25 ديسمبر، نتيجة جولة الإعادة بالمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025    صيدلة جامعة العاصمة تفوز بجائزة "Safir Award" من وزارة الخارجية الفرنسية    محافظ الغربية يتابع رصف مصرف الزهار وتطوير حديقة قطور    90 % من المحال العامة غير مرخصة؟ برلماني يكشف أرقامًا صادمة    مستوطنون يقتحمون الخليل.. وإصابة 3 فلسطينيين إثر اعتداء في طولكرم    الرئيس الكوبي يدين القرصنة الأمريكية ويعلن التضامن مع فنزويلا    مشاورات سياسية بين وزير الخارجية ونظيره في جنوب السودان    إبراهيم دياز وسفيان رحيمي يقودان المغرب ضد جزر القمر في افتتاح أمم أفريقيا 2025    صادق محمود يحصد 4 فضيات و4 برونزيات فى البطولة العربية بقطر    سبورتنج يفوز على الأهلى ويتوج بكأس سوبر كرة السلة سيدات    كشف غموض العثور على جثة فتاة ملقاة بالطريق فى الغربية    مظاهر الكريسماس تزين ريد كاربت عرض خاص فيلم خريطة رأس السنة    محمد المشعل وحازم أحمد يقدمان "جناين ورد" باللهجة المصرية بتوقيع بتول عرفة.. فيديو    توقف التحضير لمسلسل "حرم السفير"، تعرف على السبب    رئيس التأمين الصحي يوجه بسرعة تشغيل عيادة السلام الجديدة لدعم الخدمات الطبية    تجاوزت 8% خلال أسبوع.. استمرار قفزات الفضة بسبب نقص المعروض وتزايد الطلب    مدير تعليم القاهرة تكرم الطلاب ذوي الهمم بمدرسة الفسطاط    سيسكو يقود هجوم مانشستر يونايتد أمام أستون فيلا في البريميرليج    حقيقة توقيع يوسف بلعمري مع الأهلي 3 مواسم ونصف.. مصدر يكشف    الأهلي يفوز على إنبي بثلاثية في دوري السيدات    فيلم "القصص" يفوز ب التانيت الذهبي لأفضل فيلم بمهرجان قرطاج    ضبط طرفي مشاجرة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال التاريخي وسط القاهرة بعلامة تاج العالمية    حصاد 2025.. تنفيذ أكبر خطة حضارية لتطوير شوارع مدينة كفرالشيخ| صور    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثياً حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    وكيل الأزهر يلقي محاضرة لعلماء ماليزيا حول "منهج التعامل مع الشبهات"| صور    على أنغام الربابة.. نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك| صور    «النجمة التي سقطت من السماء» يفتتح عروض نوادي مسرح الطفل في الغربية    مفتي الجمهورية: المؤسسة الدينية خَطُّ الدفاع الأول في مواجهة الحروب الفكرية التي تستهدف الدين واللغة والوطن    الجيزة توضح حقيقة نزع ملكية عقارات بطريق الإخلاص    رئيس الإمارات يبحث مع نظيره الفرنسي تعزيز العلاقات    القيمة السوقية لمنتخبات أفريقيا في كان 2025    تقرير عالمى يدعو لتضافر الجهود لمعالجة الثغرات المتزايدة فى الحماية التأمينية    أمن الجيزة يفحص فيديو اقتحام عدد من الخيول فناء مدرسة بمنطقة بولاق    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الكهرباء الموقف التنفيذى لمشروعات الطاقة المتجددة    إحالة أوراق قاتل زوجته أمام أبنائه إلى المفتي بالبحيرة    نصيحة للأمهات، احذري من تأثير ضغط الدراسة على علاقتك مع أبنائك    انطلاق المسح الصحي لرصد الأمراض غير السارية بمحافظة قنا    فيديو | الجمهور يتجمع حول محمد إمام إثناء تصوير "الكينج"    الداخلية تكشف حقيقة فيديو محاولة سرقة شخص بالسيدة زينب: خلافات عائلية السبب    لماذا نشتهى الطعام أكثر في الشتاء؟    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    اعترافات المتهم بقتل زميله وشطر جثمانه ل4 أجزاء بالإسكندرية: خبرتي بالجزارة سهلت تقطيع الجثة    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب إفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف المواهب الرياضية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخرين في بورسعيد إثر حادث تصادم بين سيارتين    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    فضل العمرة فى شهر رجب.. دار الإفتاء توضح    رئاسة الجمهورية : الرئيس السيسى استعرض مع بارزانى رؤية مصر لاستعادة الأمن والاستقرار فى المنطقة    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    كورتوا: حمل شارة قيادة ريال مدريد كان حلما.. ومن الصعب إيقاف مبابي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب في مواجهة التابوهات
نشر في نقطة ضوء يوم 28 - 04 - 2016

اختلف المفكرون واللغويون في تسميتها، فقالوا عنها «تابوهات» و«طابوهات» و«تابوات» و«محظورات» و«محرمات» و«مسكوت عنه» وما شابه ذلك. وعادة ما تُقرَن في مجتمعاتنا العربية بثلاثة مواضيع وهي الدين والجنس والحاكم، وتُعرف باسم «الثالوث المحرّم».
وما هي في واقع الأمر وقفا على هذا الثالوث، فهي أكبر وأوسع وتتعدّى هذه العتبات والخطوط الحمراء والحدود لتمتدّ إلى فضاءات أخرى ليست أقلّ شأنا. فالتابوهات تشمل كل ما يحرّم مسّه أو ما لا يحلّ انتهاكه في المجتمع، ومن شأنه أن يثير حساسيةً وجدلاً وفتنةً.
فمن التابوهات الأخرى التي لا تقل أهمية تابوهات قبلية وطائفية ومذهبية، ومن جملة ذلك على سبيل المثال حساسية كتابة الكردي عن العربي، أو العربي عن الأمازيغي، أو السني عن الشيعي، أو المسيحي عن المسلم، أو المسلم عن اليهودي، أو المسيحي الكاثوليكي عن المسيحي البروتستانتي، وغير ذلك. ولعلّ أبسط مثال على هذه الحساسيات عندنا هو ما أثير من جدلٍ في الوطن العربي آنفا في موضوع احتمال ترجمة رواية «ذاكرة الجسد» للروائية أحلام مستغانمي إلى اللغة العبرية.
وتمتدّ التابوهات لتشمل حتى الدعوة لتطبيع العلاقات والتعايش مع أمم أخرى نقاطعها سياسيا أو نختلف معها أيديولوجيا. ومن أخطار التابوهات على البشرية جمعاء أنها تستطيع أن تقف حاجزا مانعا لمساعي إحلال السلام بين الشعوب ومد جسور الصداقة والتعاون بينها. ومن شأنها أن تكون عدوا لدودا لمبادئ الإنسانية والمحبة، فتقف حجر عثرة تعيق سيرها وانتشارها. وإن كانت المعتقدات والطقوس والأيديولوجيات والقوانين أحاطت الإنسان منذ الأزل بخطوط حمراء لا يجوز له تجاوزها، فهل أفلحت العقوبات في ردعه عنها؟
الإنسان حيوان متمرّد بطبيعته، راضخ لميوله، مستكين لأهوائه. وكلّ ما هو ممنوع في الكون من حوله مرغوب فيه، يشدّ نظره إليه، ويستهويه. والتمرّد والخروج عن المألوف سلوك يلازم الإنسان الضعيف بطبعه ولا تسلم منه حتى الملائكة. فها هو إبليس – وهو من الملائكة – يعصي أوامر خالقه ويرفض السجود لآدم في قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ» (البقرة: 34). وها هما أوّل البشر، آدم وحواء، يعصيان أمر الله ويتجهان إلى شجرة التفاح الممنوعة، فيعاقبان بالخروج من الجنة في قوله تعالى «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ «35» فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ «36» (البقرة)»
وها هو قابيل ابن آدم يرتكب هو أيضاً المحرمات فيقتل شقيقه هابيل. والتاريخ حافل بمثل هذه الأحداث التي تؤكد طبيعة الإنسان المتمردة ونزعته إلى ارتكاب المحرمات شرعا أو قانونا.
وليست التابوهات وقفا على ثقافة من الثقافات ولا ديانة من الديانات. فالتمرّد على الأحكام معروف منذ قديم الزمان في كل الحضارات. فها هو أفلاطون ينتهك التابو السياسي بنقده النظام الديمقراطي. وها هو سقراط يخترق التابو الديني بمخالفة قومه في وثنيتهم، فيُعاقَب بالإعدام. وانتهاك التابوهات في الأدب العالمي معروف منذ قديم الزمان، وهو انعكاس طبيعي لطبع الإنسان وسلوكه.
ففي تابو الدين، نجد مثلا رواية «الأمير» للكاتب نيكولو مكيافيلي، فقد صدرت سنة 1513 وهي اليوم تُعدُّ من أشهر الروايات التي حظرتها الكنيسة الكاثوليكية، بحجّة أنها تعبث بالعقيدة المسيحية وتضلل من يقرأها. ففي هذه الرواية ينتقد مكيافيلي الدين المسيحي انتقادا شديداً ويحمّل الكنيسة مسؤولية تأخّر قيام الوحدة الوطنية الإيطالية عدة قرون. ورواية «عزازيل» للروائي العربي يوسف زيدان هي أيضاً أثارت جدلا واسعا لأنها تناولت الخلافات اللاهوتية المسيحية القديمة حول طبيعة المسيح ووضع السيدة العذراء، وقيام المسيحيين باضطهاد الوثنيين المصريين في الفترات التي أضحت فيها المسيحية ديانة الأغلبية المصرية. وقد أصدر «الأنبا بيشوي» سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانًا اتهم فيه مؤلّف الرواية بالإساءة إلى المسيحية.
وفي تابو الجنس، رواية «مدار السرطان» للكاتب الأمريكي الشهير هنري ميلر تعدّ من أشهر الروايات التي تم حظرها عالميًا لمحتواها الجنسي الصريح. ولم يرفع عنها الحظر إلاَّ في عام 1961، وهي اليوم مصنّفة ضمن الروايات الرومانسية الكلاسيكية. ورواية «عشيق الليدي تشاترلي» للكاتب البريطاني ديفيد هربرت لورانس طبعت أول مرة في فلورنسا عام 1928 وبيع منها أكثر من مليونين نسخة في السنة الأولى من النشر، ومن ثم تم حظرها في المملكة المتحدة وإيرلندا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والصين واليابان، لما فيها من تعبيرات مكشوفة ووصف صريح للجنس بكلمات جنسية جريئة، فمُنِعت من النشر في بادئ الأمر. وفي تابو العرق، رواية «أمير الذباب» للكاتب وليم جولدنج الحائز جائزة نوبل، وهي قصة أثارت جدلا واسعا بمجرد نشرها عام 1945، فتمّ حظرها في البداية واتهامها بالعنصرية، لأنها تلمّح إلى أن الشر مرتبط بالبشرة السوداء.
وقد تتعدد التابوهات في رواية واحدة فتتعدد بذلك أسباب الحظر. فرواية «قلب الظلام» للروائي البولندي البريطاني جوزيف كونراد عام1902، تم حضرها في مناطق من الولايات المتحدة الأمريكية لاستخدامها كلمة «زنجي». وتم حظرها أيضا في الاتحاد السوفيتي وألمانيا وبولندا لأسباب سياسية.
والتمرد على التابوهات في الأدب العربي ليس حديث النشأة. فنحن إن نظرنا إلى الماضي أدركنا أنه يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، ووجدنا له آثارا تمتدّ إلى العصر الجاهلي وصدر الإسلام. فها هم الشعراء الصعاليك من أمثال الشنفرى وقيس بن الحدادية وعروة بن الورد يثورون على أوضاع مجتمعاتهم، فتتجلّى في أشعارهم بذور النقد السياسي. وها هو الشعر الإباحي ينضج في العصر الأموي على أيدي أدباء من أمثال سحيم عبد بني الحسحاس وعمر ابن أبي ربيعة الذي يعدّ زعيم الغزل الإباحي. وها هو الأدب العربي في العصر العباسي يخطو خطوة كبيرة في طريق التهتك والإباحية وبألفاظ فاحشة على أيدي أدباء من أمثال أبي نواس ومطيع بن أياس وحماد عجرد.
ويتواصل الأدب الإباحي في العصر الحديث من خلال أعمال نجيب محفوظ، وهو القائل: «عندما أكتب لا أعبأ بشيء على الإطلاق». ونجده في مؤلفات الكاتبة عالية ممدوح وإلهام منصور وليلى عثمان وعدد متزايد من الأدباء. وإن كنا في بعض المؤلفات الحديثة نرى مشاهد جنسية عفوية طبيعية تتشابك مع خيوط القصّة ضمن نسيج روائي منسجم ومتكامل، فإننا في أعمال أخرى نشعر بتكلّف وإسراف. ونشعر بأنّ الجنس صار غاية ينشدها الكاتب وليس وسيلة يصور من خلالها بعض أحداث روايته، وطبعا إذا زاد الشيء عن حدّه انقلب ضدّه.
الإبداع يعتمد على الخيال، والخيال لا يقبل أن يقيّد بقيود، والإبداع يحبّ كلّ ما هو طبيعي تلقائي، ولا يحبّ التكلّف والمبالغة بغير حدود. والإبداع مثل الشجرة. فإن كانت الشجرة تحتاج إلى فضاء لتُغصن وتُبرعم، فإنّ الإبداع أيضا يحتاج إلى فضاء لينمو ويتبلور. وإن كانت الشجرة تحتاج إلى ماء لكي تبقى على قيد الحياة، فإنّ الإبداع أيضا يحتاج إلى ماء. وماء الإبداع ينبع من أفكارنا وخيالنا. والإبداع مثل الشجرة، إن كان يحيا بالماء فإنه قد يموت من كثرة الماء. ومن يسعى لتقييد إبداعنا فهو كمَن يسعى لتقييد الهواء في السماء، أو كمَن يسعى للسباحة ضد تيارٍ مائي متدفّق، وذلك أبعد ما يكون عن المنطق. فإن قال لي قائل: لماذا تجرّأت وكتبتَ ما كتبت؟ قلتُ: إنِّي أكتبُ كما أردتُ أنا وليس كما أردتَ. فهذا أنا وليس أنتَ. فإن مانعتَ، خذ قلمي واكتب به أنتَ ما شئتَ.
......
*روائي جزائري مقيم في بريطانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.