وافقت د. أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة على الاقتراح المُقدم من الجمعية المصرية الروسية لخريجى الجامعات الروسية بأن تحتفل مصر رسمياً بذكرى ميلاد الكسندر بوشكين كل عام بالأعلى للثقافة في ذكرى مولده، فى إطار دعم العلاقات الثقافية بين مصر وروسيا وخاصة وأن بوشكين يُعد رمزاً وجسراً بين الثقافتين في روسيا والشرق. جاء ذلك في الندوة التي أقامها المجلس في أولى أمسياته الرمضانية بعنوان "بوشكين والثقافة العربية" بالتعاون مع المركز الثقافى الروسي والجمعية المصرية لخريجى الجامعات الروسية, بمناسبة مرور 217 عاماً على ميلاده. وأكدت الصبان أهمية ترابط وتلاحم العلاقات الثقافية بين مصر وروسيا وضرورة التعاون والعمل لتنشيط عملية التبادل الثقافي بين المستشرقين الروس والعرب واقامة العديد من الندوات التي تلقي الضوء حول الأدباء والشعراء الروس تمجيدا وتخليدا لأعمالهم الأدبية. وقام د. الكس تيفانيان (مستشار السفارة الروسية ومدير المركز الثقافى الروسي بالقاهرة) بإبراز الدور الأدبي بدعوة الخبراء الروس للأحتفاء بيوم بوشكين في مصر مؤكدا أنه من الصعب تقييم قيمة وأهمية بوشكين عند الروس فهو صاحب دور كبير وفعّال في تاريخ الثقافة الروسية، واستطاع أن يحقق تميزا، فهو بالفعل شاعر عظيم أستطاع ان يجسد في أعماله التراث الأدبي الروسي حيث مثّلت إبداعاته كل الطبقات الروسية من عادات وتقاليد وحياة اجتماعية موضحا النقاط السلبية بالمجتمع والنزعة الفردية. كما أدخل الاتجاه التهذيبي وهو اتجاه جديد فى الأدب الروسي وقتذاك مهتما بالقضايا الوطنية والعلاقة بين السلطة والشعب، فدراسة بوشكين تدفع إلى دراسة الأدب الروسي، ومعرفة مراحل القيصرية الروسية منذ بطرس الأول حتى نيقولا الأول، وكذلك معرفة الحوادث التاريخية التي وقعت في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وأشار د. أنور مغيث (رئيس المركز القومى للترجمة) إلى العمل بإعداد مشروع ضخم يقوم على ترجمة الأعمال الأدبية الروسية وترجمتها من الروسية إلى العربية وطباعتها ونشرها للاستفادة منها، فنحن منفتحين على الثقافة الروسية ومهتمين بها ونرصد كل أعمال المستشرقين الروس، كما نادى أيضا بضرورة ترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى اللغة الروسية لكي تتم عملية التبادل الثقافي, مؤكدا أن ذلك المشروع هو مشروع ضخم وكبير يزيد من توثيق العلاقات الثقافية بين البلدين، كما ذكر العديد من الأعمال الأدبية المهمة لبوشكين والتي تحولت إلى أعمال مسرحية. وأكدت د. مكارم الغمري (أستاذ الأدب الروسي بكلية الألسن وعميدة الكلية سابقاً), أن المجلس الأعلى للثقافة يقوم بدور ضحم وقوي في تنشيط الثقافة المصرية وربطها بالثقافة الروسية، وانها لم تكن المرة الأولى التي يحتفي المجلس بالشاعر العطيم بوشكين، وانما سبق أن احتفى به عام 1999 وهذا يؤكد على حرص مصر الحبيبة بتفاعل العلاقات الثقافية المصرية الروسية، ثم قامت بسرد تاريخ لأعمال بوشكين والتي قسّمت إلى ثلاثة أقسام هي القصائد والمسرحيات والنثر. وأشار د. محمد نصر الجبالي (أستاذ الأدب الروسي بكلية الألسن) إلى الشاعر بوشكين الذي يعتبر جسر التواصل بين روسيا والشرق, وأيضا نتاجا لهذا التواصل، مؤكدا أن ترجمة أعمال الشاعر تستحق الاحترام والتقدير، ويمكن البناء عليه في سبيل إعداد وإصدار المجموعة الكاملة لإبداعاته النثرية والشعرية فى إصدار واحد مصحوبة بترجمة أهم الدراسات التي تناولت حياته ودوره في النهوض بالأدب الروسي وعملية بناء الوعى المجتمعي في روسيا في بداية القرن التاسع عشر. وأكد شريف جاد (رئيس الجمعية المصرية لخريجي الجامعات الروسية) على أهمية الاحتفاء بذكري ميلاد الأديب الكسندر بوشكين بالمجلس الأعلى للثقافي بمصر، وأنه خير دليل على التوثيق والتأكيد على الدور الذي تقوم به الثقافة المصرية في تسليط الضوء على الأدباء والمستشرقين الروس، مشيرا إلى مراحل تطور العلاقات المصرية الروسية عبر التاريخ الحديث والدور الروسي فى العديد من المشروعات الكبري مثل بناء السد العالي وغيره عبر التاريخ، كما أشار إلى تلك المبادرة الطيبة من المجلس الاعلي للثقافة والمركز القومي للترجمة التي تحيي العلاقات الثقافية بين البلدين بإقامة مثل هذه الندوات القوية، مضيفاً أن هذه العلاقات سوف تشهد انطلاقة قوية في الفترات القادمة. كما تناولت الندوة علاقة بوشكين بالثقافة الشرقية, حيث إن بوشكين ولد عام 1799, ولقى مصرعه في مأساة درامية ومؤامرة مدبرة من قيصر روسيا عام 1837, لكونه الشاعر الذي عبر عن أحلام البسطاء في روسيا, وأتخذ الثوريون الروس في هذا الزمن من أشعاره الهاماً لشعارات الثورة, بما أغضب القيصر وقرر التخلص من بوشكين بالنفي, ومن هنا بدأ صعود نجم بوشكين الى لقب أمير الشعراء في روسيا وتربع على قمة الأدباء والشعراء الروس حتى أن الكاتب الكبير دوستويفسكى قال إننا نسير وراء هدى بوشكين, ولولاه ما وصل الأدب الروسي الى ما هو عليه الأن. لقد وجد بوشكين منذ الطفولة المبكرة الظروف الملائمة لتشكيل موهبته الشعرية, فهو من أب ضابط مهتم بالشعر, وعمه فاسيلى بوشكين هو أحد الأدباء الروس, بالإضافة الى أنه عاش في منزل يقصده كبار الشعراء والكُتاب الروس, مما خلق مناخاً ثرياً للطفل الشاعر القادم, وقد لعبت موهبته الذاتية دوراً كبيراً في هذا التطور. وكانت في حياة بوشكين امرأتان كان لهما دوراً كبيراً في التنشئة الروحية لشاعر المستقبل, الأولى هي مُربيته الروسية الفلاحة البسيطة التي علمته الكثير وكتب فيها شعراً, والثانية هي الجدة ماريا حفيدة الجد إبراهيم الذي نهل منهما شاعر المستقبل الحكاية الشعبية والمأثورات, وعندما أدرك بوشكين أن له جذورا من شمال افريقيا, حيث اختطف جده إبراهيم في سن الثامنة من شواطئ أفريقيا ونُقل الى القسطنطينية وهناك اشتراه السفير الروسي وأرسله كهدية الى بطرس العظيم قيصر روسيا, الذي اهتم بهذا الفتى الأسمر وترعرع داخل القصر حتى صار من المقربين من القيصر, وخدم في الجيش الروسي وأبلى بلاءً حسناً مما جعل القيصر يزيد من عطفه عليه. وعندما أشتد عود الشاب بدأ يبحث عن جذوره الشرقية وخاصة بعد أن نال الأوسمة العسكرية وتزوج مرتين, فشلت الزيجة الأولى, والثانية أثمرت عن سبعة أبناء. تأثر بوشكين بهذا التاريخ وكان شديد الإعتزاز بهذا النسب وعندما ذهب الى الشرق للبحث عن جذوره وجد درة الشرق هي مصر, فأخذ يقرأ القراّن الكريم الذي ترجم الى الروسية, كما تأثر بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وبدأت أشعاره تتأثر بتاريخ الشرق وكتب قصائد منها "من وحي العربي" عام 1835, "كيلوباترا", "الرسول" عام 1826, "قُباسات من القراّن" وفيها ظهر تأثره بالقراّن لدرجة وجود أبيات متأثرة بالقراّن, "ليالى مصرية", كل هذا يؤكد تعلق روح بوشكين بالشرق. ويأتى احتفاء الأعلى للثقافة ببوشكين ليكون احتفاء بأحد الأدباء الذين أثروا الحياة الانسانية أمثال شكسبير وتشارلز ديكنز, ورغم مرور أكثر من 200 عام لا يزال الكسندر بوشكين يتربع على عرش الأدب والشعر الروسي, وقد تُرجمت أعماله الى أكثر من 200 لغة في العالم, كما توجد تماثيله في العديد من دول العالم بما فيها مصر, حيث يوجد بها 3 تماثيل لبوشكين الأول بمكتبة الإسكندرية, والثانى بكلية الألسن جامعة عين شمس, والثالث بالجامعة الروسية, وتحتفل روسيا به سنوياً في السادس من يونيو/حزيران.