأخلاقي بالمهني والثقافي بالتقني فهو يقول واصفا محنة الترجمة والباحثين في الترجمة إنها: لا تكمن في خيانة الترجمة ولا في اختلافها أو اشتراطاتها مثلما هي لا تكمن في ما هو نقيض ذلك أيضا..في أمانتها وهويتها وحريتها..، إنما هي تكمن في اجتماع الاثنين معا..) ثم يمضي الكاصد في استعراض وشرح معني كلمة ترجمة وما المقصود منها. بعد المقدمة يبدأ الكاصد بحثه ومتن كتابه في إطلالة يدخل منها إلي زمن أوائل الخمسينات حيث بدأت الترجمات الأولي لشاعر الانجليزية الأهم إليوت، كاشفا عن تاريخ هذا الشاعر المجيد في كتب الترجمة التي أحالت شعره من لغته إلي العربية، ومتوقفا علي الكثير من المشكلات التي انتابت تلك الترجمات التي اظهر الكاصد تناقضاتها واختلاف معانيها الكثيرة بين مترجم وآخر.. ويأخذ الكاصد إليوت وترجمة أعماله ونصوصه كنموذج أكبر في كتابه إذ خصص لهذا الموضوع أكثر من نصف الكتاب الذي تبلغ عدد صفحاته 108 صفحات. ثم يأتي بحثه الآخر ليكمل الكتاب وهو مخصص لترجمات الشاعر والكاتب المسرحي المجيد شكسبير وخاصة مسرحيته الشهيرة ماكبث. وقد عرّف الكاصد بتاريخ تعلقه وقراءته لأعمال شكسبير من خلال ترجمات طه حسين في الستينات وما ترجمه جبرا إبراهيم جبرا ليدخل في مقارنة مع ترجمات أخري لشكسبير ومنها ترجمات خليل مطران والشاعر صلاح نيازي فضلا عن رؤيته هو أي الكاصد بخصوص الترجمة والنصوص رادا كل معني مترجم إلي نصه الأصلي الانجليزي أو الآخر الفرنسي ومنقبا عن تلك المشكلات التي رافقت تلك الترجمات وخطيئة إيصالها إلي القارئ بعيدا عن أو تشويها لحقيقتها. هذه المقارنات هي متعة هذا الكتاب، إذ يقدم أذواق ومعارف وفهم المترجمين لجسد العبارة التي تأتي في سياق نص لشاعر عالمي، وكيف سيتأفف القارئ أو يحتفي أو يستاء من تلك العبارة وشاعرها، وكيف أن الأمر فيه إجحاف كبير حين نعرف أن الجملة التي أدهشتنا أو العبارة التي استأنا منها هي لا علاقة لها بأصلها إطلاقا.