ترتبط هذه السيرة في مصر بعدد من الرواة ذائعي الصيت، من بينهم جابر أبوحسين ومحمد الضوي وعلي جرمون، كما ارتبطت كذلك بشاعر العامية المصرية الراحل عبدالرحمن الأبنودي، وهو أحد أكثر الشعراء والمثقفين المصريين اهتماماً بالسيرة الهلالية، والتي جمعها في موسوعة ضمت خمسة أجزاء، كما أنه أول من نادى بإنشاء متحف للسيرة الهلالية في مصر. ويعد متحف السيرة الهلالية الذي دشن قبل عام في مدينة “قنا” الواقعة إلى الجنوب من القاهرة تتويجاً لهذه الجهود التي بذلها شاعر العامية المصرية الراحل عبدالرحمن الأبنودي من أجل جمع التراث المرتبط بهذه السيرة. وتبرز أهمية هذا المتحف الذي يقع على أطراف المدينة ويتسم طراز بنائه بالبساطة كونه المتحف الوحيد من نوعه في مصر المخصص لأحد أهم فروع الموروث الشعبي الشفاهي. كما يتميز تصميمه الداخلي بالبساطة شأنه شأن واجهته، إذ تتزين أبوابه بالعناصر الزخرفية المستقاة من الفن الشعبي وتتوزع على أركانه وجدرانه بعض لوحات تجسد مشاهد مستوحاة من السيرة الهلالية. هذه المشاهد نفسها التي تسجلها اللوحات كانت ترسم على جدران المنازل في صعيد مصر بشكل عفوي، فسيرة بني هلال هي إحدى أكثر السير انتشارا في ربوع الصعيد المصري، وغالبا ما ترتبط صورة بطل هذه السيرة (أبوزيد الهلالي) في المخيلة الشعبية المصرية بذلك الرجل قوي البنية ذي الشوارب الكثيفة، هكذا رسمه الفنان الفطري ممسكا بسيفه وممتطيا صهوة جواده. إلى جوار هذه اللوحات المرسومة يمكنك أن تطالع أيضا صورا فوتوغرافية لأشهر الرواة الشعبيين الذين توارثوا مهنة الحكي أباً عن جد. ويشمل هذا الصرح الثقافي الذي يقع على مساحة 870 متراً مربعاً مبنى المكتبة ومتحف السيرة الهلالية ومسطحات خضراء. وتضم المكتبة ما يزيد على العشرة آلاف كتاب في جميع المجالات، جزء كبير منها تم إهداؤه للمتحف من قبل الشاعر عبدالرحمن الأبنودي والكاتب جمال الغيطاني، هذا بالإضافة إلى الكتب والدواوين المسموعة من أشرطة الكاسيت والأقراص المدمجة للرواية الأصلية للسيرة الهلالية، ودواوين الشاعر عبدالرحمن الأبنودي التي توثق لرواة السيرة الهلالية، وتعليقاته عليها. كما يشمل المتحف أيضاً غرفة لحفظ وعرض الوسائط السمعية والبصرية. فماذا قدم هذا المتحف لزائريه اليوم بعد مرور عام على افتتاحه؟ يقول الباحث أحمد خليل عن المتحف الذي يقع تحت إدارته “إنه كغيره من المتاحف المتخصصة في مصر لا يلقى الإقبال الكافي من المواطنين، غير أننا نحاول التغلب على ذلك الأمر بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والجامعات المصرية، وخلال العام المنقضي كان هناك العديد من الزيارات المدرسية للطلبة، كما أن المتحف يفتح أبوابه دائماً للدارسين والمتخصصين في التراث الشعبي. وعن دور الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي في تأسيس متحف السيرة الهلالية يقول خليل “جهود الأبنودي كانت الأساس الذي بني عليه متحف السيرة الهلالية، فقد نادى به طويلاً وخاطب المسؤولين بخصوصه حتى تحقق حلمه في النهاية. لقد قضى الأبنودي عمره ليجمع هذه السيرة من ألسنة الرواة الشعبيين، ووجود هذا المتحف هو أفضل تتويج لهذه الجهود”. ويرى محمد الألفي – وهو أستاذ الأدب الشعبي في جامعة جنوب الوادي وأحد أبناء قبيلة بني هلال في صعيد مصر – أن المتحف لا يمثل تتويجا لجهود الأبنودي فحسب، بل هو تتويج أيضا للرواة والحكائين المصريين والعرب الذين حملوا عبء المحافظة على هذا الموروث شفاهيا من جيل إلى جيل، وهو نقطة إشعاع لأبناء مدن الصعيد كافة، كما يمثل كنزا تراثيا للدارسين والمهتمين بالتراث والموروث الشعبي الغنائي والشفاهي. ويضيف الألفي “متحف السيرة الهلالية يرسخ في وجدان الناس ضرورة الحفاظ على الموروث، ويؤكد على أهمية المحافظة على التراث الشعبي المصري والعربي غير المادي، كما يعكس القيمة الأدبية للسيرة الهلالية لدى المصريين والعرب بوجه عام، بوصفها واحدة من أهم السير الشعبية العربية وأكبر عمل أدبي ملحمي في التراث العربي، أطلق عليها البعض “إلياذة العرب”، وهي تمثل حتى وقتنا هذا أقرب الملاحم الشعبية وأكثرها رسوخا في وجدان الإنسان العربي وذاكرته الجمعية.